جريمة نتنياهو المزدوجة

بقلم: محمود عبد الهادي

| 19 مارس, 2024

بقلم: محمود عبد الهادي

| 19 مارس, 2024

جريمة نتنياهو المزدوجة

جريمة حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في غزة أتت على ٥٪ من السكان ما بين قتيل وجريح في خمسة أشهر، وهي تعادل ١٧ مليون إنسان حسب تعداد سكان الولايات المتحدة، مقتربة من الخسائر البشرية للحرب العالمية الأولى، وقد غاب عن ذهن القيادة الصهيونية والأميركية أنها بذلك ترتكب جريمة كبرى ليس في حق الفلسطينيين فحسب، بل في حق يهود العالم داخل الكيان الصهيوني وخارجه، فالفلسطينيون –ومن ورائهم الشعوب العربية والإسلامية بتقسيماتها المختلفة– لن ينسوا كافة تفاصيل هذه الإبادة إلى قيام الساعة، وسيبقى حق القصاص مدفوناً في الصدور يتوارثونه جيلاً بعد جيل في انتظار أن تدور الدوائر، ويجد اليهود أنفسهم بلا ظهر يحميهم ويدافع عنهم، ويومئذ لن ينفع الندم والاعتذار.

لن ينسى الشعب الفلسطيني، ومن ورائه الشعوب العربية والإسلامية، تفاصيل الإبادة الجماعية في قطاع غزة إلى قيام الساعة، وسيبقى حق القصاص في الصدور يتوارثونه جيلاً بعد جيل، في انتظار أن تدور الدوائر، ويجد اليهود أنفسهم بلا ظهر يحميهم ويدافع عنهم، ويومئذ لن ينفع الندم والاعتذار.

– تغذية معاداة السامية

تعرّض اليهود إلى الكثير من الاضطهاد والمذابح على مدى تاريخهم، على أيدي العماليق في فلسطين، وعلى أيدي البابليين والروس والإسبان والأوروبيين والأميركيين. وفي المقابل لم يسجل تاريخ العرب والمسلمين والفلسطينيين منذ ظهور الإسلام أية مذابح أو اضطهاد أو انتهاكات أو تمييز ضد اليهود على أساس ديني. حيث عاش اليهود كأهل كتاب في ظل الحقب الإسلامية المتعاقبة حياة لم يشهدوا لها مثيلاً تحت أي حكم آخر خارج حدود الخلافة الإسلامية.

وبعد تأسيس الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، وتزايد النفوذ اليهودي في أوروبا، وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى، وسيطرتهم على المال والصناعة والعلوم والفن والإعلام، وتغلغلهم في البنية التحتية والفوقية لأنظمة الدول الأوروبية والمؤسسات الدولية التي تشكّلت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد قيامها باحتلال فلسطين وإنشاء دولة الكيان الصهيوني؛ أسست الحركة الصهيونية مفهوم معاداة السامية، ومارست ضغوطاً شديدة على الدول الغربية والكثير من دول العالم لسن تشريعات وقوانين ضد الأعمال والسلوكيات التي تعادي السامية، ضمن ما يعرف بمحاربة اللاسامية في العالم، وأسست شبكة من المراكز التي تراقب الأقوال والأعمال التي تندرج تحت مفهوم معاداة السامية، وتتعامل معها بما يساعد على احتوائها ومنع تكرارها، ومعاقبة المسؤولين عنها عند اللزوم.

لم يدُر بخلد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ومجلس حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة، أنهم يرتكبون جريمة كبرى بحق اليهود في العالم، وأنهم بهذه الحرب هدموا كل ما حققوه من إنجازات على مدى السبعين عاماً الماضية، لتحسين صورة اليهود والحركة الصهيونية في العالم، وتحصينهم ضد ما من شأنه الإضرار بهم أو الانقلاب عليهم. لقد ضخّوا في هذه الحرب من المعلومات والمشاهد والحقائق الهمجية المفجعة ما ينقض جميع رواياتهم التي عملوا سنين طويلة على ترسيخها، وما يؤكد لشعوب العالم كذب هذه الروايات وزيفها ومدى تضليلها، وليقدموا بذلك التغذية القوية للدعوات اللاسامية الكامنة في دول العالم، تغذية ستستمر معهم على مدى التاريخ.

