حرقناه قبل أن يحرقوه

بواسطة | يونيو 30, 2023

بواسطة | يونيو 30, 2023

حرقناه قبل أن يحرقوه

لا يملك قلب مسلم على وجه الأرض إلا أن يحترق وهو يرى تكالب الأنظمة الأوروبية، وعلى رأسها النظام السويدي، في دعم ورعاية حملات حرق القرآن الكريم علانية على مرأى من العالم كله، دون اكتراث بمشاعر ما يزيد عن مليار مسلم حول العالم!.
هذا الأمر المؤلم والعمل الحقير يدل على جاهلية الأمة الأوروبية، وإن وضعت قناع التقدم والحضارة المادية، فهي خاوية على عروشها في موازين الأخلاق والتعايش واحترام الكيانات الإنسانية. وهي، وإن أسماها بعضهم حضارة تقدمية، لا تتعدى كونها مدنية مادية، مدنية للعمران لكنها خراب للإنسان، و خواء لا خلاق لها في سباق الأمم الأخلاقي.
هذه التصرفات ليست وليدة اللحظة ولا خاصة بهذا الزمان، بل بدأت بؤرتها منذ القدم؛ ففي القرن السادس عشر الميلادي أقدم البابا في البندقية على إصدار مرسوم بابوي  يقضي بحرق القرآن الكريم علانية، بعد أن تمت ترجمة معانيه إلى اللاتينية عن طريق أحد المترجمين الأوروبيين، منعا لتداول أفكاره المقدسة بين عامة الشعوب الأوروبية، وخصوصا بعد فترة حملات التفتيش في إسبانيا التي سبقت هذه الحادثة بعقود، فالجرائم التي فعلها القشتاليون بالمسلمين جنوب الأندلس أعقبتها ردة فعل لدى الجمهور الشعبوي الأوروبي، تسعى لمعرفة أسباب العداء المبالغ فيه تجاه أولئك العرب المسلمين الذين كانت لهم سمعة و ريادة في مجال العلوم والفنون و الآداب، وهذا ما عرفوه من أجدادهم الذين شهدوا العصور الذهبية للحضارة الأندلسية.فلا غرابة من تلك الأنظمة الاستمرار على ذات النهج الجاهلي، دون أن تراعي للأمم والحضارات الأخرى حرمة مقدساتها وركائزها الدينية، ومنطلقاتها العقدية الفكرية؛ بل وجدنا أتباعها مرحبين غارقين متذبذبين، وتائهين في ازدواجية المعايير، ومن ذلك أنهم لا يجرؤون أبدا على فعل هذه الجريمة بحق كتب الآخرين المقدسة لديهم  كالتوراة و الإنجيل و غيرها.
ولكن، عند النظر إلى هذا الأمر الجلل المؤلم لقلوبنا من زاوية أخرى نرى منها أنفسنا، ونرى واقع عالمنا العربي، وواقع المسلمين، سننتساءل: ماذا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حيا موجودا في زماننا؟. هل كان سيبادر إلى السؤال عن تقاعسنا وتقاعس الأنظمة الإدارية لدينا في الرد على  جهالة الأنظمة الأوروبية؟. أم إنه سيسألنا عن أمر عظيم غفلنا عنه في زماننا؟. ذلك الأمر الذي تضمنه قول الله تعالى في محكم التنزيل على لسان نبيه: {وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } [سورة الفرقان: ٣٠]. أين القرآن في حياتنا؟ أما زال حبيس تلك الأرفف التي يعلوها الغبار؟ أما زال وسيلة لجلب البركة فى السيارات والمحلات والأسواق والدكاكين؟ هل أصبح مبلغ القرآن الكريم أن يكون تميمة يعلقها بعض الناس أو تعويذة يتحرز بها آخرون؟ هل أنزله الله لهذه الأمور؟. صحيح أن بركة القرآن تشتمل على كل خير وكل نفع؛ ولكن، أين القرآن في حياة الأنظمة السياسية وحاكميتها للشريعة؟ أين القرآن الكريم  فى تحكيم القوانين وجَعْله حاكما في النزاعات الحكمية والدعاوى القضائية؟ أين القرآن الكريم وحاكميته على النظم الاقتصادية وإدارة ثروات الشعوب والتوزيع العادل للثروة بينهم؟ أين القرآن الكريم فى ضبطه للصراعات الطبقية الاجتماعية والشعبوية والفئوية و العنصرية؟ أين القرآن الكريم في إدارة النظم التعليمية والتربوية ووضع السياسات التعليمية للأجيال؟.
مع الأسف، إن کفار قریش كانوا أكثر معرفة وفهما  لمغزی نزول القرآن والتوحيد، وحقيقة معنى أن الإسلام والقرآن الكريم  جاءا ليغيرا مفهوم الحياة الأولى التي نشأ عليها العرب على جميع الأصعدة، ويأتى بحياة جديدة بيضاء ناصعة قائمة على إدارة سياسية تنتهج العدل والعدالة، والتسامح الأبوي والبناء المعرفي والقيمي، ونبذ الظلم والطغيان وردع السلوكيات السلبية، والحث على التعليم والرزق الحلال وبناء المنظومة الاقتصادية القائمة على الإنتاج ومنفعة الناس ومنع أكل أموال الناس وقهرهم وحفظ كرامة الإنسان.
القرآن ما زال مهجورا فى حياتنا، وليس الهجر هجر قراءته وتلاوته، فكثير من المسلمين، ولله الحمد، على صلة به قراءة وتلاوة، ولكن المقصد الأسمى منه هو نقل تعاليمه وتوجيهاته ومنطلقاته وتصوراته إلى الواقع العملي في حياتنا دون تحييد له، ودون تقييد أو قول بأن القرآن يكون في ميدان الدين ولا يكون في ميدان الدنيا، فنكون بذلك كأنما “حرقناه قبل أن يحرقوه”.  فهل حان الوقت لنعيد تقييم موقفنا من القرآن الكريم، ونسعى لتحكيمه وتطبيقه في جميع مجالات الحياة؟. وذلك بقدر الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا يا إخوتي إلا وسعها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عباس محمود العقاد.. ساعات بين الكتب

عباس محمود العقاد.. ساعات بين الكتب

كنتُ أهاتف الشيخ عبد الوهاب الطريري ونتحدث عن الكتب وشؤون المطابع وقصص من حياة المؤلفين.. والنقاش مع الشيخ الطريري ممتع ومفيد ومليء بالفوائد، فهو يتذوق القصة الجميلة، ويطرب للعبارة الحلوة، ويتأمل في حياة المؤلفين والكُتَّاب، وكمْ حدَّثني عن مقالات الزيَّات وعصر مجلة...

قراءة المزيد
عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
Loading...