جدعون ليفي شاهد من أهلها

بواسطة | مايو 29, 2024

بواسطة | مايو 29, 2024

جدعون ليفي شاهد من أهلها

جدعون ليفي صحفي إسرائيلي، له عمود ثابت في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ظل في كل منبر ومحفل ثابتا على الكتابة والقول إن إسرائيل تنتهك كل القوانين الوضعية والسماوية والإنسانية، في تعاملها مع الشعب الفلسطيني.

وله محاضرة مشهورة ومشهودة، ألقاها في إبريل من عام 2015 في “نادي الصحافة الوطني” في العاصمة الأمريكية واشنطن، استهلها بقوله مخاطبا الأمريكان: “مع أصدقاء مثلكم، لا تحتاج إسرائيل إلى أعداء! وشرح كيف أن الدعم الأمريكي يغذي آلة البطش الإسرائيلية، ويجعل إسرائيل تسدر في غيها، ثم شرح كيف أنه لولا اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة “لكانت كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل اليوم مكاناً أفضل للعيش، وأكثر عدلاً”، وشبَّه ليفي تدفق العون الأمريكي السخي على الابن الضال (إسرائيل) بمن له قريب أو صديق يدمن المخدرات، فتكون هناك طريقتان للتعامل معه، “إحداهما أن تزوده بالنقود، وسوف يذهب ويشتري المزيد من المخدرات، وسيكون في غاية الامتنان لك، وسيعتبرك أفضل صديق؛ والثانية هي أن ترسله إلى مركز لإعادة التأهيل، وسوف يغضب منك، مع أن ذلك تعبير عن الاهتمام والحب الحقيقيين”، ويضيف ليفي: “هل لدى أحد في هذه القاعة أدنى شك بأن إسرائيل مدمنة احتلال، ومع هذا تخرق واشنطن القانون الدولي والإنساني وتساعد إسرائيل في إشباع إدمانها؟”.

ظل ليفي يقول مراراً إن المجتمع الإسرائيلي يعيش في حالة إنكار وانقطاع صلة بالواقع، بسبب تعرضه لغسل أدمغة عبر السنين، وأنه لا أمل في أن يعالج ذلك المجتمع الاختلالات التي يعاني منها، بأن يرى دولته على حقيقتها؛ وهو من ثم يستنكر أسلوب تعامل حكومته مع “من يعيشون في الفناء الخلفي المحتل”، وهو يرى أن المجتمع الإسرائيلي فقد الصلة تماماً بالبيئة العالمية، ويتساءل: هل يصدقون أن 5 ملايين يهودي يعرفون أفضل من ستة مليارات إنسان في العالم؟ وأن 5 ملايين يهودي سيستطيعون مواصلة العيش بالسيف إلى الأبد؟ هل هناك مثال واحد في التاريخ، عن إمبراطورية تماسكت بحد السيف إلى الأبد؟

ويرى ليفي أنه برغم كل ادعاءات إسرائيل عن قوتها وقدراتها الخارقة فإنها تعيش في هلع دائم، ولهذا أحاط المجتمع الإسرائيلي نفسه بالدروع والجدران المادية والعقلية أيضاً، بعد أن تم إيهام أفراد ذلك المجتمع بأنهم الشعب المختار، وبالتالي “إذا كنا نحن الشعب المختار، فإن لنا الحق بأن نفعل ما نشاء”، ولهذا يقول ليفي إنه وعلى بشاعة ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين، فإنها تمثل على الدوام دور الضحية قليلة الحيلة. وبرغم الحرص على استعراض القوة وإظهار الجيش والمخابرات الإسرائيلية كقوتين عاليتي الكفاءة، فإن إسرائيل في تقدير ليفي هي أكثر الأماكن في العالم خطورة على اليهود.

