بوتين وبروغوجين وبينهما “فاغنر”
بقلم: خليل العناني
| 25 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ...
-
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق...
-
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر...
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 25 أغسطس, 2023
بوتين وبروغوجين وبينهما “فاغنر”
لا شيء يحدث في روسيا بالصدفة، خاصة في المجال السياسي والعسكري؛ فالطبيعة السلطوية لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناهيك عن طبيعته الشخصية، تشير إلى أن الرجل يحسب خطواته بدقة، خاصة فيما يتعلق بالملفات الحساسة، ومنها ملف مجموعة “فاغنر” المرتزقة؛ لذلك فإن مقتل “يفغيني بروغوجين” مؤسس وزعيم “فاغنر” قبل يومين لا يبتعد كثيرا عن بوتين، بل لا نبالغ إذا قلنا بأن أمر التخلص من “بروغوجين” صدر من بوتين نفسه. وهو أمر لا يحتاج كثيرا من الذكاء أو براعة الاستنتاج، وذلك لعدة أسباب.
أولاً: إن “بروغوجين” أصبح يمثل تهديدا وعبئا حقيقيا لبوتين رغم خدماته الجليلة التي قدمها له على مدار السنوات العشر الماضية، والتي نجح من خلالها في مدّ وتوسعة نفوذ الدولة الروسية في مناطق حيوية ومهمة من العالم، مثل أفريقيا والعالم العربي وأميركا اللاتينية. وقد ظهر خطر “يروغوجين” وتهديده لسلطة بوتين بوضوح منذ محاولته الانقلابية التي قام بها أواخر شهر يونيو الماضي، عندما تحرّك بقواته من الحدود الغربية لروسيا مع أوكرانيا باتجاه العاصمة موسكو، حتى أصبح على بُعد مئتي كيلو متر فقط منها؛ وقد وصفه بوتين وقتها بالخائن صراحة، ومعروف ما هو مصير الخونة بالنسبة لهؤلاء الحكام المستبدين.
ثانياً: إن التخلص من “بروغوجين، وبهذا الشكل الدموي يبعث برسائل كثيرة داخليا وخارجيا. فداخلياً، يبعث ذلك برسالة قوية للقادة السياسيين والعسكريين ولبقية الشعب الروسي بأن أي شخص يتحدى بوتين أو يجرؤ على ذلك سوف يلقى مصير “بروغوجين”، إن لم يكن أسوأ، خاصة وأن محاولة التمرد التي قادها “بروغوجين” ضد بوتين أثارت شكوكا حول مدى سيطرة هذا الأخير على مقاليد الأمور في بلاده. أما خارجيا فإن التخلص من “بروغوجين” يرسل برسالة للدول الأخرى -خاصة أميركا وحلفاءها الأوروبيين- بأن بوتين ما زال متحكما ومسيطرا على الأمور في بلاده، وأنه تجاوز مرحلة الاهتزاز التي مثلها تمرد “بروغوجين” وقواته قبل شهرين؛ وهي رسالة مهمة، خاصة في ظل الحرب الروسية الطاحنة على أوكرانيا.
ثالثاً: إن “بروغوجين” يمثل الصندوق الأسود لبوتين وخزان أسراره خاصة في العمليات الخارجية، وربما الداخلية أيضا، التي قام بها “بروغوجين” خدمة لأهداف وتطلعات رجل الكرملين؛ فعلاقة الرجلين تعود لأكثر من عقدين، وقد تطورت بشكل كبير خلال العقد الماضي، في ظل التوسع الخارجي لروسيا سواء أوروبيّا أو أفريقيّا. وبالتالي فإن التخلص منه يمثل مصلحة كبيرة لبوتين، وذلك ضماناً لئلا يبتزه أو يهدده “بروغوجين” بملفات العلاقة بينهما في المستقبل.
وأخيراً، وربما الأهم، فإن قيادة الأنظمة السلطوية لا تقبل القسمة على اثنين، ولا يقبل حكامها بوجود شخص منافس أو مهدّد لهم بأي شكل من الأشكال، خاصة لو كانت معه قوة عسكرية مثلما هي الحال مع “بروغوجين” الذي حوّل “فاغنر” إلى إمبراطورية مالية كبرى يحميها جيش من المرتزقة الموالين له. وبالتالي فإنه لا يمكن تخيّل وجود شخص بحجم وتأثير ونفوذ “بروغوجين” في روسيا، لأنه يمثل تهديدا حقيقيا وجديا لبوتين في المدى المنظور.
والحقيقة، أن “بروغوجين” قد حفر قبره بيديه عندما حاول التمرد على بوتين الذي يبدو أنه صبر عليه، وأعطاه الأمان شهرين ثم تخلص منه؛ هذا طبعا بافتراض صحة الأخبار الواردة حول مقتل “بروغوجين” بالفعل. فلربما يكون ما حدث هذا كله مجرد غطاء لشيء ما بين الرجلين لا نعلمه حتى الآن، وهو أمر وارد خاصة فيما عُرف عن “بروغوجين” من حيطته وحرصه الشديد وإجراءاته الأمنية المعقدة التي يتخذها في كافة تحركاته، خاصة وأنه مستهدف من قبل دول وحكومات كثيرة أهمها أميركا.
ولعل السؤال المهم الآن هو ما يتعلق بمصير “فاغنر” بعد مقتل “بروغوجين”، وهل ستسمر المجموعة في العمل أم لا؟ وما طبيعة علاقتها المستقبلية بالدولة الروسية، وببوتين خاصة؟.
هناك عدة سيناريوهات في هذا الصدد، لعل أولها هو احتمال أن تُصاب “فاغنر” بقدر من الفوضى وعدم التوازن خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وذلك كي تستوعب غياب قائدها وأحد مؤسسيها وممولها الرئيس، وبعدها يتم إعادة ترتيب الأوضاع بحيث تتولى قيادة جديدة إدارة المجموعة من خلال شبكة علاقاتها بالدولة الروسية؛ وهذا هو السيناريو الأرجح حتى الآن، خاصة وأن “فاغنر” أصبحت “براند” أو علامة مسجلة في عالم المرتزقة، ولها وزنها وتأثيرها في عدة دول حول العالم. ولا أستبعد أن عملية نقل القيادة داخلها قد تم الترتيب لها قبل التخلص من “بروغوجين”؛ بل لا أستبعد أيضا أن يكون التخلص من “بروغوجين” جاء من خلال مؤامرة و”خيانة” داخلية له من قبل بعض رجاله، ربما بوعود من بوتين بأن يحلّوا محله.
أما السيناريو الأخر فهو أن يتم دمج “فاغنر” في شركات ومجموعات أخرى للمرتزقة، خاصة وأن هناك المئات من هذه الشركات التي تقدم خدمات أمنية وعسكرية ولوجستية ومعلوماتية في روسيا، وأن يتم توزيع أعضاءها على هذه الشركات الخاصة.
والسيناريو الأخير هو أن تحدث انشقاقات داخل مجموعة “فاغنر” بحيث تدخل في صراعات داخلية وتصبح كالفخار الذي يكسر بعضه بعضا، وبالتالي تجعل التخلص منها مسألة ضرورة حتمية بالنسبة لبوتين، وهو أمر لا يجب استبعاده في ظل الفراغ الكبير الذي خلفه غياب “بروغوجين” في قيادة الحركة.
وفي كل الأحوال، فإن “بوتين” هو الشخص الوحيد الذي يعرف جيدا المصير الذي تنتظره فاغنر بعد أن تم التخلص من قائدها “بروغوجين”.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
مع الهمجية ضد التمدن
يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...
0 تعليق