انتفاضة جامعات أميركا تهدد المشروع الصهيوني

بواسطة | أبريل 28, 2024

بواسطة | أبريل 28, 2024

انتفاضة جامعات أميركا تهدد المشروع الصهيوني

حضرت قبل يومين مظاهرات واعتصام طلاب جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية، وقد استوقفني حجم الحيوية والشجاعة التي ينتقد بها الطلاب جرائم إسرائيل في غزة، ومطالبتهم للجامعة بوقف التعاون الأكاديمي والبحثي والاقتصادي مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

مشهد كهذا لم يكن تصوُّره وارداً قبل أشهر قليلة، وذلك في ظل هيمنة وتغلغل المشروع الصهيوني في المؤسسات الأكاديمية والسياسية الأميركية، لدرجة أن الحديث عنه أو انتقاده يصبح كبيرة لا تُغتفر، وقد تورد صاحبها المهالك. أما المدهش حقاً فهو التنوع الكبير للمشاركين في التظاهرات الحالية، من طلاب وأساتذة من كافة الخلفيات الدينية والإثنية والعرقية، كالعرب والمسلمين واليهود والمسيحيين والأفارقة الأمريكيين واللاتينيين والآسيويين وغيرهم.

وفي حقيقة الأمر، إن ما يجري الآن في جامعات أميركا من انتفاضة طلابية وأكاديمية واسعة تصدع بالحق، وتطالب علانية بمقاطعة ومعاقبة إسرائيل على جرائمها في حق الفلسطينيين، وتعرّي التواطؤ الرسمي الأمريكي معها، وذلك دون تردد أو خوف، هو حدث تاريخي بامتياز، ونقطة فارقة في تاريخ الصراع سيكون لها ما بعدها.

أما المذهل والمدهش حقا، فهو أن بعض الطلاب والأساتذة الأمريكيين يبدون على استعداد للتضحية بحريتهم ومستقبلهم، وأن يتم احتجازهم واعتقالهم دفاعا عن فلسطين، وذلك إيمانا بإنسانية وعدالة قضيتها.. قبل السابع من أكتوبر كان انتقاد إسرائيل عبارة عن “تابو” محذور ومحظور، وخط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، ولم يكن ليجرؤ أستاذ أو طالب جامعي – إلا القليل- أن يذكر إسرائيل بسوء، وذلك خوفا من تداعيات ذلك على مستقبله الوظيفي والمهني.. أما الآن، فقد سقط المحظور وكُسر التابو وانكشف المشروع الصهيوني أمام العالم أجمع؛ وهو ما أصاب نتانياهو وحلفاءه في اللوبي الصهيوني بأميركا بحالة من الهيستريا والجنون، كما تكشفه ردود أفعالهم تجاه حركة التضامن مع الفلسطينيين.

وقد انطلقت شرارة الانتفاضة الطلابية في جامعات أميركا، بعد قيام رئيسة جامعة كولومبيا “نعمت شفيق” – وهي أميركية من أصول مصرية- باستدعاء شرطة نيويورك من أجل فض مخيم لطلاب الجامعة، كانوا قد أقاموه احتجاجا على ما يجري في غزة من جرائم إبادة في حق الفلسطينيين في قطاع غزة، وللمطالبة بوقف استثمارات جامعة كولومبيا في إسرائيل. وكانت شفيق قد أدلت بشهادة مخزية وفاضحة أمام الكونجرس الأميركي، تواطأت فيها مع نواب الكونجرس المتصهينين، الذين يدعمون الكيان المحتل، ويرفضون مظاهرات واحتجاجات الطلاب ويعتبرونها معادية للسامية؛ كما أنها تخلت بشكل مشين عن زملائها الأساتذة في الجامعة، وأبرزهم البروفيسور جوزيف مسعد، الذي يسعى اللوبي الصهيوني للتخلص من وجوده في الجامعة منذ عقود.

الآن، وصلت الاحتجاجات الطلابية والأكاديمية إلى ما يقرب من ٧٥ جامعة أميركية، وكثير منها جامعات مرموقة ونافذة، مثل جامعات هارفارد وبرينستون وييل وميتشغان وكاليفورنيا وكولومبيا، وبراون وجورج واشنطن وتكساس ومينسوتا وميرلاند وغيرها. وأهمية هذه الجامعات ليست فقط في أنها من بين أرقى وأفضل الجامعات في العالم، ولكن أيضا لأن خريجيها سوف يتولون المناصب العليا مستقبلا في كافة المجالات العلمية، والسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية؛ أي أنها المؤسسات التي تحتضن قادة المستقبل المؤثرين، وهو ما يعني أن هناك تحولات عميقة تجري داخل المجتمع الأميركي – خاصة بين فئات الشباب- في ما يتعلق بمستقبل المشروع الصهيوني.

فقبل أشهر قليلة، كان من الصعب – إن لم يكن مستحيلاً- على أيّ من هؤلاء الطلاب، أو الأساتذة المتضامنين معهم، أن ينتقد إسرائيل بكلمة أو أن يطالب بوقف جرائمها في حق الفلسطينيين.. أما الآن، فقد رُفع الغطاء عن التغلغل الصهيوني في المؤسسات الأكاديمية الأميركية، ولذلك فإن إسرائيل وحلفاءها من اللوبي الصهيوني في حالة من الجنون، وصلت إلى حد اتهام رئيس مجلس النواب الأميركي “مايك جونسون” للمتظاهرين باعتبارهم مدعومين من حركة حماس؛ بل وصل الأمر ببعض كتاب الصحف الأميركيين إلى اتهام المتظاهرين بأن تحركاتهم مدفوعة الأجر، كما جاء قبل يومين في جريدة “وول ستريت جورنال”.

على الرغم من فداحة الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون في قطاع غزة من أرواحهم وحيواتهم، فإن ذلك لم يذهب هباء؛ فالتغير، الذي يجري بين الأجيال الجديدة في أميركا وأوروبا وغيرهما، يعني أن الصهيونية لن تنعم بالهدوء، ولن تتمكن من مواصلة التغلغل، الذي كان تتمتع به على مدار أكثر من سبعة عقود.. وأن ثمة أجيالا جديدة، قد اكتشفت الأكاذيب التي تقوم عليها هذه الأيديولوجية المدّمرة، وأنه قد آن الأوان لوضع حد لها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...