انتفاضة الجامعات الأمريكية كخطر وجودي على إسرائيل

بواسطة | أبريل 30, 2024

بواسطة | أبريل 30, 2024

انتفاضة الجامعات الأمريكية كخطر وجودي على إسرائيل

حركة الاحتجاج الواسعة، التي تشهدها الجامعات الأمريكية في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أثارت قلقا بالغا لدى صناع القرار والنخب في تل أبيب.

وأكثر ما أثار النخبة الإسرائيلية إزاء حركة الاحتجاج هذه حقيقة أن المنضوين في إطارها، من طلاب وناشطين سياسيين واجتماعيين، لم يبقوا متوقفين عند نزع الشرعية عن حق إسرائيل في الوجود بسبب جرائمها في غزة فحسب؛ بل إنهم باتوا يجاهرون بتأييد الكفاح المسلح الذي تمارسه المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال؛ وتعمل حركة الاحتجاج في الجامعات الأمريكية والغربية على وضع جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في إطار أوسع، من خلال تشديدها على أنها تعكس حقيقة كون الصهيونية تمثل رديفا للقمع والإمبريالية. ومما فاقم الشعور بالإحباط واليأس في إسرائيل، حقيقة أن هذه الاحتجاجات اتسعت بشكل سريع لتشمل معظم جامعات الصفوة في الولايات المتحدة، ثم انتقلت بسرعة إلى جامعات في كندا ودول أوروبية.

وترى دوائر الحكم ومحافل التقدير الإستراتيجي في إسرائيل أن حركة الاحتجاج التي تشهدها الجامعات الأمريكية تحديدا تحمل في طياتها خطرا وجوديا على مستقبل هذا الكيان؛ إذ تفترض هذه الدوائر أن بعض الطلاب المنضوين في إطار هذه الاحتجاجات سيصبحون في المستقبل جزءا من دائرة التأثير على صنع القرار في واشنطن من خلال وصولهم إلى مجلسي النواب والشيوخ، وإلى القضاء والإعلام، وحتى البيت الأبيض. وحسب هذا الافتراض، فإن القرارات والتوجهات التي سيتبناها هؤلاء الطلاب عند وصولهم إلى مراكز التأثير ستتأثر بتوجهاتهم الحالية من إسرائيل وسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، ما سيدفعهم للانضمام إلى كل مبادرة تدعو إلى ربط تزويد جيش الاحتلال بالسلاح بسلوك إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني.

ونظرا لإدراك القيادات الإسرائيلية حجم الدور الهائل والحاسم، الذي مارسته الولايات المتحدة في الدفاع عن إسرائيل خلال الحرب على غزة، وتأمينها على المستويين العسكري والدبلوماسي، واستنفارها لإحباط الهجوم الإيراني الأخير، فإنها ترى في حركة الاحتجاج التي تجتاح الجامعات الأمريكية مصدر خطر مباشر على مصالح تل أبيب الإستراتيجية. فقد تبين بشكل لا يقبل التأويل أن قدرة إسرائيل على تأمين مصالحها العسكرية والإستراتيجية تتوقف بشكل خاص على احتفاظ مؤيديها في الولايات المتحدة بنفوذهم.

لكن في إسرائيل من يرون أن كثيرا من التحولات الاجتماعية والديموغرافية والاجتماعية التي تشهدها الولايات المتحدة ستدفع عاجلا أو آجلا إلى إحداث تحول على موازين القوى الحزبية والسياسية، بشكل يزيد من فرص وصول سياسيين يتبنون مواقف نقدية ومعارضة لسياسات إسرائيل إلى كل من البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس.

ومع أنه ليس ثمة خلاف داخل الحزب الجمهوري على دعم إسرائيل بدون تحفظ، فإن التحولات الديموغرافية في الولايات المتحدة تنذر بأن قدرة مرشحي الجمهوري على الفوز بالرئاسة في المستقبل المتوسط ستكون متدنية؛ ولئن كان الحزب الجمهوري يستفيد من دعم البيض، فإن هؤلاء البيض باتوا يخسرون تفوقهم الديموغرافي لصالح السود، وذوي الأصول اللاتينية والأقليات الأخرى.

