ثورة لم تحكم.. هذه هي القضية

بقلم: إبراهيم عبد المجيد

| 20 فبراير, 2024

بقلم: إبراهيم عبد المجيد

| 20 فبراير, 2024

ثورة لم تحكم.. هذه هي القضية

ينقل المقال حالة مصر بعد ثورة يناير 2011، حيث يستعرض التحولات السياسية والاقتصادية، ويسلط الضوء على الأخطاء والتحديات التي واجهت الثورة.
يتساءل عن دور القيادة والظروف في نجاح الثورات، مقترحًا أن التاريخ يعيد نفسه في تجربة مصر.

ثورة يناير 2011 – الحقائق والتأملات بعد ثلاثة عشر عامًا

حتى الآن، ثلاثة عشر عاما مضت على ثورة 25 يناير 2011 في مصر؛ المسافة الزمنية بيننا وبين الثورة – معنويا وروحيا- لا تزال قريبة؛ فجيل الثورة من الشباب، سواء كانوا معنا في دروب الحياة أو في السجون أو خارج مصر، لا يزال كثيرون منهم ينتمون إليها ولو في صمت.. الذي حدث بعد الثورة هو الذي يفجر الحديث بين وقت وآخر، وخاصة حين يأتي التاريخ، سواء الخامس والعشرون من يناير، أو الحادي عشر من شهر فبراير الذي نحن فيه الآن، وهو يوم تنحي الرئيس مبارك عن الحكم.. وهذا ما جعلني أكتب هذا المقال.

 أتابع الفيسبوك منذ عام 2008، ثم التحقت بتويتر أو الـ”إكس”، وكان ذلك في نهاية 2011، أي بعد الثورة بحوالي عشرة أشهر.. كان الفيسبوك هو المدخل الكبير لثورة يناير، فإنه لم يدعُ لها حزب معروف، لكن الشباب هم من دعوا لها، سبقتها حركات مقاومة ورفض مثل حركة كفاية، وحركات أخرى في كل المجالات من أجل التغيير، فكانت هناك حركات أساتذة جامعات من أجل التغيير، وقضاة من أجل التغيير، و”محامون من أجل التغيير”، وأدباء من أجل التغيير، وغير ذلك كثير يطول الحديث فيه.

للثورة – أيّ ثورة- عاملان، إذا تحققا تحققت؛ الأول هو الظرف الذاتي، ويعني ظرف الثوار أو المعارضين، فإذا كان ناضجا كانت الطريق أسهل؛ الثاني هو الظرف الموضوعي، وهو حالة نظام الحكم من ضعف وتخبط في كل شيء؛ وإذا التقى الظرفان حدثت الثورة. كان ذلك متجسدا تماما قبل ثورة يناير، فالنظام بلغ غايته من الترهل والتخبط، وحركات المقاومة وشعارها من أجل التغيير في القمة! الذي حدث بعد ذلك أن الثورة لم تحكم مصر.. كيف؟ وماهي الأسباب؟

مع حلول مساء الثامن والعشرين من يناير ظهرت مركبات الجيش العسكرية عليها شعارات الثورة، وعليها شعار “الجيش والشعب إيد واحدة “؛ وهكذا دخل الجيش في الثورة واتسعت له، وأخذ الشباب يلتقطون الصور فوق المركبات ومع رجال الجيش. لم يدرك أحد أن ما جرى سيتوقف عند تنحي مبارك، لم يكن إدراك ذلك سهلا، فالكبار – مثلا- الذين عاصروا انتفاضة يناير 1977 (أو انتفاضة الخبز) يذكرون جيدا كيف أنه بعد اختفاء قوات وزارة الداخلية (وهو ما حدث في يناير 2011 أيضا)، ظهرت قوات الجيش، ووجد الأمر القبول نفسه من الثوار في الحالتين.

كان نزول الجيش أيام السادات تحصيل حاصل، واكتمالا للمشهد لا أكثر، فلقد ترك كل الثوار الشوارع وعادوا إلى بيوتهم! والذي حدث بعد ذلك هو أن السادات – وبعده مبارك- استمر في سياسة رفع الأسعار وبيع المصانع تحت شعار حرية القطاع الخاص، رغم أن القطاع الخاص كان محتاجا أن ينشط ويبني مصانع، لا أن تبيع الدولة مصانعها للقريبين من الحزب الحاكم لتنتهي كلها في ما بعد بالهدم وإقامة عمارات ومشروعات سكنية، حتى صارت مصر مع الوقت دولة مستوردة تقريبا لكل شيء، بعد أن كانت صانعة لكل شيء، أو متقدمة في الصعب منه.

عادت الدولة إلى حالتها مع الشعب ومقدراته، فهي ليست في خدمة الشعب، لكن الشعب سبب أزمتها، ومن ثم صارت تبيع كل أصولها لإسعاده، ولا أعرف من أين يأتي الإسعاد! عادت الدولة مع السادات وبعده إلى سياستها كما قلت، لكن على مهل ودون قفزات يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة أخرى؛ لكنها أخطأت كثيرا، ونضج الظرفان الموضوعي والذاتي، وحدثت الثورة في يناير.. فهل تترك الدولة القديمة الأمور تتحرك وفقا للثورة وأهدافها؟ لا طبعا! ولم يدرك ذلك إلا أفراد قليلون لم يكونوا مؤثرين، لكن الأغلبية تركت للدولة القديمة ممثلة في المجلس العسكري إدارة الأحوال.. كان هذا هو أول أخطاء الثورة، فثورة بلا حكم تعني فشلا قريبا أو بعيدا، أو أنه كما كتبت يومها على الفيسبوك “ثورة بلا حكم تعني ملطشة”.

