بين أميركا وإسرائيل | هل انتهى حل الدولتين عملياً؟

بقلم: خليل العناني

| 27 يوليو, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: خليل العناني

| 27 يوليو, 2023

بين أميركا وإسرائيل | هل انتهى حل الدولتين عملياً؟

قبل أسابيع، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام اللجنة الخارجية والأمن بالكنيست الإسرائيلي أنه “يجب العمل على اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم”؛ وهو التصريح الذي  لم يلقَ على ما يبدو أية إدانة، سواء عربيا أو دوليا، وخاصة من جانب الولايات المتحدة؛ وذلك رغم شدته وتعارضه مع المواقف المعلنة للدول العربية والغربية فيما يخص الحفاظ على مسألة “حل الدولتين”. وبعد تصريح نتانياهو بعدة أيام، عيّن وزير الخارجية الأميركي السفيرَ الأميركي السابق لدى إسرائيل دانيل شابيرو مسؤولا خاصا عن ملف “اتفاقات إبراهام”، وذلك بهدف توسيع وتعميق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
قد يبدو لوهلة أنه ليس بين الأمرين علاقة، ولكن الواقع أن العلاقة بينهما وثيقة!. فالولايات المتحدة، على الرغم من تمسكها الشكلي بمسألة حل الدولتين، لم تعد هذه المسألة عندها أولوية أميركية، وإنما فقط مجرد خطاب إنشائي يتم ترديده في الأوساط الرسمية الأميركية؛ بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه كان قد أعلن قبل عام أثناء زيارته لإسرائيل، أن “حل الدولتين يبدو بعيدا الآن”، وهو الذي يعرّف نفسه بفخر بأنه “صهيوني”، وهو الذي قال أيضا أثناء الزيارة نفسها لتل أبيب: (ليس بالضرورة أن تكون يهوديا كي تصبح صهيونيا).
الهدف الإستراتيجي الذي تتبناه وتعمل عليه إدارة بايدن، منذ وصولها إلى السلطة قبل عامين ونصف، هو دمج إسرائيل في المنظومة العربية بأي ثمن؛ وذلك من خلال جذب مزيد من البلدان للدخول في نادي “اتفاقات إبراهام”، الذي دشنته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قبل ثلاثة أعوام، ونجح في التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، هي الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان. وهو هدف تحوَّل إلى سياسة أميركية باتت تحكم كافة دوائر القرار الأميركي، بحيث يتم التركيز عليه بشكل مكثّف ولافت عند رسم السياسات الأميركية في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية.
عمليا، تسعى إسرائيل بكل جهد لإنهاء مسألة حل الدولتين، وذلك من خلال توسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، وخاصة مدينة القدس الشرقية، واستمرار مسلسل التهويد الذي تمضي به إسرائيل على قدم وساق.
فحسب أرقام وبيانات “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان” الفلسطينية، وصل عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة بما فيها القدس إلى 726.427 مستوطنا، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (نواة لمستوطنة) منها 86 بؤرة رعوية زراعية، وذلك حتى بداية 2023.
وفي عام 2022 فقط، أقام المستوطنون اليهود حوالي 12 بؤرة استيطانية في محافظات الضفة الغربية، بينما تمت شرعنة بؤرتين استيطانيتين، الأولى هي مستوطنة “متسبيه داني” على أراضي بلدة دير دبوان، والثانية مستوطنة “متسبيه كراميم” على أراضي دير جرير شرقي رام الله؛ في حين تعتزم الحكومة الإسرائيلية شرعنة 65 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، وتوصيلها بالمياه والكهرباء والبنية التحتية الخليوية، وتعزيزها بـ”تدابير أمنية”، وذلك كجزء من الاتفاق الذي وقعه حزب “الليكود” مع حزب “القوة اليهودية” عند تشكيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.
ولعل من أبرز المستوطنات بالضفة الغربية، مستوطنة “معاليه أدوميم” التي تعد من أكبر التجمعات الاستيطانية، ويتجاوز عدد سكانها 40 ألف مستوطن يهودي؛ كما تشير تقارير إخبارية إلى أن السلطات الإسرائيلية صادقت على 83 مخططا هيكليا وتفصيليا في الضفة الغربية والقدس، تقضي ببناء أكثر من 8288 وحدة سكنية جديدة؛ وقبل أسبوع واحد فقط صادق المجلس الأعلى للتخطيط في إسرائيل على خطط بناء وحدات سكنية جديدة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وتم منح الموافقات النهائية لـ 818 وحدة، بينما تمضي إجراءات الموافقة النهائية لباقي الوحدات في مراحلها المختلفة، وقد أشادت شخصيات قيادية من المستوطنين اليهود بالقرار؛ وكذلك وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء نحو 5700 وحدة سكنية إضافية لمستوطنين يهود في الضفة الغربية.
إذاً، حل الدولتين ربما لم يعد ممكنا عمليا، أو هذا ما تسعى إسرائيل لتثبيته كأمر واقع، وذلك في ظل اتساع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، خاصة في ظل التهويد المستمر والممنهج لمدينة القدس الشرقية، التي يُفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة؛ ناهيك عن عمليات التهجير والتهويد التي تجري لسكان المدنية، والتي تبدو أقرب للتطهير العرقي، وذلك لتمكين إسرائيل من السيطرة على المدينة بشكل كامل، ووأد أية مقاومة لتهويد المسجد الأقصى بعد ذلك.
ما تطرحه إسرائيل كبديل للدولة الفلسطينية هو “كانتونات”، أو جيوب كونفدرالية صغيرة، وذلك عبر عملية تداول لبعض الأراضي، وبحيث تدار من خلال الوصاية عليها، فهي لا ترضى بدولة ذات سيادة لها شعب وإقليم واضح ومحدد جغرافيا، وإسرائيل ترفض أيضا وجود أية سيادة للفلسطينيين على “شبه الدولة” هذه، سواء عسكريا أو سياسا أو أمنيا؛ وقد نجحت إسرائيل على ما يبدو  في الترويج لهذه الفكرة غربيا، خاصة داخل الأوساط الأميركية، وهي تستغل الصراع الداخلي في أميركا سواء بين الديمقراطيين والجمهوريين أو داخل الحزب الديمقراطي ذاته، من أجل التحرك والدفع بهذه الأطروحة التي تهيل التراب على كافة المبادرات التي تم تقديمها لحل الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي.
لذلك فإن إدارة بايدن، وإن كانت تتمسك شكليا بمسألة حل الدولتين، تدرك بشكل كبير أن هذا الحل لم يعد حلا عمليا، ولعل هذا ما يتم الترويج له في الدوائر البحثية والسياسية في الولايات المتحدة، وذلك من أجل تحويله من كلام وتخطيط إلى واقع عملي على الأرض.

خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
سوريا وثورة نصف قرن

سوريا وثورة نصف قرن

سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...

قراءة المزيد
Loading...