فضلا عن ذلك، فإن كل استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن الأغلبية الساحقة من الشباب الأمريكي تدعم الحق الفلسطيني؛ فقد أظهر استطلاع الرأي الذي أُجري بعد عملية “طوفان الأقصى”، في أوساط الشباب الأمريكي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، أن 50% منهم يؤيدون حركة حماس، وأغلبيتهم الساحقة تعارض سياسات إدارة بايدن تجاه الحرب على غزة.

أما مستقبل مؤيدي إسرائيل في الحزب الديمقراطي فيبدو سوداويا إلى حد كبير، فمرشحو هذا الحزب يعتمدون على دعم الشباب السود وذوي الأصول اللاتينية والأقليات الأخرى، وهي الفئات التي تبدي توجهات رافضة لسياسات إسرائيل. ولم يكن من سبيل الصدفة أن الكاتب الأمريكي اليهودي الشهير، توماس فريدمان، قد حذر بُعيد الانتخابات الرئاسية الأخيرة من أن جون بايدن سيكون آخر رئيس ديمقراطي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة.

ويمنح صعود التيار المناهض لإسرائيل في الولايات المتحدة زخما كبيرا لحركة المقاطعة الدولية “BDS”، التي تطالب بمعاقبة إسرائيل عبر مقاطعتها وفرض عقوبات عليها، بسبب سجل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني؛ ولا يسهم هذا التحول فقط في نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل، بل يشتمل أيضا على مخاطر اقتصادية كبيرة. ويشار إلى أن تكاليف الحرب على غزة، ومتطلبات المواجهة على الحدود الشمالية مع حزب الله، أسهما في حدوث تدهور في الأوضاع الاقتصادية لإسرائيل، لدرجة أن شركتين رائدتين من شركات التصنيف الائتماني قد خفضتا مكانة إسرائيل في هذا التصنيف مرتين متتاليتين.

ومع ما تقدم، لا يبدو أن إسرائيل قادرة على مواجهة المخاطر الناجمة عن التحولات التي تشهدها المؤسسات الأكاديمية الأمريكية والغربية، لأن قيادتها السياسية غير مستعدة للتراجع عن سياستها الحالية تجاه الشعب الفلسطيني.

وأيضا، تضمن التحولات الديموغرافية والاجتماعية والإثنية التي تشهدها إسرائيل تعاظم تأثير التيار الديني المتطرف المسحاني في نسخته الأكثر تشددا؛ وهذا التيار – الذي يمثله بشكل خاص حركة “الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية بتسلال سموتريتش، وحركة “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير- سادر في غيه، ويرى أنه يتوجب اهتبال فرصة تعاظم تأثيره من أجل حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة. ويتسم هذا التيار باستهانته المبالغ فيها بالرأي العام العالمي ومواقف الدول الداعمة لإسرائيل وتحديدا الولايات المتحدة، حيث يبدو غير مستعد لإحداث أي تحول في خطابه العنصري تجاه العرب والفلسطينيين في إطار مراعاته للقوى الغربية؛ وخير دليل على ذلك تصريحات وزير التراث عميحاي إلياهو، القيادي في حركة “القوة اليهودية”، الذي لم يتردد في الدعوة إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، فضلا عن تصريحات قائده بن غفير، الذي يدعو إلى قتل الأسرى الفلسطينيين، ومطالبة سموتريتش بإحراق بلدة “حوارة” الفلسطينية.

قصارى القول؛ توفر التحولات التي تشهدها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بيئة تسمح بتعاظم حركة الاحتجاج في الجامعات الأمريكية بشكل  قد يسفر مستقبلا عن تحولات في المواقف الأمريكية والغربية من الصراع.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...