كانت أول انتخابات بعد الثورة هي الانتخابات الوحيدة الحقيقية، ورغم معرفتي بكثير من المرشحين، إن لم يكن كلهم، فإني كنت مع اختيار المحامي خالد علي باعتباره من شباب الثورة؛ كان رأيي أنه على الثورة أن تختار طريقها من شبابها، والتجربة تصحح أي خطأ، ربما كنت على خطأ، لكن قناعتي الدائمة أن الديمقراطية ليست علما نحفظه، بل تجربة تتحقق على مدى بعيد، ومهما تحقق منها من عدل ومساواة تظل ناقصة، وهذا يفسر لك تغير الأحزاب الحاكمة في الدول الديمقراطية نفسها، فالشعب يريد الأجمل دائما، ولا حدود للجمال، وليس أجمل من أن يتولى شباب الثورة الحكم.

لن أطيل في سرد تفاصيل ما جرى.. لقد انتهت الأحوال إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي وإلى الحكم العسكري من جديد! يتحدث كثيرون عن الأخطاء والمخطئين، فيقولون إن الثورة نفسها كانت خطأ لأنها كانت بلا قيادة. الحقيقة أن القيادة كان يمكن أن تظهر بعد الأسابيع الأولى، لكن الذي ظهر كالمطر ائتلافات من أجل الثورة تجاوزت الألف ائتلاف، وكل ائتلاف يعلن أنه ائتلاف الثورة! كانت كلها ائتلافات أشبه بالمراهقة السياسية إلا ما ندر، وفتح هذا التوسع الباب لعودة الحكم العسكري.. كيف لم يدرك ذلك أحد؟ لا أدري، رغم الأسماء الكبيرة من الأجيال السابقة التي تصدرت المشهد، هذا إذا تصورنا أن الشباب مندفعون في الثورة بائتلافاتهم.

الآن، تنظر حولك فتجد السياسة قد عادت أسوأ مما كانت، فقانون مثل قانون الحبس المفتوح وراء سجن كثيرين، وأكثرهم من يناير وشبابها، وقانون مثل قانون التظاهر الذي – تقريبا- يمنع التظاهر كان أيضا أحد الأسباب، والقانونان ظهرا في العام التالي لإخراج الإخوان المسلمين من الحكم، فمهدا أكبر تمهيد لما سيحدث بعد ذلك من إفراغ الحياة السياسية من مظاهر نهضتها أو حتى حركتها.. باختصار، أعاد التاريخ نفسه، وما جرى بعد يناير 1977 جرى بعد يناير 2011، ووصلنا الآن إلى حائط مسدود اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا! النظام الحاكم لا يرى هذا الحائط المسدود، ويرد الأمر إلى ثورة يناير، رغم أنها لم تحكم!

الظرف الموضوعي بكل تراجعاته في الاقتصاد والسياسة يغري بالانتفاض، لكن الظرف الذاتي لقوى الثورة أو الأحزاب المعارضة في غاية الضعف، ومن ثم فالحديث عن ثورة جديدة أمر مثالي مراهق. لقد شاهدنا مثلا كل دعوات الخروج إلى مظاهرات وكيف تنتهي إلى لا شيء، وآخرها دعوة الحادي عشر من نوفمبر 2022، التي جاءت من الخارج ولم يخرج أحد.

باختصار، وحتى لا أطيل، أي حديث عن أن ثورة يناير هي السبب في ما وصلنا إليه من حائط سد هو حديث غير صحيح لأنها لم تحكم، وربما لم تفكر في الحكم تحت شعار “الشارع موجود”، ولم يدرك أحد أن سبلا كثيرة لإغلاق الشارع يمكن إيجادها مثل القانونين اللذين أشرت إليهما، قانوني التظاهر والحبس المفتوح.

هل في إعادة التاريخ نفسه في واقع الحكم المطلق إفادة؟ للأسف لا. في الإعادة إفادة حين تشرح درسا لتلاميذك، أما حركة التاريخ فإعادتها لا تنتهي بخير أبدا، حتى لو توفر الوهم في التفسير والتعليل.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت

معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت

منذ طوفان الأقصى، ومواقع التواصل تحتفي بأخبار إبداعات أهل غزة، ومبادراتهم التي تنهض وسط الإبادة والحصار، وتطرق جدران الخزان لتبعث برسائل التحدي، بهدف إظهار تمردهم على الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال، وإعطاء الأمل للعالم في أن هذه الثلة الصابرة المحاصَرة المرابطة قادرة...

قراءة المزيد
“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية! 

“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية! 

في روايته البديعة "انفجار جمجمة"، رسم الأديب النوبي الراحل "إدريس علي" صورة قلمية مدهشة لبطل الرواية "بلال"، الذي تداخلت شخصيته واختلطت سيرته بشخصية وسيرة "إدريس" نفسه. "بلال" باختصار إنسان مر بظروف قاسية في حياته.. قادم من الجنوب إلى القاهرة بثقافة "التهميش"، أحب...

قراءة المزيد
نموذج البطل

نموذج البطل

بعضُ الحوادث لا يُمكن أنْ تجتازَها بسهولة، تظلّ طعنةً في القلب، وحربةً نافِذةً في الرّوح، ومع أنّ الدّموع قد تجفّ، والأيّام قد تمرّ، والعهود تتقادَم، إلاّ أنّ جرحًا ما يظلّ طريًّا نديًّا مهما غَبَرَتْ عليه السّنون. كيفَ تُنسَى وتلك الصُّورة الأُسطوريّة لرحيلك عصيّةٌ...

قراءة المزيد
Loading...