انتخابات تركيا.. أسباب الاهتمام وحملة العداء!

بواسطة | مايو 25, 2023

بواسطة | مايو 25, 2023

انتخابات تركيا.. أسباب الاهتمام وحملة العداء!

يحبس الأتراك أنفاسهم!.. ومثلهم أيضا شعوب المنطقة، والدول الفاعلة في الشرق والغرب من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وحلفاء وخصوم تركيا والرئيس أردوغان؛ وذلك انتظارا لمعرفة من سيكون رئيس تركيا القادم، بنتيجة انتخابات جولة الحسم المصيرية لانتخابات الرئاسة في ٢٨ مايو الجاري.
يخوض الانتخابات كل من الرئيس رجب طيب أردوغان، زعيم تحالف الجمهور المكون من أربعة أحزاب، ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، زعيم تحالف الأمة، الهجين الهلامي لستة أحزاب قومية ووطنية وعلمانية ومحافظة. وهذه الانتخابات قد تكون الأخيرة لكلا المرشحَين.

تحظى الانتخابات التركية باهتمام ومتابعة واسعين، خاصة مع الانتقال إلى الجولة الثانية الحاسمة؛ ويأتي الاهتمام من الغرب وإعلامه، وفي المقدمة الولايات المتحدة وأوروبا، ومن روسيا والصين وإيران، ومن حلفاء وخصوم تركيا الإقليميين.

من متابعتي، كمتخصص في الشأن الأميركي، أجد أنه لم ينافس قبل الآن أهميةَ ومتابعة انتخابات الرئاسة الأميركية أيُّ انتخابات أخرى في دول العالم، فرضت نفسها في الداخل الأميركي وفي الخارج، بتأثيرها وتداعياتها على حلفاء وخصوم أمريكا على حد سواء. لكن ما نشهده مؤخرا يؤكد أن انتخابات الرئاسة التركية بين الرئيس رجب طيب أردوغان من جهة، وكمال كليتشدار أوغلو من جهة أخرى، تفرض نفسها بقوة في الداخل التركي، وفي صراع على الهوية له تأثير على دور ومستقبل تركيا، بين نهجين وتوجهين متضادين ومتصادمين؛ وبين أردوغان المجرب بسجله وإنجازاته، والمعارضة بخطاب شعبوي عنصري منغلق، يفتقد لبرنامج عمل اقتصادي مقنع، ويشيطن اللاجئين، ويفتقد لسياسة خارجية توظف إنجازات 21 عاما من حكم أردوغان وحزبه، بل ويهدد إنجازاته!.
لذلك تحظى الانتخابات التركية باهتمام ومتابعة واسعين، خاصة مع الانتقال إلى الجولة الثانية الحاسمة؛ ويأتي الاهتمام من الغرب وإعلامه، وفي المقدمة الولايات المتحدة وأوروبا، ومن روسيا والصين وإيران، ومن حلفاء وخصوم تركيا الإقليميين. وتعقد مراكز دراسات ندوات مكثفة، تلقيت مؤخرا دعوات للمشاركة في عدد منها.
ما يجعل الانتخابات بالغة الأهمية، خاصة للرئيس أردوغان، تزامنها مع مرور قرن على نهاية الخلافة الإسلامية وتأسيس مصطفى كمال اتاتورك الجمهورية التركية عام 1923، وسعي تحالف كليتشدار أوغلو لإنهاء حكم الرئيس أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، بعد واحد وعشرين عاما في الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، والفوز بـ 16 انتخابا دون خسارة واحدة، في انتخابات البلدية والبرلمان والرئاسة؛ وهو إنجاز غير مسبوق، دفع قوى المعارضة لتشكيل تكتل قوي لم يسبق له مثيل، ضد حكم الرئيس أردوغان، الذي يتعرض مع حزبه لحملة تشهير وافتراءات وتحشيد شخصي منها؛ ومن قوى غربية مع إعلامها ممثلا بكبرى وسائل الإعلام من صحف ومجلات وفضائيات، دأبت على مهاجمة وشيطنة الرئيس أردوغان، ووصفه بالطاغية والمستبد والحاكم الفردي، وحتى تسييس نتائج استطلاعات الرأي.
جاء ذلك لرفضهم وجود قائد قوي في دولة محورية مهمة مسلمة، تمثل الإسلام المعتدل الناجح، الذي يوفق بين المحافظة على العلمانية والمحافظة على الجذور وتعاليم الإسلام، ويتحدى حملة الغرب، ويعيد آيا صوفيا مسجدا كما تعهد؛ ويمارس استقلالية في قراراته، ويستخدم الفيتو لانضمام السويد لحلف الناتو كما يؤخر انضمام فنلندا حتى تستجيب الدولتان لمطالب تركيا، ويقوم بذلك بجرأة وبكاريزماتية، وبطابع مستقل؛ ما يؤهله للعب مع الكبار في الغرب والشرق، يساعده في ذلك عضوية تركيا في أقوى حلف عسكري عرفته البشرية، حلف الناتو، وعضوية تركيا في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات دول العالم.
ويُحسب للرئيس أردوغان وحزبه النجاح الهائل الذي تحقق، برغم حملة العداء والافتراءات والشيطنة، من دول ووسائل إعلام غربية، ومعها بعض العربية للأسف، وصلت لتجاهل إنجازاته وإنجازات حزبه على مدى واحد وعشرين عاما، واتهمت الرئيس أردوغان بالمستبد والمتسلط، مع أن الفوز الذي حققه مع حزبه أتت به صناديق الاقتراع على مختلف مستويات المناصب، البلدية والبرلمانية والرئاسية ومعها استفتاء تعديل نظام الانتخابات من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

