انتخابات 14 مايو.. ليست “القومية” بل “الوطنية”

بقلم: نديم شنر

| 22 مايو, 2023

بقلم: نديم شنر

| 22 مايو, 2023

انتخابات 14 مايو.. ليست “القومية” بل “الوطنية”

فاجأت الانتخابات التركية العامة، الرئاسية والبرلمانية، والتي أجريت في 14 مايو الجميع.
حيث قامت وسائل الإعلام المعارِضة للحكومة بالتلاعب بالناخبين عن طريق نشر بيانات غير واقعية؛ فتم إقناع ناخبي المعارضة بأنهم سيفوزون في الانتخابات من خلال إحداث فرق في الجولة الأولى. ولعبت الأحزاب المعارِضة وشركات الاستطلاع والصحفيين والمذيعين التلفزيونيين المقربين منهم دورا حاسما في تشكيل هذا التصور.
وبالطَّبع، لقد كانت الصحافة الأجنبية المقربة من المعارضة مخطئة في كل مقالاتها وتعليقاتها حول تركيا. إلّا أنَّ أخطاءها لم تقف عند هذا الحد، وإنما تعدته إلى الأساس الذي بنت عليه تصوراتها، فربطته بـ “بتنامي موجة القومية”.
ووفقاً لهم، فإن الحركة السياسية اليمينية آخذة في التنامي في جميع أنحاء العالم، وقد أصبحت القومية التيار السياسي الحاسم في تركيا، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم. ولنا هنا أن نسأل: إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتم تفسير حقيقة فوز التحالف الجمهوري بأغلبية في البرلمان التركي في انتخابات 14 مايو، وحقيقة أن الرئيس رجب طيب أردوغان فاز بنسبة 49.5٪؜ من النقاط، وتغلب على خصمه المستند إلى “موجة القومية”، وما هو المفهوم الذي يمكن أن يفسر نتائج الانتخابات الـ 15 التي فاز فيها خلال 21 عاماً في السلطة؟!.

هناك  في كل مجموعة عرقية في تركيا أشخاص من جميع الأديان، والغالبية العظمى منهم يصفون أنفسهم بأنهم “أتراك”. إلا أن هذا لا يعني تفوق عرق معين، كما يصفه الأوروبيون. وهذا هو السبب في أن القومية في تركيا ليست “قائمة على العرق”، وليست “عنصرية” على الإطلاق.

إن التحليلات التي يتم إجراؤها في كل من الصحافة الأجنبية، ووسائل الإعلام المقربة من أحزاب المعارضة في تركيا، خاطئة وغير دقيقة، تماما مثل تنبؤات نتائج الانتخابات. والأسوأ من ذلك أنهم مخطئون حتى في تصورهم لسبب خطئهم.
ولأنهم لا يعرفون الأمة التركية فإن تعليقاتهم على الأمة التركية، تستند إلى التعريفات التي وضعها الأوروبيون. فمصطلح “القومية” في نظر الغربيين، يصف مجموعة عرقية معينة، وهذا الوصف لا يراعي اختلافات الناس الذين يعيشون في تركيا، من حيث العرق والمعتقد والوضع الاقتصادي وطريقة التفكير، لذا نجد أولئك يخلقون “القومية التركية” في أذهانهم ويحللونها بالتعميم. وعندما تظهر نتائج التحليل معاكسة لتوقعاتهم، يقولون إنهم أخطأوا بجزء صغير فقط، أو يلومون الفئة التي يقومون بتحليلها.
بالطبع، “القومية” هي فكر وحركة مهمة في تركيا. لكن هناك  في كل مجموعة عرقية في تركيا أشخاص من جميع الأديان، والغالبية العظمى منهم يصفون أنفسهم بأنهم “أتراك”. إلا أن هذا لا يعني تفوق عرق معين، كما يصفه الأوروبيون. وهذا هو السبب في أن القومية في تركيا ليست “قائمة على العرق”، وليست “عنصرية” على الإطلاق.
إذن، ما هو المفهوم الذي كان مؤثراً في انتخابات 14 مايو؟. الجواب بالنسبة لي: “الوطنية”.. واسمحوا لي أن أبين ذلك.
هل ستغزو أمريكا أو الدول الغربية الأخرى تركيا؟. بالطبع لا.
هل ستقتطع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية جزءا من تركيا؟.. بالطبع لا.
انخفض عدد إرهابيي منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في تركيا إلى 80 إرهابيا فقط. وقد توقف تقريبا عن أن يكون تهديدا داخليا.
ولم ترسل الولايات المتحدة أو دول أخرى سفنها أو طائراتها أو جنودها لغزو تركيا. فإنهم لا يجرؤون حتى على فعل ذلك.
إذن لماذا صوت أغلبية الناخبين الأتراك للتحالف الجمهوري وأردوغان؟. الجواب بسيط.. لأن الناخبين كانوا خائفين من موقف المعارضة.