وعن دعوة حكام إسرائيل يهودَ العالم للقدوم إلى إسرائيل طلبا للأمان، في الوقت الذي يقولون فيه إن بلادهم في خطر وجودي بسبب القنبلة الإيرانية، يتساءل ليفي: كيف تجرؤ على أن تدعو اليهود إلى القدوم للانضمام إلى هذا المشروع الانتحاري، عندما يكون الإيرانيون سيقومون بقصفنا بالقنبلة؟ وينعى ليفي على إسرائيل ما يسميه بالقيم الأكثر خطورة على الإطلاق، وعلى رأسها النزع المنهجي للإنسانية عن الفلسطينيين، ويقول إن الإسرائيليين بوجه عام لا يعاملون الفلسطينيين ككائنات بشرية، ويشرح كيف أنه كتب ذات مرة “إننا نعامل الفلسطينيين مثل الحيوانات، وتلقيت الكثير جداً من رسائل الاحتجاج من منظمات حقوق الحيوان”، ثم يروي واقعة سؤاله رئيسَ الوزراء الأسبق إيهود باراك خلال مقابلة صحفية، عما كان سيفعله لو وُلد فلسطينيّاً، فكان جواب باراك: “كنتُ سأنضم إلى منظمة إرهابية”.

ما بين عام 1988 وعام 2006، قام ليفي بتوثيق الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، فكان عاقبة ذلك أن حظرت عليه الحكومة الدخول إلى قطاع غزة، ثم جاء الغزو الإسرائيلي لغزة في أكتوبر من العام الماضي، في سياق حرب إبادة منهجية، وتدميرٍ متعمد للمرافق الخدمية، فشهر ليفي قلمه لـ”إنهاء الحرب ووقف المجازر والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين”، وحمَّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة بفعل الحصار الذي يفرضه عليه، ودعا إلى محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب والانتهاكات في غزة. وقال في لقاء مع شبكة سي إن إن الأمريكية، إن توجيه اتهام جنائي لقادة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية جعل من إسرائيل دولة منبوذة، وأضاف إنه مع كون أولئك القادة مجبولين على تجاهل القانون الدولي، فإنهم “سيواصلون القتل في رفح، والقيام بجميع أنواع العمليات العدوانية فيها”، ثم نعى على الشعب الإسرائيلي “انشغاله بأمر الرهائن المحتجزين في غزة مع تأييد استمرار الحرب”.

وعن الرهائن الفلسطينيين في سجون إسرائيل يقول ليفي: “لا قيمة لحياة من ليس إسرائيليا في سجوننا، ثم نتذكر أنه عندما يُقبض على إسرائيلي في قبرص بتهمة الاغتصاب، أو في البيرو بتهمة المخدرات، نغضب من ظروف اعتقاله”، وأضاف القول إنه من فرط استهانة المخابرات الإسرائيلية بحياة الإنسان الفلسطيني، توفي الدكتور عادل البرش تحت وطأة التعذيب في سجون المخابرات الإسرائيلية، ولما تساءل عن ظروف وفاته “كان رد مصلحة السجون الإسرائيلية شديد الجرأة، بأنهم لا ينظرون في ظروف وفاة معتقلين ليسوا مواطنين إسرائيليين”، ثم يطرح استفهاما استنكاريا: هل دم البرش أقل حمرة من دماء الإسرائيليين؟ لماذا يجب على العالم كله أن يهتم ويعمل فقط من أجل محتجزينا، وليس من أجل السجناء الفلسطينيين، الذين يجب أن ترعب ظروف سجنهم وموتهم في السجون الإسرائيلية الجميع؟.

كل ذلك جلب على جدعون ليفي اتهامات بالطن المتري بأنه خائن وداعم للإرهاب، بل وبوق لحركة حماس، ولكن أصواتاً جسورة تسميه “الصحفي البطل”، خاصة وأنه تعرض للاستهداف برصاص الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة، وهو يرصد الأحوال في الضفة الغربية، دون أن يثنيه ذلك عن مواقفه الصلبة.

وتزداد شهادة ليفي على جرائم أهله قيمة، لأن مقالاته تصدر في النسخة الإنجليزية من جريدة هآرتس، فيتسنى للعالم الخارجي رؤية الأوضاع في الأراضي المحتلة، بغير عدسة آلة الدعاية الصهيونية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...