جندي مصري يحيي هواجس إسرائيل من ثورة 25 يناير

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 4 يونيو, 2023

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 4 يونيو, 2023

جندي مصري يحيي هواجس إسرائيل من ثورة 25 يناير

مثلت عملية إطلاق النار التي نفذها جندي مصري، بعد تسلله عبر الحدود مع فلسطين وقتله ثلاثة من الجنود الإسرائيليين أمس السبت، صدمة كبيرة للمستويين السياسي والعسكري في إسرائيل؛ فقد كانت أنظار إسرائيل متجهة إلى الحدود الشمالية؛ حيث كانت تتخوف من تعرض عمقها للاستهداف انطلاقا من الحدود مع لبنان.
وعلى الرغم من أنها تمتد لأطول من 220 كلم، فإن الحدود بين مصر وإسرائيل ظلت بشكل عام هادئة نسبيا، إذ لم تمثل مصدر تهديد أمني كبير لتل أبيب، حيث تركزت جهود جيش الاحتلال وأجهزة إسرائيل الأمنية فقط على محاولة تأمين هذه الحدود من محاولات تهريب الممنوعات.

على الرغم من أن طول الحدود بين إسرائيل وغزة لا يتجاوز 56 كلم فإن جيش الاحتلال، نظرا لخطورة الأوضاع الأمنية على جانبي هذه الحدود، يؤمنها بواسطة فرقة عسكرية كاملة، تتشكل من ثلاثة ألوية

وتخشى الدوائر العسكرية الإسرائيلية أن تغري العملية التي نفذها الجندي المصري المزيد من زملائه بمحاكاته وتنفيذ عمليات مشابهة، سواء عبر استهداف جنود الاحتلال الذين يتمركزون على طول الحدود، أو من خلال التعرض للسياح الإسرائيليين، الذين يؤمون سيناء بكثافة. وقد أفضت العملية إلى المس بثقة جيش الاحتلال بالجنود المصريين الذين يتمركزون على طول الحدود، حيث تصاعدت الدعوات في تل أبيب بوجوب أن يفحص الجيش المصري الخلفيات الشخصية والأيدلوجية لجنوده الذين يخدمون في سيناء، سيما بعد تأكيد جيش الاحتلال العثور على “قرآن” بحوزة الجندي منفذ العملية، مما زاد من احتمال حضور الدافع الديني خلفها.
في الوقت ذاته، فإن ما يعمق مشاعر القلق لدى إسرائيل حقيقة إدراكها أنه في حال حدوث تحول على الواقع الأمني على الحدود مع مصر، فإن هذا سيفضي إلى تداعيات أمنية وإستراتيجية بالغة الخطورة. وذلك أنه نظرا لتواضع مستوى التهديدات الأمنية التي كانت قائمة حتى تنفيذ العملية على هذه الحدود، فقد اكتفى جيش الاحتلال بالزج بكتيبتين من الجنود، نصف عناصرهما من المجندات، للقيام بعمليات الدورية والمراقبة؛ كما أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الجهود الأمنية التي ينفذها الجيش المصري على الجانب الآخر من الحدود. من هنا، وفي حال زادت المخاطر الأمنية انطلاقا من الحدود مع مصر، فإن الجيش الإسرائيلي سيكون مضطرا للزج بعدد من ألوية الصفوة من سلاح مشاته للتمركز على طول الحدود، بشكل يقلص من قدرة هذا الجيش على التفرغ لمواجهة التحديات الأمنية على الساحات الأخرى.
فاضطرار الجيش الإسرائيلي للدفع بقوات أكبر إلى الحدود مع مصر سيقلص من قدرته على أداء جهده الحربي ومهامه العسكرية في الضفة الغربية التي تشهد موجة من عمليات المقاومة؛ كما أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن جيش الاحتلال ينفذ حاليا مناورة “اللكمة القاضية”، التي تحاكي مواجهة شاملة متعددة الساحات تشارك فيها إيرانُ حزبَ الله والمقاومةَ الفلسطينية، فإن قدرة هذا الجيش على خوض غمار مواجهات من هذا القبيل بنجاعة كبيرة ستتراجع، في حال تدهورت الأوضاع الأمنية على الحدود مع مصر.
وتكفي مقارنة مستوى كثافة التمركز العسكري الإسرائيلي على طول الحدود مع كل من غزة ومصر لإيضاح مستوى التحديات الهائلة، التي تنتظر إسرائيل في حال استحالت الحدود مع مصر إلى مصدر للتهديدات الأمنية. فعلى الرغم من أن طول الحدود بين إسرائيل وغزة لا يتجاوز 56 كلم فإن جيش الاحتلال، نظرا لخطورة الأوضاع الأمنية على جانبي هذه الحدود، يؤمنها بواسطة فرقة عسكرية كاملة، تتشكل من ثلاثة ألوية من سلاح المشاة وكتيبتي مدرعات وتشكيلة كبيرة من منظومات الإنذار المبكر والمسيرات والتغطية السيبرانية وغيرها. ومما لا شك فيه أن جيش الاحتلال سيكون مطالبا بالزج بأضعاف هذه القوات على الحدود مع مصر لضمان تأمينها في حال باتت مصدرا للتهديدات الأمنية.
ومما يفاقم خطورة عمليات التسلل عبر الحدود المصرية،  في نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حقيقة أن هذه الحدود قريبة من مرافق عسكرية وإستراتيجية بالغة الخطورة، تحتضنها صحراء النقب الملاصقة لصحراء سيناء. فصحراء النقب تضم عددا كبيرا من المطارات الحربية والقواعد العسكرية ومعسكرات التدريب التي يؤمها يوميا الكثير من الجنود؛ هذا فضلا عن وجود مفاعل “ديمونا” النووي.

