بلينكن يعود إلى واشنطن بخفي حنين

بواسطة | فبراير 11, 2024

بواسطة | فبراير 11, 2024

بلينكن يعود إلى واشنطن بخفي حنين

زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة تكشف تعثر جهود التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع رفض إسرائيل والسعودية لمقترحات الهدنة.
نتانياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية، مما يعكس تحديات الدبلوماسية المستمرة في الصراع.

جولة وزير الخارجية الأميركي بلينكن – تحديات التوسط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

سافر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة الأسبوع الماضي، وذلك في جولة هي الخامسة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل حوالي أربعة أشهر من الآن؛ فقد زار بلينكن السعودية أولا، وبعدها زار مصر وقطر، ثم سافر إلى إسرائيل، ومنها إلى الضفة الغربية.

لم تحمل جولة بليكن أي جديد، تكرَّرَ الكلام نفسه حول ما حدث في السابع من أكتوبر، والإشارة إلى فظائع المقاومة في هجومها على الأبرياء في مستوطنات غلاف غزة؛ كذلك كرر بلينكن كلامه حول ضرورة التوصل إلى هدنة مؤقتة، وإدخال مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة، والبحث عن مسار لإقامة الدولة الفلسطينية، أو على الأقل هذا ما كان أعلنه خلال جولته.

جاء بلينكن إلى المنطقة وهو يمنّي النفس بعقد صفقة كبرى عنوانها (التطبيع مقابل الهدنة)، بحيث تقوم السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، كي يقبل رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو بوقف إطلاق النار في قطاع غزة ولو مؤقتا. ولكن ما إن وطئت قدماه تل أبيب حتى جاءته صفعة مدوّية من السعودية من خلال بيان قوي أصدرته وزارة خارجيتها، يربط بشكل واضح لا لبس فيه أي اعتراف سعودي بالكيان الصهيوني بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والانسحاب الكامل منه؛ وهو بيان يؤكد الموقف السعودي التاريخي من القضية الفلسطينية، والذي ترجمته المبادرة العربية التي طُرحت في قمة بيروت عام 2002، ورفضتها إسرائيل وقتها قولاً وفعلاً.

حاول بلينكن أيضا إقناع نتانياهو بضرورة الاعتراف ببدء مسار لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث أو أربع سنوات بعد إيقاف الحرب، ولكنه تلقى صفعة أخرى من نتانياهو الذي رفض المسألة بشكل كامل، حتى وإن كان مقابلها هو التطبيع مع أكبر دولة عربية وإسلامية، فالمسألة بالنسبة لنتانياهو خط أحمر ليس فقط من اليوم ولكن منذ أن دخل حلبة السياسة قبل أكثر من ربع قرن؛ فهو يرى أن إقامة أية دولة فلسطينية تعني تهديداً وجوديّاً للدولة اليهودية، وهو لا يُخفي موقفه بل أعلنه أكثر من مرة، وكان أخر ذلك في رده على تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن عن رغبته في قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح قبل أسبوعين.

أما الملف الثالث الذي فشل فيه بلينكن، فهو المتعلق بقدرته على إقناع إسرائيل – وخاصة نتانياهو- بقبول اتفاق الهدنة وإنجاز صفقة إطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة.. فبالرغم من إبداء تفاؤله برد حماس على مقترح باريس، الذي جاء مفصلاً قبل يومين، فإن نتانياهو رفض المقترح بشكل كامل وفوري بعد صدوره بقليل، وقبل أن يصل بلينكن إلى تل أبيب.

وحقيقة الأمر، أن زيارات بلينكن المتكررة لإسرائيل تأتي دائما بعكس ما تهدف إليه، ففي كل مرة يزور فيها تل أبيب، تتم إهانته بشكل لم يحدث مع أي وزير خارجية أميركي من قبل؛ فإما أن تقوم إسرائيل بقصف همجي على الفلسطينيين في قطاع غزة وتقتل المئات من أهله، كما حدث عندما ضربت إسرائيل “المستشفى الأهلي المعمداني”، فقتلت وأصابت المئات من الفلسطينيين – خاصة الأطفال والنساء- وحاولت اتهام المقاومة بالعمل، وهو ما ثبت كذبه لاحقاً؛ أو أن تقوم بقصف سيارات الإسعاف وما تدعيه من ممرات آمنة، كما حدث أكثر من مرة خلال شهري نوفمبر وديسمبر؛ أو تُطلق تصريحات تناقض الموقف الأميركي بشكل كامل. وهذا السلوك يعكس استخفافاً واستهتاراً إسرائيليين – خاصة من قبل نتانياهو- لبلينكن ولإدارة بايدن، وهو ما تكرر كثيراً منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

ولعل هذا الموقف والحضور الضعيف لبلينكن هو الذي يغري ويشجع نتانياهو على الاستمرار في حربه العبثية على قطاع غزة، وهو ما جعل صحيفة بولتيكو الأميركية أيضاً تصف بلينكن بأنه “لطيف أكثر من اللازم مع نتانياهو”؛ وهو اعتراف مبطّن بأن هذا الأخير لا يكترث كثيراً لما يقوله بلينكن وكذلك الرئيس بايدن.

أي إن وظيفة بلينكن تحولت من القيام بدور الوسيط الفاعل والمؤثر بين الأطراف المتصارعة، إلى مجرد “ساعي البريد” الذي يقوم بتوصيل الرسائل بين بايدن ونتانياهو، وأحيانا مع الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة؛ وهي في كل الأحوال رسائل ضعيفة وغير جادة، وغير مجدية مع نتانياهو الذي ليس لديه مانع على ما يبدو أن يحرق الأخضر واليابس من أجل البقاء في السلطة.

وعلى ما يبدو، فإن فشل جولة بلينكن قد انعكس في تصريحات الرئيس بايدن ليلة الخميس الماضي، التي انتقد فيها بشكل غير مسبوق سلوك إسرائيل في قطاع غزة، واعتبره تجاوزاً للحد المسموح به؛ فضلاً عن إصداره لمذكرة تطالب الدول التي تأخذ مساعدات عسكرية من أميركا أن تحترم القانون الدولي، وذلك في إشارة واضحة لإسرائيل، خاصة وأنها تنوي القيام بتوسيع العملية العسكرية في منطقة جنوبي رفح بالقرب من الحدود المصرية.. كل هذه مؤشرات على حالة الإحباط المتزايدة لدى بايدن، ليس بسبب السلوك الهمجي والدموي لإسرائيل في قطاع غزة، ولكن للإحراج الذي يسببه له نتانياهو بعجرفته وتشدده، سواء داخلياً أو خارجياً.

لا أتوقع أن يطالب بايدن إسرائيل بوقف إطلاق النار أو بإنهاء الحرب، خاصة في سنة انتخابية حاسمة له ولحزبه الديمقراطي؛ كما لا أتوقع أن يتراجع عن دعم تل أبيب عسكريّاً ودبلوماسيّاً وسياسيّاً، ولكنه قطعا يعلم أن هذا الدعم الأعمى وغير المحدود سوف يكون له تكلفة سياسية وتاريخية عالية، وقد يكلفه الرئاسة الأمريكية ذاتها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...