حرب غزة، خط الاستواء الجديد
بقلم: شيرين عرفة
| 15 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 15 فبراير, 2024
حرب غزة، خط الاستواء الجديد
تتجلى انتهاكات حقوق الإنسان في الغرب من خلال اعتقال الناشطين وتشويه سمعتهم بسبب دعمهم لفلسطين.
يرصد هذا المقال تداعيات القمع الغربي لحرية التعبير، وكيف يتعرض المؤيدون لفلسطين للاضطهاد في الدول الغربية، مما يكشف عن تناقضات المبادئ الإنسانية والحضارية.
انتهاكات حقوق الإنسان وتداعياتها – القمع الغربي للتعبير عن الدعم لفلسطين
اعتقلتني القوات الألمانية، بسبب ارتدائي للكوفية الفلسطينية، وقد وجهوا لي تهمة تهديد السلم العام”.. هكذا صرحت الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان
“يارا منيزل” المولودة في ألمانيا، لأب أردني وأم ألمانية، خلال مقابلة صحفية معها.
لم تكن “يارا” وحدها التي اعتقلت بسبب إعلان دعمها لفلسطين، بل تعرض العشرات غيرها من الألمان والعرب، للاعتقال على خلفية ارتدائهم لرموز مؤيدة للقضية الفلسطينية، أو استخدامهم الشعارات الداعية لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، بينما في المقابل، لا تحظر ألمانيا أي شكل من أشكال الدعم لإسرائيل؛ ما دفع عددا من المحامين العرب لتشكيل شبكة للدفاع عن مؤيدي فلسطين، ضد تعسف السلطات الألمانية بحقهم.
فقد أعلنت سلطات ولاية برلين الألمانية، بعد أقل من أسبوع على انطلاق عملية طوفان الأقصى، عن حظر ارتداء الكوفية الفلسطينية في المدارس، وتجريم أي إعلان صريح عن دعم فلسطين، سواء بالقول أو الشعارات أو الملصقات، بما يشمل رسم خريطة فلسطين المحتلة بألوان علم فلسطين، أو كتابة كلمة فلسطين في أعلاها، بدعوى أن ذلك يشكل “تهديدا للسلم العام“.
وأثبت تحقيق صحفي، نشره موقع (ميدل إيست آي) أن وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا بريفرمان، التي عُرف عنها حبها الشديد لإسرائيل، ووصفها من يدعم فلسطين بالكاره لليهود، قد وقَّعت شخصيًا خلال فترة توليها المنصب، على قرار بمنع طالبة فلسطينية لاجئة من الدخول إلى بريطانيا. وأكد التحقيق أن الوزيرة رفضت منح تأشيرة الدخول للاجئة تُدعى “أمينة الأشقر“، رغم حصولها على منحة دراسية شاملة لدراسة الدكتوراه في كلية لندن للاقتصاد، لمجرد أنها فلسطينية، وزعمت الوزيرة أن تواجدها في بريطانيا “سيضر بالصالح العام“، وقد طالبت مؤسسات حقوقية الحكومةَ البريطانية، بالتحقيق في حيثيات القرار .
وفي السياق نفسه صدر أول أمس، الثلاثاء 13 شباط/ فبراير الجاري، قرار من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بإيقاف مراسلتها في القاهرة “سالي نبيل” عن العمل (بالرغم من قضائها 10 سنوات كاملة في العمل معهم)، وإحالتها للتحقيق التأديبي – للمرة الثانية خلال شهور- بدعوى مخالفتها سياسات الهيئة بشأن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والانحياز ضد إسرائيل. جاء هذا بعد أيام قليلة من نشر تقريرٍ، في صحيفة التلغراف البريطانية الموالية لإسرائيل، وجه لـ”سالي” تهمة “معاداة السامية” على خلفية ضغطها زر الإعجاب (لايك) لتغريدتين حول إسرائيل وفلسطين على موقع إكس (تويتر سابقاً)؛ وتشير التغريدة الأولى إلى إعراب إحدى الرهينات الإسرائيليات من المفرج عنهن في غزة عن “العرفان العميق” تجاه حركة حماس، بينما تتناول التغريدة الثانية خبرًا نشرته صحف تركية بشأن قيام إسرائيليين مؤخرًا بشراء أراضٍ في جزيرة قبرص.
لم تكن “سالي” الصحفية العربية الوحيدة، التي تم التنكيل بها بسبب إعرابها عن آرائها الشخصية، فقد أوقفت (بي بي سي) في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن العمل، وللسبب ذاته، كلًّا من سالي وثلاثة صحفيين آخرين بمكتب القاهرة، وصحفيتين من مكتبها ببيروت، واتهمتهم بالانحياز لفلسطين على خلفية الإعجاب أو إعادة النشر لتغريدات على موقع (إكس)، وبالرغم من أن القوانين البريطانية تكفل حرية التعبير للجميع، وعلى الرغم من أنه لا يوجد قانون بريطاني يُجرّم التعاطف مع دولة بعينها، فإن التأييد للقضية الفلسطينية يظل جريمة في أعين المسؤولين عن الهيئة الإعلامية، إكراما لعيون إسرائيل.
