حتى لا يستيقظ الفلسطينيون على نكبة جديدة

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 4 يوليو, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 4 يوليو, 2023

حتى لا يستيقظ الفلسطينيون على نكبة جديدة

شهدت الآونة الأخيرة زيادة كبيرة وخطيرة في وتيرة الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ فقد باتت هذه الاعتداءات أكثر كثافة ووحشية، وتغطي تقريبا كل جغرافيا الضفة الغربية، من جنين في أقصى الشمال وحتى الخليل في أقصى الجنوب.
وغدت جرائم المستوطنين اليهود تشمل طيفا واسعا من الاعتداءات الفظيعة، على رأسها إحراق منازل القرويين الفلسطينيين الذين يقطنون في القرى والبلدات التي دُشنت في محيطها المستوطنات، وإتلاف المركبات والممتلكات، واقتلاع الأشجار على نطاق واسع، فضلا عن الاعتداء على القرويين، سواء بواسطة إطلاق النار المباشر أو عبر إلقاء الحجارة.

من المفارقة أن جنود جيش الاحتلال يرافقون المستوطنين الذين ينفذون تلك الجرائم أثناء توجههم إلى القرى والبلدات الفلسطينية لحمايتهم من ردة فعل المواطنين الفلسطينيين

كما شملت اعتداءات المستوطنين الهمجية المس بمقدسات المسلمين، مثل تدنيس المساجد وتمزيق المصاحف، كما حدث في الاعتداء الأخير الذي شنوه على بلدة “عوريف”، قضاء نابلس، حيث بثت قناة “كان”، التابعة لسلطة البث الإسرائيلية فيديو، يظهر فيه المستوطنون خارجين من مسجد البلدة وهم يمزقون المصاحف؛ وكثيرا ما يكتب المستوطنون على جدران البلدات والقرى التي يهاجمونها شعارات بذيئة ضد نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم.
ومن المفارقة أن جنود جيش الاحتلال يرافقون المستوطنين الذين ينفذون تلك الجرائم أثناء توجههم إلى القرى والبلدات الفلسطينية لحمايتهم من ردة فعل المواطنين الفلسطينيين؛ فحتى الإسرائيليين الأكثر تقبلا للرواية الرسمية باتوا يقرون بأن هناك تواطؤا على مستوى الجيش والحكومة مع الإرهابيين اليهود، كما عبر عن ذلك صراحة رون ملنيس، الناطق السابق بلسان جيش الاحتلال، فقد أقر ملنيس في مداخلة بثتها قناة “كان” التابعة لسلطة البث الإسرائيلية أواخر الأسبوع الماضي بأن جيش الاحتلال لا يحرك ساكنا لمنع اعتداءات المستوطنين الوحشية؛ فضلا عن تأكيده أن هؤلاء الإرهابيين يحظون بإسناد وزراء في الحكومة الإسرائيلية، في إشارة إلى دعم وزراء حركتي “القوة اليهودية” التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، و”الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية بتسلال سموتريتش. فوزراء الحركتين، إلى جانب عدد من وزراء الليكود الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، باتوا رأس الحربة في الدفاع عن الإرهابيين اليهود، حيث يستنفرون لرفض الدعوات المطالبة باتخاذ إجراءات أمنية، حتى لو كانت متواضعة، لتقليص مستوى الاعتداءات الإرهابية؛ فضلا عن أنهم يبررونها بزعم أنها تأتي ردا على عمليات المقاومة التي ينفذها المقاومون الفلسطينيون.
ويحظى الإرهابيون اليهود بدعم قوي من كبار الحاخامات وعدد من مرجعيات الإفتاء اليهودية ذات التأثير الواسع؛ فقد بادر عدد من هؤلاء الحاخامات إلى التوقيع على عريضة تطالب الحكومة والجيش بعدم اتخاذ أية إجراءات ضد الإرهابيين اليهود من منفذي الاعتداءات. وقد أضفى هذا الدعم والإسناد شرعية على تنفيذ هذه الاعتداءات، وهذا ما يفسر حقيقة أن الأشهر الأخيرة شهدت مشاركة قطاعات كبيرة من المستوطنين في تنفيذ الاعتداءات على القرى والبلدات الفلسطينية، وهو ما مكن المستوطنين من تنفيذ عدد كبير من الاعتداءات في الوقت ذاته.
لكن مما ينذر بتداعيات بالغة الخطورة، في حال تواصلت هذه الاعتداءات، حقيقة أن عددا كبيرا من الذين يشاركون فيها هم من الجنود الذين يؤدون الخدمة العسكرية أو من ضباط أمن المستوطنات، الذين يعدون أيضا مكونا من المؤسسة العسكرية، كما دلل على ذلك الصحافي الإسرائيلي آفي سيخاروف في عدة تغريدات على حسابه على تويتر. ومما يفاقم خطورة الأمور حقيقة أن المشاركين في الاعتداءات على القرى والبلدات الفلسطينية ينضوون في أطر تنظيمية، أهمها تنظيم “فتية التلال”، وتنظيم “شارة ثمن” الإرهابيين. ولم يعد من المستبعد أن تنخرط هذه التنظيمات في إطار ميليشياوي موحد أكثر تنظيما وأشد فتكا، يستنفذ الطاقة الكامنة في مقدرات جيش الاحتلال، من منطلق أن عددا كبيرا من هؤلاء الإرهابيين هم ضباط وجنود في هذا الجيش.