في أعقاب ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي وصفه وزير الحرب الصهيوني السابق بنيامين بن إليعاز بأنه “كنز إستراتيجي” لإسرائيل، طالبت مستويات رسمية كثيرة في تل أبيب بالاستعداد لحقبة بالغة الخطورة في تاريخ العلاقة مع مصر.

لقد أثارت عملية إطلاق النار هواجس إسرائيل ومخاوفها من حالة انعدام اليقين بمستوى استقرار الواقع السياسي في محيطها الإقليمي. وإن كانت تل أبيب تراهن على تعاون نظام الحكم الحالي في القاهرة لتلافي المخاطر التي يمكن أن تفرزها التحديات الأمنية على الحدود، فإن العملية التي نفذها الجندي المصري أثارت قلق محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب، من خطورة أية تحولات داخلية مستقبلية يمكن أن تقود إلى صعود منظومة حكم أخرى، تتبنى منطلقات أيديولوجية وسياسية مغايرة تجاه العلاقة مع تل أبيب.
ففي أعقاب ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، الذي وصفه وزير الحرب الصهيوني السابق بنيامين بن إليعاز بأنه “كنز إستراتيجي” لإسرائيل، طالبت مستويات رسمية كثيرة في تل أبيب بالاستعداد لحقبة بالغة الخطورة في تاريخ العلاقة مع مصر. فقد اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، أفيغدور ليبرمان، أن مصر بعد ثورة 25 يناير باتت أكثر خطورة من إيران في حال تحولت إلى قوة نووية، ولذا دعا آنذاك إلى تبني سياسة تقشف صارمة على الصعيد الاقتصادي وتقليص موازنات الرفاه الاجتماعي، من أجل تمكين إسرائيل من تكثيف الاستثمار في مراكمة القوة العسكرية تحسبا لانتقال مصر من دولة تحافظ على علاقات “سلام” مع إسرائيل إلى دولة عدو. كما طالب وزير الحرب في ذلك الوقت، إيهود باراك، إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة بقيمة 20 مليار دولار، لتحسين قدرة إسرائيل على إعادة بناء منظومة قوتها العسكرية، لتكون قادرة على مواجهة التحديات التي يمكن أن تشكلها مصر مستقبلا.
وبشكل عام، فقد خشيت إسرائيل أن تفضي ثورات الربيع العربي في حينه إلى صعود نظم حكم في الدول العربية تستند إلى شرعيات ديموقراطية، تجعل هذه النظم ملزمة بمراعاة القضية الفلسطينية وصياغة علاقتها بتل أبيب استنادا إلى طابع تعاطيها مع هذه القضية، ليس فقط لأن هذه الأنظمة ستتبنى هذا النهج انطلاقا من اعتبارات الأمن القومي لدولها، بل أيضا لأنها ستكون مجبرة على مراعاة المزاج الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية والمعادي لإسرائيل والحانق على جرائمها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت

معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت

منذ طوفان الأقصى، ومواقع التواصل تحتفي بأخبار إبداعات أهل غزة، ومبادراتهم التي تنهض وسط الإبادة والحصار، وتطرق جدران الخزان لتبعث برسائل التحدي، بهدف إظهار تمردهم على الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال، وإعطاء الأمل للعالم في أن هذه الثلة الصابرة المحاصَرة المرابطة قادرة...

قراءة المزيد
“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية! 

“انفجار جمجمة” على الحدود المصرية الليبية! 

في روايته البديعة "انفجار جمجمة"، رسم الأديب النوبي الراحل "إدريس علي" صورة قلمية مدهشة لبطل الرواية "بلال"، الذي تداخلت شخصيته واختلطت سيرته بشخصية وسيرة "إدريس" نفسه. "بلال" باختصار إنسان مر بظروف قاسية في حياته.. قادم من الجنوب إلى القاهرة بثقافة "التهميش"، أحب...

قراءة المزيد
نموذج البطل

نموذج البطل

بعضُ الحوادث لا يُمكن أنْ تجتازَها بسهولة، تظلّ طعنةً في القلب، وحربةً نافِذةً في الرّوح، ومع أنّ الدّموع قد تجفّ، والأيّام قد تمرّ، والعهود تتقادَم، إلاّ أنّ جرحًا ما يظلّ طريًّا نديًّا مهما غَبَرَتْ عليه السّنون. كيفَ تُنسَى وتلك الصُّورة الأُسطوريّة لرحيلك عصيّةٌ...

قراءة المزيد
Loading...