حرق المصحف | همجية لا حرية تعبير
بقلم: نديم شنر
| 31 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: نديم شنر
| 31 يوليو, 2023
حرق المصحف | همجية لا حرية تعبير
علق وزير الخارجية الخارجية التركي، هاكان فيدان، على حرق نسخ من المصحف الشريف، تلك الظاهرة الهمجية التي تفاقمت في بعض الدول الأوربية، ووقفت دول غربية أخرى منها موقف المتفرج؛ فقال: “في أوربا يحرقون نسخ المصحف، وفي الماضي أُحرِقت هناك الكتب بإشراف الدولة، كما يحصل اليوم، وكانت بعد ذلك معسكرات الاعتقال، التي نعلم جميعا ما حدث فيها”.
إنه تذكير مهم بشيء حصل في أوربا في القرن العشرين، بدأ بحرق الكتب وانتهى بحرق الناس!. فكان ذلك سلوكا شهده العصر الحديث، يشبه ما عرفته العصور الوسطى.
بعد أن أحالت تركيا هذه القضية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتاريخ 12 يوليو/تموز، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 يوليو/تموز باعتبار جميع أعمال العنف ضد الكتب المقدسة انتهاكا للقانون الدولي. وهذا الموضوع ستتم مناقشته في اجتماع لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بتاريخ 31 تموز/يوليو؛ وفي إشارته إلى ذلك قال فيدان: “لا نعتقد أن حساسية حلفائنا الأوروبيين بشأن هذه القضايا ستتعافى، وأعتقد أن العالم الإسلامي سيتخذ في الحادي والثلاثين من تموز بعض القرارات احتجاجا على الأعمال التي تسيء إلى القرآن الكريم، والتي تحولت إلى وباء، وستشكل هذه القرارات سابقة في العالم الاسلامي”. وأوضح ما يتوقعه بالقول:” نعم، ستدافع الدول الإسلامية عن ديننا المشترك، وعن قداسة كتاب الإسلام، القرآن الكريم.. لكن هذا لن يُنهي الإساءات إلى الدول الإسلامية، وخاصة تركيا، من خلال الإساءة إلى القرآن؛ لأن العداء لها متجذر في تاريخ الحضارة الغربية”.
إن عيسى عند المسلمين نبي من أنبياء الله، والإنجيل والتوراة من الكتب المقدسة، التي لا يستهينون بها أبدا؛ أما ما يدعونها “حضارة الغرب” فالعداء فيها لدين الإسلام راسخ الجذور، ولهذا لا تفاجئنا بربرية حرق المصحف. لقد انتشرت هذه الهمجية في دول مثل السويد وهولندا والدنمارك خلال العامين الماضيين، ومن الواضح أنها ستستمر؛ هذه التصرفات الهمجية في الدول الأوروبية بدأت في السويد في 18 أبريل 2022، وقد أثارتها اعتراضات تركيا على عضوية السويد وفنلندا في الناتو. والواقع أن من أبرز الأحداث التي أثارت أكبر قدر من الجدل العام، حرق المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، عاصمة السويد، من قبل راسموس بالودان، زعيم الحزب الدنماركي اليميني المتطرف، بتاريخ 21 كانون الثاني 2023.
كان للدول الإسلامية، ولا سيما تركيا، ردودها على هذه الإساءة؛ فقد ندد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي (OIC)، حسين إبراهيم طه، بشدة بحرق المصحف من قبل سياسي يميني متطرف في السويد؛ وصدرت تصريحات الإدانة لهذه الهمجية من إيران والعراق والسعودية وقطر ومصر وفلسطين ولبنان والأردن والجزائر والمغرب واليمن والكويت وباكستان وجمهورية شمال قبرص التركية وأذربيجان. وفي روسيا انتقد المسلمون والمسيحيون حرق راسموس بالودان للمصحف، أمام سفارة تركيا في ستوكهولم؛ وغرد الرئيس السنغالي ماكي سال عبر حسابه على تويتر: “أدين بشدة العمل الحقير لليميني المتطرف راسموس بالودان، الذي أحرق المصحف”. كما أدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدولة الإمارات العربية المتحدة وحماس والحوثيين في اليمن حرق بالودان للمصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم؛ وندد اتحاد أكاديميي وكتاب الدول الإسلامية بالحادثة، وقال: “إن هذا التصرف عار أيضا على السلطات السويدية التي سمحت به تحت حماية الشرطة”. وأدانت اللجنة التوجيهية الوطنية التركية الأمريكية (TASC)التي تعمل كمنظمة جامعة لما يقرب من 155 جمعية تركية في الولايات المتحدة الأمريكية، حرق المصحف الشريف في السويد؛ أما مؤسسة الأزهر في مصر فقد أكدت على أن ما جرى لن يقلل من احترام الإنسان المتحضر للقرآن، وأن هذا الكتاب المقدس سيظل مرشدا للبشرية جمعاء؛ وكذلك أدانت مؤسسات ومنظمات الأقليات التركية في تراقيا الغربية الهجوم على القرآن في السويد.
