حماس ضربت النحاس
بقلم: جعفر عباس
| 11 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 11 أكتوبر, 2023
حماس ضربت النحاس
ضرْب النحاس عند بعض قبائل السودان، هو نداء النفرة للتصدي للعدوان المسلح؛ وما قامت به حركة حماس من عمل عسكري ضد عدو متغطرس منذ يوم السبت الموافق 7 أكتوبر الجاري، هو نداء: حي على الكفاح، ودفاع مشروع عن النفس، ورسالة إلى من في آذانهم وقر بأن الخنوع يؤدي إلى الركوع لغير الله، وتفاعلٌ إيجابي مع الاستفهام الاستنكاري للإمام علي كرم الله وجهه “مالكم تُغْزَون ولا تَغْزُون؟”.
لم يكن مستغربا أن تقيم شبكتا “سي إن إن” و”بي بي سي” مأتما وعويلا على “المدنيين الإسرائيليين”، أي سكان المستوطنات الذين صرعتهم الصواريخ والقذائف الحماسية، بينما المعلوم لدى كل ذي لب وضمير وحس سياسي وإنساني سليم، أن المستوطن- كما توحي التسمية- مستعمر مغتصب غريب في هذه الأرض، وأن المجتمع الصهيوني كله مسلح تقريبا؛ والمستوطن “settler” لغةً هو من جعل من أرض ما وطنا، ولو كان ينتمي حقيقة لتلك الأرض لأسمى نفسه وأسماه الآخرون مواطنا.
إنجاز حماس الكبير خلال المعارك الضارية التي خاضتها على مدى الأيام الماضية، لا ينبغي أن يقيَّم بلغة الأرقام (أعداد القتلى والجرحى والخسائر المادية)، بل بكونه حدثَ أصلا؛ فالعمليات القتالية التي خاضتها حماس منذ السابع من الشهر الجاري، تطلَّب الإعداد لها وقتا طويلا وجهدا خارقا، وأن يحدث ذلك في غزة التي يخضع كل سنتيمتر منها للمراقبة بالأقمار الصناعية وطائرات الدرون على مدار الساعة، هو دليل على أن حماس صارت عصية على الاختراق، الذي أدى من قبل إلى استشهاد عدد من قادتها وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، في سياق ما أسماه الصهاينة بالقتل المستهدف؛ وقد وجهت حماس لكمة تحت الحزام لأجهزة المخابرات الإسرائيلية من موساد وشاباك وشن بيت، لأنها نجحت في تطوير ترسانة سلاح فعالة وضخمة بالموارد الذاتية، ولن تستطيع إسرائيل أن تتهم جهة ما بتزويد حماس بالسلاح، لأن إسرائيل تُخضع كل شيء يدخل غزة- ما عدا الأوكسجين- لرقابة صارمة ودائمة.
والإنجاز الأكثر أهمية في عمليات حماس العسكرية الأخيرة، ليس فقط في أنها أكبر وأكثر جسارة من كل العمليات الفدائية الفلسطينية السابقة مجتمعة، ولا في كون “حماس” قد ترجمت أدبياتها السياسية إلى أفعال على الأرض، بل في أنها فضحت أكذوبة “الجيش الذي لا يقهر”، وكان الجيش المصري قد أثبت كذب تلك المقولة في أكتوبر من عام 1973، عندما دكّ جنوده خط بارليف، وهو أعتى استحكام عسكري عرفه التاريخ، في غضون ساعات، ولو لم يُرِدها الرئيس المصري أنور السادات حرب تحريك لا حرب تحرير، وخالف توصيات القيادات العسكرية المصرية، لكانت هزيمة إسرائيل في تلك الحرب ساحقة ماحقة.
ظهر الورم الذي اتخذ اسم “إسرائيل”، في جسم عربي معلول ، وظل ينهش ذلك الجسم عبر السنين، والجسم مستكين، حتى صدَّقت إسرائيل أنها قوة لا تقهر، ثم كحلت حماس عينيها بمِرْوَد الصلابة، وتسلحت بإيمان كإيمان الصحابة، وخلخلت كيان الدولة الصهيونية، وليس جيشها فحسب، وفي ذلك تذكير لسدنة المعبد الصهيوني بأن دولتهم -وبحكم تشكيلها وتكوينها- تحمل بذور فنائها، لأنها قامت في هيئة فندق يستدرج زبائن من نفس الطينة والعجينة (يهود)، بوعود خدمات طعام وترفيه وحراسة أمنية ممتازة، وها هي حماس تقدم الدليل على أن إسرائيل ليست الوطن الآمن ليهود العالم، ومن ثم ستشهد الفترة المقبلة هجرات عكسية لليهود ليعودوا “من حيث أتوا”، وتتوقف عمليات النزوح إليها.
في أواخر عام 2019، واستنادا إلى معطيات إسرائيلية رسمية، كان عدد اليهود في العالم حوالي 14.7 مليون نسمة منهم 6.6 ملايين في إسرائيل و5.7 ملايين في الولايات المتحدة، والباقون موزعون حول العالم، وبخاصة في أوروبا. وعنى ذلك أن اليهود الذين يعيشون في دول غربية صاروا عازفين عن الهجرة والعيش في إسرائيل، ومن ثم عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى غواية فئة جديدة من الزبائن، وبين عامي 2012 و2019 كان 86% من المهاجرين الجدد إلى إسرائيل من غير اليهود، وفي عام 2012 وحده ومن بين 180 ألف مهاجر وصلوا إسرائيل وحصلوا على جنسيتها، كان هناك فقط 25 ألفا و375 (نحو 14%) يعتنقون الديانة اليهودية، وكان ذلك بموجب حيلة لاستدراج المهاجرين باسم “قانون العودة” الذي ينص على أنه من حق أبناء وأحفاد اليهود وأزواجهم العيش في إسرائيل، حتى إن لم يكونوا يهودا.
في كل معركة تفتعلها الحكومة الإسرائيلية مع حماس، تُقْنِع شرائح واسعة من الإسرائيليين بأنهم يعيشون في بلد غير آمن، ولهذا وعقب كل توتر عسكري تتسبب فيه تلك الحكومة تبدأ هجرة معاكسة من إسرائيل إلى كندا والولايات المتحدة، ويتعمق الإحساس بأن “الفندق” يفقد نجومه عبر السنين؛ وها هي حماس ترغم كل ساكن في الفندق على النزول إلى الخندق، إلى حين ترتيب أمر الهجرة غربا.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
0 تعليق