الرهان على عمليات المقاومة كإطار رد وحيد على اعتداءات التنظيمات الإرهابية اليهودية لن يحول دون تحقق رهانات هذه التنظيمات على توظيفها في طرد الفلسطينيين من المناطق الريفية.

إن هذا الواقع ينذر بإمكانية أن يقدم المستوطنون على تنفيذ مجازر وحشية ضد القرويين، في البلدات والقرى الفلسطينية التي تحيط بها المستوطنات؛ وفي حال تحقق سيناريو الرعب هذا، الذي باتت تحذر منه المخابرات الداخلية الإسرائيلية “الشاباك”، فإنه سيكون أكثر فظاعة من مجزرة المسجد الإبراهيمي التي نفذها الإرهابي اليهودي باروخ غولدشتاين في 25/فبراير/1994، التي راح ضحيتها 29 فلسطينيا وجرح العشرات، على اعتبار أن هذه المجازر ستكون نتاج تخطيط وتنفيذ تنظيمات تضم المئات من المستوطنين، فضلا عن أنها ستغطي مناطق واسعة في الضفة الغربية.
إن التسليم بهذا الواقع يعني التمهيد لحدوث نكبة جديدة تجتث الفلسطينيين من مناطق واسعة في أرجاء الضفة الغربية؛ فكما قامت النكبة الأولى عقب الجرائم التي نفذتها العصابات الصهيونية خلال عام 1948، في إطار “خطة دالت” بهدف تشريد الفلسطينيين، فإن السماح للتنظيمات الإرهابية اليهودية بتنفيذ مجازر سيفضي إلى النتيجة نفسها. وصحيح أن تواصل الاعتداءات الإرهابية التي تنفذها التنظيمات اليهودية ستفضي إلى تأجيج عمليات المقاومة في أرجاء الضفة الغربية، لكن هذه التنظيمات ستوظف هذه العمليات في تبرير توسيع نطاق جرائمها وجعلها أكثر قسوة وإجراما.
من هنا، فإن الرهان على عمليات المقاومة كإطار رد وحيد على اعتداءات التنظيمات الإرهابية اليهودية لن يحول دون تحقق رهانات هذه التنظيمات على توظيفها في طرد الفلسطينيين من المناطق الريفية. وهذا يستدعي على عجل الإقدام على خطوتين متلازمتين؛ وهما: تدشين أطر فلسطينية شعبية للدفاع عن البلدات والقرى التي تقع في محيط المستوطنات، والشروع في تحركات دبلوماسية وسياسية مكثفة من أجل وضع العالم أمام مسؤولياته تجاه تواصل الاعتداءات الإرهابية اليهودية.
إن ترك القرويين الفلسطينيين لمصير تهدده الاعتداءات المتكررة، يستدعي انخراط الشباب الفلسطيني من جميع مناطق الضفة في الأطر التنظيمية الهادفة إلى حماية القرى والبلدات المستهدفة؛ كما يوجب ممارسة أكبر قدر من الضغوط على السلطة الفلسطينية لإلزام عناصر أجهزتها الأمنية بدور مهم في تأمين البلدات والقرى المهددة. وفي حال رفضت السلطة الفلسطينية أداء هذا الدور الذي يفترض أن يكون مناط مهمتها الرئيس، فإنه لا يوجد مسوغ لبقاء هذه السلطة يوما إضافيا واحدا.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

سوريا وثورة نصف قرن

سوريا وثورة نصف قرن

سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...

قراءة المزيد
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!

خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!

يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...

قراءة المزيد
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!

ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!

فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...

قراءة المزيد
Loading...