تجربة حياة كاتب .. “اللهم قرب بين أيامي!”

بواسطة | يناير 6, 2024

بواسطة | يناير 6, 2024

تجربة حياة كاتب .. “اللهم قرب بين أيامي!”

تتناول هذه المقالة تجربة الحياة والتحديات التي واجهها الكاتب، وكيف يعبر عن فلسفته تجاه الأمور الحياتية والرغبة في قرب الأيام. يتم التركيز على الصراعات النفسية والتجارب التي شكلت رؤيته للحياة.

اللهم قرب بين أيامي!

قالها بعفوية بعدما أنهى صلاته: «اللهم قرِّب بين أيامي»…

سألتُه عن كُنْهِ دعوته، فابتسم قبل أن يجيبني بأن ربه يُقلب الأحوال، فيرفع ويخفض وفق إرادته، يُعزّ من يشاء ويُذلّ من يشاء، سُنة الله في الأرض الحركة، وتلك الأيام يداولها – سبحانه- بين الناس.. وهو ضعيف، يعلم جيدًا هذا الأمر، وعليه فهو يخشى أن تجري عليه سُنة التداول بما يفوق قدرة جهازه النفسي على فهم ما يحدث، إنه لا يريد أن يرتفع عاليًا حدَّ الدُّوار والذهول، ولا أن يهبط إلى مستوى يدفعه إلى اليأس والقنوط، لذا فإنه يدعو ربه أن يجعل أيامه قريبًا بعضها من بعض، فينعم ويسعد ويحزن ويألم بشكل سلس، لا فجأة فيه ولا ارتباك.

أخبرته أن الطمع في نعيم الله أمر حسن، وطلب الزيادة منه عبادة، فأضاف قائلًا: “بشرطها”! شرط الزيادة دفع الضريبة، ضريبة نفسية لا يثق بقدرته على تحمل تكاليفها.. هو لا يرفض منحة الله إذ تتغشَّاه، ولا يعارض محنته إذا أتت، لكنه يدعو الله بما يقدر عليه، ثم يدعو ربه أن يدبِّر له، وظنه به – جلَّ اسمه- حَسنٌ على الدوام.

تأملت كلامه ثم أدرت عين بصيرتي في الحياة، فاكتشفت عظيم ما دعا به ربه ورجاه!. رأيت صعود الناس وهبوطهم يشبه الطائرة أو الصاروخ، مَن يعلُ علوًّا سلسًا في فضاء النجاح ودنيا المال والشهرة يكن هبوطه سلسًا في الغالب، وتكن «مطباته الهوائية» غير مزعجة أو مخيفة؛ أما من ينطلق كالصاروخ صاعدًا فسقوطه في الغالب يكون مأساويًا، اللهم إلا من تغشَّاه الله برحمته، ورزَقه الحكمة، وأنعم عليه بنفسية تستوعب صعوده وهبوطه الاستثنائي.

أزمتنا أننا نفتح أذرع رغباتنا على اتساعها، دون أن نراجع أنفسنا ونتأمل.. أنملك حقًّا الطاقة لاستيعاب هذه الرغبات إذا قدَّر الله أن تكون واقعًا وحقيقة أم لا؟. ولعلها في هذا الجانب تكمن حكمة دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم الذي وثَّقه القرآن {وقل ربِّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ}، ذلك -وفق ظني- أننا كثيرًا ما ندخل معترك الحياة بنيَّات صادقة، كثيرًا ما نطلب من الله وفي نيّتنا إيفاء حق النعمة وزكاتها، غير أن نفسياتنا تتغير، جهازنا العصبي لا يصمد، أرواحنا يطالها التخبط، فيكون خروجنا غير صادق كدخولنا، ونكون فتنة للناس؛ فلا شيء يفتنهم كالتغير الذي يحدث في ضمائرنا، وتبدُّل الدوافع، والقيام بشرٍّ بعدما كنا دعاةً لخير.

