حرائر غزة وأمتنا المغتصبة

بواسطة | مارس 25, 2024

بواسطة | مارس 25, 2024

حرائر غزة وأمتنا المغتصبة

“وامعتصماه”.. صرخة عابرة للقارات، صرخة شق دويها سماء التاريخ الذي تغنى بإباء وعزة الخليفة المعتصم، صرخة مهما اختلفت الروايات بشأن حدوثها واقعاً، فإنها اختزلت مكانة المرأة العربية المسلمة في الإسلام، كما اختزلت شجاعة وغيرة الرجل العربي المسلم على الحرائر، فكيف إن استنجدن به؟!

هذه الصرخة هي ذاتها التي تخرج من حناجر الحرائر الغزيات لكن لا حياة لمن تنادي، وهن اللواتي يمتن في اليوم ألف ميتة مع كل انفجار تخترق شظاياه أجساد فلذات أكبادهن قبل أن يخترق دويه حاجز الصوت، ومع كل حالة اعتداء على عفتهن وعفة بناتهن الطاهرات، ومع كل استهداف لأبنائهن وأزواجهن العزل من طائرة مسيرة لا تفرق بين مدني ومقاتل، فالكل في شريعة الصهاينة واحد.

فالتغول الصهيوني، وحالة الجنون التي يدير فيها مجلس الحرب الإسرائيلي حربه على سكان قطاع غزة، واقع لا نجد في قاموس اللغة العربية ما يصفه، لاسيما مع تطويق ومحاصرة مجمع الشفاء الطبي.. هذه الكارثة الإنسانية التي يواجهها العالم “الحر” بكل معاهداته واتفاقياته بما لم يتجاوز مربع الصمت، حيث إنه خلال كتابة المقال أعدم جيش الاحتلال داخله خمسة أطباء وعددا آخر من الممرضين و350 مدنيا، ممن لا حول لهم ولا قوة، سوى أنَّ منهم من يؤدي واجبه الإنساني أمام مرضاه، وآخرون ممن دفعتهم قلة الحيلة إلى النزوح إلى مجمع الشفاء كآخر أمل لهم في الصراع لأجل البقاء بعد أن هُدمت منازلهم، وبعد أن هجروا قسراً من مسقط رؤوسهم، وبعد أن فرَّ الأمان أمام ناظريهم كالفارّ من ساحة الوغى مدبر غير مقبل.

وكلّ ما قيل رغم فظاعته يبقى محتملا أمام شهادات بعض الناجين والناجيات من استهداف جيش الاحتلال، الذي طال عفة وطهارة حرائر غزة اللاتي بتن يتعرضن للاعتداء والاغتصاب أمام محارمهن وأطفالهن.. ورغم بشاعة ما أنقله لكم، فإنَّ الأكثر حرقة ومرارة قصة تلك السيدة الفلسطينية الحبلى في شهرها الخامس، والتي استنجدت مراراً وتكرارا بأحد الجنود ليكف عن ضربها خشية على حملها، إلا أنَّ هذا هو ما أيقظ ساديته، فلم يشفع لها استنجادها أمام من تقوده التعاليم التوراتية المحرفة إلى العنف ضد “الأغيار”، وتوهمه أنَّ قتل الشعوب الأخرى والتخلص من نجسها ودنسها له فضل عند رب بني إسرائيل؛ فهذه الأفعال التي منها قتل الأطفال – أطفال فلسطين- لها مسوغ بالاستناد إلى عقيدتهم، بدعوى أنهم يشكلون خطراً على الكيان الصهيوني.. ما كان من الجندي إلا أن أمرها بخلع ملابسها أمام زوجها وأطفالها، واغتصبها دون أن تحرِّك صرخاتها المتوسلة إنسانيته، فالأساطير التوراتية التي يعتقد بها قاتلها تشرِّع له ولكل إسرائيلي صهيوني إبادة الفلسطينيين دون أن يرف لهم جفن.

مشهد هذه السيدة ليس الأول ولن يكون الأخير، وفي هذا المقام تذكرت بكل أسف مقولة جولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني وزعيمة حزب العمل الصهيوني بين سنتي 1969 و1974، عندما سُئلت عن أسوأ يوم وعن أسعد يوم في حياتها، فقالت: “أسوأ يوم في حياتي عندما أُحرِق المسجد الأقصى، لأنني خشيت من ردة الفعل العربية والإسلامية، وأسعد يوم في حياتي هو اليوم التالي لأنني رأيت العرب والمسلمين لم يحركوا ساكناً”! فمقولتها تشرِّح الوضع الراهن بكل حيثياته، وما قالته لا يزال يكشف حقيقة واقع الأمة الإسلامية التي تمر في أسوأ مراحل تاريخها الطويل، والذي يؤكد أنَّ أمتنا هي المغتصبة أمام طهر وعفة حرائر غزة، وأمتنا هي من تحتاج إلى نجدة وفتح جديد كفتح عمورية.

فكيف للعالم مجتمِعا أن يصمت كلَّ هذا الصمت أمام حجم الكارثة الإنسانية والأخلاقية، التي صنعها جنود الاحتلال بتوجيهات من مجلس الحرب، الذي يسوّق القول عن خلافات فيه، إلا أنها خلافات على من يعربد أكثر ومن يطرح خطة تسرِّع في إبادة الغزيين لتنفيذ خطط الاستيطان دونما أي خشية من أي تهديدات، إذ إنَّه لم يعد للولايات المتحدة الأمريكية بكل جبروتها صوت يُسمع عند “النتن ياهو”، الذي أعلن صراحة وبكل تمرد – على سبيل المثال لا الحصر- اجتياح رفح برياً من دون دعم أمريكا، رغم تحذيرات الأخيرة له بأن العملية البرية ستهدد بعزل إسرائيل، وستعرض أمنها ومكانتها للخطر في حال لم تضع خطة متماسكة في قطاع غزة، وأعتقد بأنَّ التجاوزات التي ارتكبها ويرتكبها جيش الاحتلال، بتعليمات قياداته التي ضربت بالاتفاقيات الدولية عرض الحائط، تكشف عدم الاكتراث لأي صوت خارجي يريد أن يثنيهم عن وجهة نظرهم وعن أهدافهم التي لم تعد واضحة المعالم، لتحقيق مكاسب حتى وإن كانت انتصارات مزيفة على أجساد أطفال ونساء وشيوخ غزة، ليسوّقوا لها في الداخل الإسرائيلي المشتعل والغاضب، والذي يلقي باللائمة على رأس الخراب “النتن ياهو” على ما هم فيه منذ السابع من أكتوبر.

خـتـامـا حتى كتابة هذه السطور لم يستجب أي صوت “حُرّ” لاستغاثة حرائر غزة، وهن يُعتدى عليهن ويُغتصبن أمام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي الحضارة وحقوق الإنسان.. هل اعتدنا المشهد؟ أم طاب لعالمنا العيش في مربع الصمت؟!

2 التعليقات

  1. HUSSAIN MOHD

    أبدعتي أستاذه هديل رغم المقال المؤلم و وصف حالنا المخزي

    الرد
  2. عز الحر

    حكام العرب يخافون على مناصبهم ولا يحركون ساكن، لا يعلمون أن الدور آت عليهم وعل بلدانهم وأوطانهم، ولم ولن يسلموا من بطش العدوان الصهيوني المغتصب، ذل ما قبله ولا بعده ذل يا عرب

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...