بناء النفوذ والعلاقات المتينة

بواسطة | نوفمبر 5, 2023

بواسطة | نوفمبر 5, 2023

بناء النفوذ والعلاقات المتينة

تتناول هذه المقالة أهمية بناء علاقات فعّالة من خلال التواصل وتطوير النفوذ، استناداً إلى مفهوم العالم ابن خلدون حول الإنسان ككائن مدني.

فن بناء العلاقات – الفعالية في التواصل وبناء النفوذ

يذكر العلامة والعالم الاجتماعي ابن خلدون أن الإنسان (كائن مدني بطبعه).. فالإنسان من الأنس، أي إنه يأنس بالآخرين ومخاطبتهم ومحادثتهم ومشاركتهم الأفكار وبث الهموم، فلا غنى للإنسان عن الصحبة والأسرة والخلان والأنصار، وبناء علاقات جيدة مع أصحاب المصالح والمنافع في مسيره في هذه الحياة.

وإن أهم المهارات، التي أعطيها نصيبا من الاهتمام في الدورات التدريبية الإدارية والقيادية والمؤسسية التي نطرحها، هي “مهارات بناء النفوذ والعلاقات الفعالة”. وأشير هنا إلى وجود عدة نقاط تتطلبها تلك المسألة، ويجب تفعيلها في حياة الفرد ليحقق منظومة علاقاتية اجتماعية فعالة، ومنها:

المبادرة:

والمبادرة تعني أن يكون الفرد هو من يرفع راية بناء العلاقة، ولا ينتظر الآخرين حتى يبادروا؛ يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن} [سورة فصلت: 34]، فالسلام والتحية وإلقاء الكلمات التوجيهية ومحاولة التعرف، من أبجديات بناء النفوذ والعلاقات النافعة.
الذكاء الاجتماعي: وهذا من الأهمية بمكان، ونعني به أن يكون للفرد آلية لفهم طبيعة كل إنسان على حدة، فالناس أو البشر مختلفون في فهومهم وعقولهم ورؤيتهم للأمور، ويختلفون في مشاربهم وأديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم وأذواقهم، فالذكي اجتماعيا هو من يعطي لكل فرد الأسلوب الذي يناسبه، دون ذوبان للمبادىء أو إقرار على سيئ السلوك، إنما هي المراعاة لكل فرد على حدة ليصنع بذلك ولاء ونفوذا منقطع النظير.

تقبل الآخرين:

فالناس -كما ذكرنا سابقا- مختلفون، والواجب علينا تقبل أفكارهم ومبادئهم ومنطلقاتهم، دون ذوباننا فيها ودون إقرارنا بالضرورة لها؛ وإننا نجد في حضارتنا العربية الإسلامية كيف تعايش المسلمون مع الهنود والنصارى في حياة سلمية دون ذوبان فيما بينهم ودون إقرار على معتقداتهم، إنما نتعايش في أمور الدنيا المشتركة من العيش الكريم والجيرة الحسنة والمزاملة المهنية الرشيدة، وكلما كان الآخرون أقرب إليك فكرا واعتقادا وعادات وسلوكا، كان أيسر عليك بناء جسور العلاقات معهم.

الإشادة بإنجازاتهم: يقول أحد الكتاب في موضوع العلاقات والنفوذ، إن الإشادة بإنجازات الآخرين كفيلة بخلق ولاء دائم بين الذوات البشرية، لأنه من الملاحظ أن البشر أصبحوا منشغلين طوال الوقت، ومن الجميل أن ينتبه إليهم أحد ما؛ فالناس يعملون بجد واجتهاد، وعندما يعترف الآخرون بنتائج جهودهم سيعني هذا كثيرا لهم، حتى إن رسائل البريد الإلكتروني، ومشاركة الصور والمقالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي معهم، هي طرق رائعة لإثبات أنك متحمس لنجاحهم وتقدمهم وريادتهم؛ والفائدة هنا ستكون مزدوجة، فسوف تشاركهم أنت متعة نجاحهم، وهم سوف يقدِّرون لك اهتمامك.

ولأن حياة المرء عبارة عن دقائقَ وثوانٍ، ولأنها قصيرة، فإن من السلوك الجيد ومن التعقل تجاوز الأحاديث الهامشية، والتحدث مع الآخرين في الأمور الهامة بالنسبة لهم؛ فالناس يميلون إلى تذكُّر ما هو مهم بالنسبة لهم، والتحدُّث عن الطقس أو الأمور الجانبية التي لا تثير اهتماماتهم لن يترك أثرا في أذهان الآخرين. لذلك، كن مصدرا للمعلومات المفيدة عند حديثك مع الآخرين، وقدِّم لهم المساعدة إذا احتاجوا إليها؛ فالعلاقات التي تسعى لتتسم بالديمومة الوثيقة لا بد لها أن تعتمد على المنفعة المتبادلة، ولا أعني بها المصلحة الذاتية المجردة، إنما أعني بها كل فائدة يرجوها الإنسان من خلال تواصله البشري مع الآخرين. وكم هو جميل أن تحدِّث من قلبك، ويكون الصدق في الحديث نابعا من أعماقك؛ ولا تحاول تجميل كل شيء، واجعل الفكرة والنية وراء الرسالة التي تريد إيصالها .
ولا نغفل عن أهمية خوض التجارب المشتركة، فهي من أفضل الطرق لبناء العلاقات وتشكيلها، وصناعة النفوذ والولاءات مع الآخرين.

ولا ننسى أن نذكر أن التواصل مع الناس والاختلاط قد يجر الإنسان للوقوع في منبع من منابع التعب والمجاهدة، فلا تخلو أي خلطة بشرية من منغصات تخدش جمال التواصل وبناء العلاقات مع الآخرين، لكن الواجب علينا أن نتحلى بالصبر وسلامة الصدر، والإعذار للآخرين ورفع العتب قدر الإمكان، وتجاوز الأخطاء التي ظاهرها الجهالة والسهو البشري؛ فقد قال نبينا الكريم: “المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم؛ أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم”. والمقصود بالأذى في الحديث، كما ذكر بعض أهل العلم، هو الأذى الذي يحصل عادة من مخالطة الناس على اختلاف طبائعهم وأمزجتهم؛ فمنهم سيئ الخُلُق، ومنهم سليط اللسان، ومنهم الجاهل الظلوم؛ فمخالطة هؤلاء تقتضي أن لا يسلم المخالِط لهم من شر طبائعهم وسوء أخلاقهم؛ كالسب، والشتم، والإهانة، والظلم، ونحو ذلك. وفي هذا يذكر ابن هبيرة عن دهاليز هذه المعاني قوله: ولما كانت مخالطة الخلق في إجماع على الصبر على أذاهم، أفضل من تركهم، كان احتمال مداراة الخلق، والصبر على تباين أخلاقهم، وعسر أخلاقهم، وبُعْدِ مَن يبعد عن الحق منهم: من جملة مقامات الجهاد في سبيل الله .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...