برغم حملة الافتراءات وتداعيات الزلزال المدمر، وبرغم الوضع الاقتصادي المتراجع وارتفاع التضخم وأسعار السلع، نجحت سياسات حكومة الرئيس أردوغان بخفض التضخم إلى 43.7%

يواجه أردوغان تهما وحملات عداء تصفه بالديكتاتور!. وهوالذي وضع تركيا على خريطة الدول المؤثرة في إقليمها، وهو لاعب له حضور على المسرح الدولي. فإذا كان أردوغان ديكتاتورا، فلماذا نشهد في الانتخابات التركية تنافسا يحبس الأنفاس، كما تابعنا في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة ضد منافسه مرشح المعارضة كليتشدار أوغلو؟. ولماذا يحتاج المستبد لجولة إعادة ثانية ليحسم سباق الرئاسة؟.. المستبد أو الديكتاتور لا يحتاج لجولة إعادة، ويكتسح الجولة الأولى بانتخابات صورية أقرب إلى الاستفتاء؛ كحال كيم جونغ أون، وصدام حسين، وبشار الأسد، وجمهوريات عربية ابتدعت الـ 99%!.
برغم حملة الافتراءات وتداعيات الزلزال المدمر، وبرغم الوضع الاقتصادي المتراجع وارتفاع التضخم وأسعار السلع، نجحت سياسات حكومة الرئيس أردوغان بخفض التضخم إلى 43.7%،  ما ساهم بخفض أسعار السلع. وفي خطوة لقيت استحسان الملايين قرر زيادة الحد الأدنى لأجور موظفي الحكومة بنسبة 45% ليصل الحد الأدنى لراتب الموظف إلى 15 ألف ليرة (حوالي 768 دولارا) شهريا، بدءا من شهر يوليو القادم. وفي سابقة تعهد الرئيس أردوغان، بعد تسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي من البحر الأسود، بتوفير الغاز للاستهلاك المنزلي شهريا مجانا لمدة عام!.
وبرغم جميع تلك التحديات فاز الرئيس أردوغان بـ 49.52% من الأصوات وأكثر من 27 مليون صوت، وكذلك نجح تحالف الجمهور بقيادة أردوغان وحزبه بالفوز بـ 323 مقعدا منها 268 مقعدا لحزب العدالة والتنمية بمفرده -برغم خسارة 27 مقعدا عن عام 2018- ما يضمن الأغلبية لتحالفه في برلمان من 600 عضو، ويعني إفشال مشاريع قوانين المعارضة، وكذلك حرمانها من إعادة النظام السياسي في تركيا إلى النظام البرلماني كما تطالب وتهدد. وبإعلان سنان دوغان دعم أردوغان تتعزز فرص فوزه بالرئاسة لفترة ثالثة.
تصنف الدراسات الإستراتيجية تركيا ضمن القوى المركزية المهمة في إقليمها، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، برغم عدم امتلاكها مصادر طبيعية ومصادر للطاقة؛ وقد أوصلها إلى ذلك ما حققته حكومات العدالة والتنمية من إنجازات، وضعت تركيا على الخريطة، ورفعت من مكانتها كقوة مؤثرة في إقليمها، لها دورها كوسيط في حل الأزمات الدولية، كما نشهد في مجريات حرب روسيا على أوكرانيا.. وذلك كله يتوج أردوغان زعيما!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...