بايدن.. “رئيس جمهورية الموز”

بواسطة | مارس 10, 2024

بواسطة | مارس 10, 2024

بايدن.. “رئيس جمهورية الموز”

إعلان الرئيس الأميركي بايدن عن فشل مفاوضات وقف النار في غزة يكشف عن عجز القوى العظمى.
تحليل يكشف عن الدور الأميركي في دعم إسرائيل وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. القصور السياسي يجسّد صورة للولايات المتحدة كداعم للقوة العسكرية على حساب العدالة الإنسانية.

الصراع في غزة – بين الإعلانات والواقع

قبل أيام أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن إحباطه من عدم نجاح صفقة الرهائن، وبالتالي فشل مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، التي كانت تستضيفها القاهرة على مدار الأسابيع الماضية.

كان بايدن يمنّي النفس بأن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار يوم الاثنين الماضي قبل حلول شهر رمضان، ولكنه عاد واستدرك قبل يومين بأن ذلك يبدو أمراً صعباً. في الوقت نفسه أعلن بايدن في خطاب “حالة الاتحاد” السنوي الذي ألقاه الأربعاء الماضي، بأنه أمر الجيش الأميركي ببناء ممر بحري مؤقت على شواطئ غزة من أجل إرسال المساعدات للفلسطينيين، الذين تحاصرهم إسرائيل وتمارس عليه حرب التجويع.

تصريحات بايدن وتحركاته تكشف شيئا واحداً، وهو أنه لا يتصرف كرئيس دولة عظمى، وإنما كرئيس لإحدى جمهوريات الموز، التي لا تستطيع أن تفعل شيئا لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، هذا إذا افترضنا جدلاً أنها حريصة على ذلك وترغب في تحقيقه. والحقيقة أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم عسكري لإسرائيل قبل الحرب وبعدها، وإسرائيل هي أكبر متلقٍّ للمعونة العسكرية الأميركية في العالم، وذلك بمقدار 3.8 مليار دولار سنويا، والولايات المتحدة أيضا هي المسؤولة عن تمويل وتطوير منظومة “القبة الحديدية” الصاروخية التي تستخدمها إسرائيل لصد صواريخ المقاومة، وهي التي تحمي ظهر إسرائيل في الأمم المتحدة عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، وقد حصل هذا لأكثر من 45 مرة من أصل 90 مرة جرى فيها استخدام ذلك الحق، وذلك منذ إنشاء مجلس الأمن قبل حوالي ثمانين عاماً.

وواشنطن أيضا هي التي أرسلت لإسرائيل ما يقرب من 280 طائرة شحن عسكرية، و20 سفينة حربية، حملت جميعها ما يصل إلى 25 ألف طن من المتفجرات. وإدارة بايدن هي التي أرسلت ما يقرب من مائة شحنة عسكرية لإسرائيل، دون أن تخبر الكونجرس والشعب الأميركي سوى باثنتين منها، وذلك في واحد من أهم مظاهر الفساد والقفز فوق المؤسسات الأميركية.. وكل ذلك من أجل حماية إسرائيل بينما تقوم بعملية إبادة جماعية للفلسطينيين.

وبدلاً من أن يعبر بايدن عن إحباطه، شأنه في ذلك شأن رجل الشارع العادي، كان عليه أن يقوم بوقف هذه الحرب الدموية الهمجية على الأبرياء في قطاع غزة، ولديه عشرات الأدوات والأوراق التي تمكنه من ذلك، ليس أقلها وقف الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وتحريك مجلس الأمن لاستصدار قرار فوري يقضي بوقف الحرب بشكل شامل ودائم، وبانسحاب إسرائيل من قطاع غزة بشكل كامل، وبعودة النازحين إلى أرضهم وبيوتهم وقراهم، واقتران ذلك بمنع الدعم السياسي والدبلوماسي عن دولة التمييز العنصري.. ولكنه قطعا لن يفعل، لأنه لا يملك الإرادة السياسية للقيام بذلك.

في خطاب “حالة الاتحاد” قال بايدن بأن على حركة حماس أن تقبل صفقة الرهائن، وتلقي السلاح، وتسلم المتورطين في هجمات 7 أكتوبر؛ وهي كلمات تبدو وكأنها كُتبت في تل أبيب أو في سفارة الكيان الصهيوني في واشنطن وتم إدخالها على الخطاب. وهذا ليس مجازا وإنما قد يكون حدث بالفعل، فهذه العبارات تعني استسلام المقاومة الفلسطينية للكيان المحتل، وتسليم قطاع غزة له بشكل مذل ومهين كي يستكمل سيناريو الإبادة الجماعية الذي يقوم به حاليا؛ والكلام نفسه قاله قبل فترة ريتشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا، وردده مؤخرا وزير خارجيته ديفيد كاميرون.. وهو أيضا الكلام الذي يكرره قادة إسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

ويبدو أن القوم يعيشون في وهم كبير، ويعتقدون أن المقاومة الفلسطينية سوف تستجيب لمطالبهم تحت وطأة العملية العسكرية من جهة، والمأساة الإنسانية وحرب التجويع التي تشنها تل أبيب على سكان القطاع من جهة أخرى؛ وهم في ذلك قد أخطؤوا مرتين، الأولى حين اعتقدوا بأن هذا الأمر ممكن بسبب موازين القوى بين الطرفين، خاصة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء الحرب، والثانية حين تخيلوا أن انحطاطهم الأخلاقي وانعدام ضميرهم الإنساني سوف يدفع الفلسطينيين للهرب، وترك ديارهم في نكبة جديدة.

لا يكترث بايدن لمعاناة الفلسطينيين، وهو الذي يقتلهم بأسلحته وقنابله وذخائره، وبدعمه الدبلوماسي المتواصل وغير المحدود لإسرائيل؛ وهو مسؤول بشكل أساسي عن المأساة الإنسانية الحالية في قطاع غزة، وعن استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين. لذلك فإن ما اتخذه من إجراءات، سواء ما يتعلق بإلقاء المساعدات على الفلسطينيين في القطاع جوا، أو التوجيه بإنشاء ممر مائي، ما هو إلا محاولة مفضوحة لحفظ ماء الوجه أمام الرافضين لسياساته ودعمه لإسرائيل داخل أميركا وخارجها. ودموعه التي يذرفها على الفلسطينيين هي أشبه بدموع التماسيح، لا بل ربما كانت التماسيح أكثر إنسانية منه، وهو قطعا شريك شراكة كاملة في الإبادة الجماعية التي تجرى الآن بحق الفلسطينيين.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...