عندما قال كيليتشدار أوغلو للصحافة الأمريكية: “سنفرض عقوبات على روسيا”، كان الناخبون قلقين من أن يقف كمال كيليتشدار أوغلو إلى جانب الولايات المتحدة ضد مصالح تركيا.

يرى الناخبون أن كمال كيليتشدار أوغلو، المرشح الرئاسي لتحالف الأمة، يمكن أن يفعل ما لم تستطع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية القيام به لمدة 40 عاما، وأنه يمكن أن يمهد الطريق لعملية الانقسام في تركيا من خلال البرلمان التركي. وأدرك الناخبون أن التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذراع السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، تحول إلى “وحدة هدف”.
مرة أخرى، عندما قال للصحافة الأمريكية: “سنفرض عقوبات على روسيا”، كان الناخبون قلقين من أن يقف كمال كيليتشدار أوغلو إلى جانب الولايات المتحدة ضد مصالح تركيا.
واعتقدوا أن كمال كيليتشدار أوغلو بتصريحه الذي يفيد “سنعطي الأولوية للتعاون مع دول أوروبا الغربية” سيُضعِف، أو حتى يُنهي العلاقات مع الجمهوريات التركية في آسيا والدول الصديقة في الجغرافيا العربية.
وقد أثار صراع كيليتشدار أوغلو مع الشركات التركية لصناعة الدفاع مخاوف من أنه سيضعف دفاعات تركيا.
وكان من المربك أيضا، عدم ضمانه لوجود أذربيجان في مشروع السكك الحديدية الذي بدأ في الصين، والذي كان موجودا بالفعل.
غير أن حقيقة أنه قال أنه سيحضر 300 مليار دولار من الدوائر المالية في إنجلترا كصيغة لإنقاذ الاقتصاد، وأنها ستأتي في غضون 5 سنوات، لم تربك فقط معارضي كيليتشدار أوغلو، ولكن أيضا مؤيديه. وهكذا دخل كيليتشدار أوغلو التاريخ بقوله إنه جلب أموالا لم تكن موجودة.
إن أهم ما يميز الأتراك هو أنهم متعلقون للغاية باستقلالهم، فيقفون ضد أي شخص يلقي بظلاله على هذا الاستقلال، وكلٌّ من الأصدقاء والأعداء على حد سواء يعرفون هذا الأمر. وقد رأى الناخبون في سياسات المعارضة، وخاصة سياسات كيليتشدار أوغلو، “خطرا” لأنهم اعتقدوا أنها ستلقي بظلالها على استقلال البلاد في السياسة الخارجية.
وعند التفكير في الأصوات التي حصل عليها كيليتشدار أوغلو بنسبة 44.5 في المائة. سيكون هناك من يسأل: “لماذا لم ينظر ملايين الناخبين إلى كيليتشدار أوغلو على أنه خطر؟”. ونجيب: على الرغم من أن بعضهم يرى أنه خطر، إلا أن “كراهية أردوغان” التي تراكمت على مر السنين منعتهم من التصرف وفقاً لذلك؛ فهذه كراهية عميقة الجذور لدرجة أن هناك قسما كبيرا لا يكره أردوغان فحسب، بل يكره أيضا كل من صوت له. وإنهم يشعرون بالكراهية لدرجة أنهم ذهبوا إلى حد إهانة ضحايا الزلزال، الذين صوتوا بنسبة 70 في المائة لصالح أردوغان في منطقة الزلزال.
حتى أن “كراهية أردوغان” في هذه الدوائر، تجاوزت كراهية المنظمتين الإرهابيتين حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية.
والآن يتجه الناخبون في تركيا إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو بهذه المشاعر والأفكار. ويبدو أنَّ كيليتشدار أوغلو وفريقه كانوا يعلمون أن الجولة الثانية من الانتخابات ستكون ضدهم، لذلك أرادوا الحصول على النتيجة في الجولة الأولى. ولكنهم لم يحصلوا على ما يريدون.
وبالإضافة إلى أنصار أردوغان وناخبو التحالف الجمهوري، علقت وسائل الإعلام الأجنبية وحتى أنصار تحالف الأمة بأن أردوغان لديه ميزة في الجولة الثانية.
لذلك، لن يكون مفاجئا إذا أعيد انتخاب أردوغان رئيساً مساء يوم 28 مايو. وهذا يعني حقبة جديدة ليس فقط لتركيا وإنما للعالم أيضا.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...