وقد شهد يوم الثلاثاء أيضا حكما قضائيا بريطانيا من أعجب ما يكون، حيث تمت إدانة ثلاث نساء بريطانيات بارتكاب جرائم إرهابية، بعدما استخدمن ملصقات فيها صور مظليين، خلال مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في لندن احتجاجا على حرب غزة؛ حيث ألصقت “بولين أنكوندا” (26 عاما) و”هبة الحايك” (29 عاما) صورا لمظليين على ظهريهما، مشابهة للأجهزة التي استخدمها مقاتلو حماس؛ كما أُدينت “نويموتو أولايينكا تايوو” (27 عاما) بالتهمة ذاتها، بعدما ألصقت صورة مماثلة على مقبض إحدى اللافتات.
هنا، نحن لا نتحدث عن مشاركة سياسية وعسكرية ظالمة، قامت بها حكومات الغرب لمناصرة إسرائيل في حربها الوحشية على غزة، باعتبار الأخيرة قاعدة عسكرية غربية مهمتها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط المليئة بالنفط والثروات؛ لكننا اليوم أمام نموذج لتداعي منظومة القيم والحضارة الغربية بأكملها، والتي زعموا – من قبل- أنها قائمة على مبادئ المساواة والحريات وحقوق الإنسان.
فالملصقات في بريطانيا باتت جريمة إرهابية، وارتداء كوفية باللونين الأبيض والأسود في ألمانيا، أو رسم خريطة لفلسطين، يهدد السلم العام؛ وشبكة أخبار بريطانية عريقة، هي من أقدم شبكات نقل الأخبار والمعلومات، تفصل العاملين فيها تعسفيا على خلفية تعبيرهم عن آرائهم الشخصية (بمجرد ضغطة إعجاب).. أحداث، لو حكاها لك أحدهم منذ سنوات قليلة، لما صدقت أبدا أنها ستقع في كبرى ديمقراطيات العالم، وأقدمها على الإطلاق.
وبالرغم من مرارة الحرب في غزة، ومآسيها المفجعة، فإن ما كشفته للبشرية يجعلها واحدة من أعظم الحوادث على مر الزمان، فهي لم تكن فقط حربا وجودية، ستحدد نهاية الكيان الصهيوني وتواجده في المنطقة – كما اعترف بذلك “يوآف جالانت“، وزير دفاع دولة الاحتلال- بل إنها باتت كذلك حدًّا فاصلا، يقسم تاريخ العالم الحديث إلى: ما قبلها، وما بعدها، والثاني سيختلف حتما عن الأول.
إنها خط استواء، يفصل ما بين الإنسانية والحق والعدل، وما بين الهمجية والظلم وشريعة الغاب؛ وهي نقطة ضوء، جاءت لتكشف للجميع كل ما تم تغييبه عنهم من حقائق، وما تم تزييفه وتزويره بفعل ماكينة دعائية ضخمة، عملت بِجدٍ على مدار عقود. فالغرب الاستعماري، لم يتخلَّ يوما عن وحشيته، لكنه فقط تخلّى عن لباس محاربي الفايكنج واستبدل به ربطات العنق والبزات الأنيقة، واستعاض عن السيوف والرماح والدروع بالدبابات والطائرات والأسلحة الحديثة؛ والحروب التي شنها من قبل على العالم الإسلامي تحت اسم “الحروب الصليبية“، باتت اليوم حروبا على الإرهاب؛ وحملات السلب والنهب التي غزا بها دول أفريقيا وآسيا، باتت اليوم حروبا لنشر الديمقراطية.. بينما مصطلحات العلمانية والليبرالية والحريات، ما هي إلا مساحيق تجميل، يخفي بها أنيابه قبل أن يغرسها في رقبة الضحية.
وسيظل عالمنا هذا أسيرا لتلك الحروب الظالمة، ويسيطر عليه منطق القوة، إلى أن تحكم حياتَنا قوانين خالقنا، وتسود على الأرض شريعة الإسلام.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
سلمت يمينك…النموذج الحالي للقيم والحضارة الغربية يواجه تحديات كبيرة تهدد مبادئ المساواة والحريات وحقوق الإنسان التي كانت تعتبر أساساً مزعوما لهذه الحضارة. تشير العديد من الدراسات والتحليلات إلى تدهور القيم الغربية التقليدية وزيفها في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تداعي هذه المنظومة.لقد شقي العالم بغياب شريعة الاسلام ايما شقاء و هذا بسبب تقاعس المنتسبين الي الاسلام عن واجب الدعوة اليه و العمل به و لن ينعم الانسان بتحقيق كل ما يصيبو اليه من امال في الرحمة و العدل و المساواة الحقيقية الا بالعودة الي شيعة رب الانسان
تصويب واجب باخر التعليق السابق( ….الا بالعودة الي شريعة رب الانسان)