لن تستطيع مراكز محاربة اللاسامية المنتشرة في العالم إنكار حرب الإبادة الجماعية الصهيونية اليهودية التي تجري في قطاع غزة، ولن تستطيع إقناع العالم بأن هذه الحرب حق طبيعي للكيان الصهيوني للدفاع عن نفسه، ولن تستطيع تبرير ما يحدث من جرائم لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، بعد أن أتت على ٥٪ من سكان قطاع غزة ما بين قتيل وجريح ومفقود في خمسة أشهر، وهي تعادل ١٧ مليون إنسان حسب تعداد سكان الولايات المتحدة الأميركية، وهي نسبة تقترب من الخسائر البشرية للحرب العالمية الأولى.

لم يدر بخلد نتنياهو ومجلس حربه، أنهم يرتكبون جريمة كبرى بحق اليهود في العالم، وأنهم بهذه الحرب هدموا كل ما حققوه من إنجازات على مدى السبعين عاماً الماضية لتحسين صورة اليهود والحركة الصهيونية في العالم.

– جرائم غير قابلة للنسيان

لن ينسى الشعب الفلسطيني والعالم العربي والعالم الإسلامي وشعوب العالم الحرّة على مدى التاريخ تفاصيل حرب الإبادة، التي يقوم بها الكيان الصهيوني في قطاع غزة:

  • لن ينسوا الدمار الهائل فوق رؤوس النائمين من النساء والأطفال والشيوخ ومن يعولهم، الذين لا حول لهم ولا قوة في هذه الحرب.

  • لن ينسوا أعمال التهجير القسري المتلاحقة، وما يجري فيها من قصف وقنص وتجويع وفقد وحرمان وقسوة ومعاناة.

  • لن ينسوا صنوف الإذلال التي مورست ضد المدنيين من كافة الأعمار والمستويات.

  • لن ينسوا تدمير المساجد والكنائس والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور الحضانة والأسواق.

  • لن ينسوا تدمير الشوارع والطرق والبنى التحتية والوزارات والهيئات، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية من الشركات والبنوك والمتاجر والمستودعات.

  • لن ينسوا تدمير المتاحف والمراكز الثقافية والدوائر المدنية والمكتبات.

  • لن ينسوا حصار المستشفيات واقتحامها وتهديد من فيها من المرضى والمصابين، وحرمانها من الكهرباء والوقود والأوكسجين والدواء، وتكدس المرضى في الممرات والباحات.

  • لن ينسوا تكدس القتلى وعدم السماح بدفنهم، ولا اقتحام المقابر وتجريف القبور.

  • لن ينسوا الأطفال الخدّج في حضّانات الأوكسجين، وهم يتساقطون واحداً تلو الآخر بعد انقطاع الأوكسجين عنهم.

  • لن ينسوا الخوف والرعب والفزع من أزيز الطائرات الذي لا ينقطع، وأصوات الانفجارات التي تخلع القلوب من صدورها.

  • لن ينسوا أحبابهم الذين قضوا تحت الركام وهم يستغيثون، دون أن تقوى فرق الإنقاذ المدني على إخراجهم.

  •  لن ينسوا ألوان الجوع والعطش التي ذاقوها بحثاً عن سد الرمق، ولا جماهير المتدافعين من الجوعى وراء شاحنات المساعدات الغذائية وصناديق الوجبات الملقاة من الجو، دون أن يحسبوا حساب السفاحين الذين ينتظرون إشارة القصف والقنص من قادتهم، لتختلط الدماء والأشلاء بأكياس الدقيق وعلب الوجبات الجاهزة المتناثرة.

إنها جرائم حرب إبادة شاملة غير قابلة للنسيان على مرّ الزمان، وسوف تتوارثها الأجيال لتبقى لعنة يتنزل عذابها على جميع من تسبب فيها حتى قيام الساعة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...