دعونا نتفق أننا قوم فينا نزق وغرور، نُحسن الظن بأنفسٍ لم تُختبر، وندّعي القدرة على استيعاب أي حدث، وفهم ما قد يجري مهما كان حجمه.. شخصيًّا ضبطت روحي تطلب بجشع، وللأسف حدث هذا كثيرًا، تتمنى نعمًا وترى أنها كفء لها، على الرغم من أن صمودي الحالي لنعمٍ أزدريها – حُمقًا- لا يبشِّر بخير! وكان الأَولى بي أن أقف كثيرًا لأتذوق كل نعمة، أتذوقها بلسان أيامي الذي حوى عجبًا، تذوُّقًا فيه تأمُّل لطعم ما أنعم به سبحانه، على الأقل لأكون متأهبًا لتذوُّق ما قد يزيدني به ربي في قادم الأيام، بدلًا من أن تبتلعني النعمة وتلفظني بعد مدة، وتتركني على رصيف الحياة عِبرةً لبني البشر.

في مقتبل حياتي وفي بداية تأسيسي لدار نشر، حَدَثَ أن تقابلت مع نجم كبير له متابعون بالملايين في جميع أنحاء الوطن العربي، فكان أن تعاقدت معه على إصدار كتابه الأول؛ كانت توقعاتنا أن نبيع من هذا الكتاب أعدادًا كبيرة تصل إلى عشرة آلاف نسخة، غير أن القَدَر فجأنا نحن الاثنين ببيع أكثر من ربع مليون نسخة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، ما يعني أن أرباحي وصلت إلى رقم يتقدمه ستة أصفار، في الوقت الذي كنت أتمنى فيه نصفًا في المئة من هذا المبلغ كي أستطيع الصمود واستكمال حلمي! وفي سَكْرة الأرقام الكبيرة التي كنت أجنيها، قام المؤلف بالتعاون مع بعض أصدقائي لتدبير فخٍّ لي، تم على أثره سرقة المبلغ بالكامل وعدتُ معدمًا مرة أخرى. وبعد محاولات وصراع مع خصمي الجشع لاستعادة مالي، باءت جميع محاولاتي بالفشل فعدتُ ثانية إلى إكمال عملي، وعوَّضني الله بأنْ فتح لي باب رزق في كتبي ونسيت التجربة المريرة تلك.

غير أنّي أذكر أنه – وفي أثناء جلسة جمعتني ببعض أصدقائي- سألني أحدهم عن تغلبي على مصيبة فقْدِ لقب مليونير وأنا في مبتدأ عمري، كيف استطعت ذلك؟ مؤكّدًا أن كارثة كتلك كانت قادرة على تحطيم أي شخص.. وكان ردّي عليه حينها أن السبب بسيط، وهو أنني لم أعش نفسيًّا حياة الأغنياء، كنتُ لصغر سني -ولعلها رحمة الله كذلك- أتعامل مع الأرقام على أنها أرقام، كنت مشغولًا بالنجاح ذاته فلم أنتبه إلى حجم المكسب ولا إلى خطورته، فلمَّا فقدته في ليلة كئيبة كان شعوري الداخلي حزنًا وألمًا على النجاح المسروق، أكثر منه حزنًا على حياة الأثرياء التي ضاعت منِّي.

ولا أدري الحقيقة.. لو حدث هذا الأمر معي الآن، بعدما صرت أكثر التصاقًا بالأرقام، وجشعًا للامتلاك، وتهورًا في الطموح، أتُراني سأستطيع التغلب على كبوتي وإكمال مشواري أم لا؟

هذا التساؤل هو ما يجعلني ممتنًّا لله سبحانه وتعالى أنْ وهبني هذا الابتلاء، في وقت كان يعلم -جلَّ اسمه- أنني سأتخطاه، وجعل قطار التجربة يمضي على قضبان حياتي سريعًا دون أن ينقلب عليها، لاسيما وأخبار مَن يموتون بالسكتة القلبية أو ينتحرون عندما يخسرون تجاراتهم أو أموالهم في البورصة تصل إلينا كل يوم عبر صفحات الحوادث.

وهذا ما يجعلني كذلك أكثر فهمًا – ومن ثم ترديدًا- للدعاء الغريب المدهش بأن يقرِّب الله بين أيامي، فأنا لا أثق -حقًّا- بقدرتي النفسية على تخطي أي هزة عنيفة، غير أني كذلك أدعو الله أن يرزقني مع قضائه القدرةَ على الصبر والامتنان، وأن يجعلني عند ظنه الحَسَن بي.

فثقتي بنفسي – أمام تدبيره- ليس لها قيمة!

1 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...