التذكير بهذه التصريحات غايته التأكيد على أن العالم الإسلامي لم يسكت في وجه هذه الهمجية، وأبدى نيته إنهاءها بالحوار وليس بالصراع.
ما لا يفهمه الغرب هو أن العالم الإسلامي، باستثناء بعض أصحاب التفسيرات والحركات المتطرفة، يؤيد حل المشكلات في إطار ما تعنيه كلمة “السلام”؛ لكن قانون الغرب -على النقيض من ذلك- يقف موقف المتفرج من البربرية التي يمارسها أولئك الحاقدون، بل ويشجعها أيضاً؛ ومعلوم أن العمل الهمجي حدث تحت حماية الشرطة السويدية، وبإذن من السلطات القضائية.
والبرابرة الذين اعتقدوا أن الاستفزاز لم يحقق الغرض منه، كرروا سلوكهم الهمجي بحرق نسخة من المصحف في هولندا في 24 يناير؛ وأعاد بالودان ما فعله أمام السفارة التركية في ستوكهولم، فنفذ الاستفزاز نفسه في 27 يناير أمام السفارة التركية في كوبنهاغن، بإذن من الشرطة الدنماركية؛ ثمَّ تكرر هذا الفعل مرات عديدة، في 25 مارس 2023 في الدنمارك، 31 مارس 2023 في الدنمارك، 14 أبريل 2023 في الدنمارك، 20 يوليو 2023 في السويد، 24 يوليو 2023 في الدنمارك، وفي 25 يوليو 2023 مرة أخرى في الدنمارك. وبملاحظة التواريخ، نجد موجة البربرية آخذة في التصاعد، وقد وقع أكثر من نصف حركاتها المسيئة أمام سفارات الجمهورية التركية.
يهدف البرابرة إلى إرسال رسالة إلى جميع المسلمين في العالم عبر تركيا، وإحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم باستفزازاتهم؛ وللأسف فإن هذه الهمجية تحدث باسم “حرية التعبير”، أمام الحكومات والساسة والصحافة والمحاكم والشرطة في هذه الدول، وبإذن منهم.
حرق الكتب، وخاصة حرق الكتب المقدسة، ليس حرية تعبير بل همجية؛ وحرق كتابنا المقدس أمام السفارات التركية للضغط على تركيا، على وجه الخصوص، يهدف إلى إثارة الجدل والانقسام والصراع بين تركيا والدول الإسلامية الأخرى، لأن الهجوم يهدف إلى النيل من وحدة وتضامن الدول الإسلامية، والإضرار بتعاون الدول الإسلامية لحماية المصالح الإقليمية تحت قيادة تركيا.
أود أن أوضح ما ذكرته بمثال؛ ففي هولندا، إحدى الدول التي يتم فيها حرق نسخ المصحف الشريف بطريقة همجية، الجميع يعرفون اليميني المتطرف والعنصري الفاشي خيرت فيلدرز. لا أريد هنا أن أكرر أقواله الدنيئة عن الإسلام والمسلمين، ولكني سأسوق فقط تغريدة السياسي البدائي، المدعو خيرت فيلدرز، في 26 يوليو، ونصها: “لو كنت سياسيا تركياً، تركيا ليست دولة عربية. تركيا يجب أن تكون دولة علمانية. يجب إعادة العرب في تركيا إلى بلدانهم. يجب احترام المرأة بشكل كامل وتأمينها. يجب أن يعود عشاق أردوغان الأتراك في الاتحاد الأوروبي إلى تركيا. لا أردوغان بعد الآن. هل توافقني؟”
هذا العقل الأوروبي الذي ينشر الفتنة، يهدف إلى تأجيج الانفصالية بين الأشقاء، الأتراك والعرب.
نعم، التركي ليس عربيا، والعربي ليس تركيا، لكن في العالم مليارا ونصف المليار من المسلمين، تربطهم عقيدة واحدة، وهم إخوة وأخوات في دين الإسلام، وفي الإسلام معنى السلام. هذا بالضبط ما لا يفهمونه، وهذا ما يميزنا عن المسيحيين الذين دمر بعضهم بعضا، وكان بينهم عبر التاريخ قتال وحروب طائفية.
المسلم لا يقاتل المسلم، ومن يفعل ذلك محكوم عليه بالخسارة؛ ولهذا السبب فإن العقلية الفاشية التي كانت، مثل فيلدرز، تغذي نار الفتنة، محكوم عليها بالخسارة في مواجهة تضامن العالم الإسلامي.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق