خدعة قرار محكمة العدل الدولية

بواسطة | يناير 31, 2024

بواسطة | يناير 31, 2024

خدعة قرار محكمة العدل الدولية

يثير القرار الأخير الذي أعلنته محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد دولة الكيان الصهيوني، المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة تساؤلات حول تأثيره ومدى فعاليته في معالجة التحديات الإنسانية في المنطقة.

قرار محكمة العدل الدولية حول جريمة الإبادة الجماعية في غزة

أخيراً، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها في القضية، التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد دولة الكيان الصهيوني، بشأن ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة؛ وقد قوبل هذا القرار بحفاوة بالغة في الأوساط العربية والإسلامية على وجه الخصوص، الرسمية منها والشعبية، بما في ذلك الأوساط الفلسطينية، واصفين القرار بأنه تاريخي، وبأنه وضع الكيان الصهيوني في الزاوية، وبات قاب قوسين أو أدنى من الإدانة. ولست أدري ما سرّ هذه الحفاوة، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه القرار سقف قرار مجلس الأمن رقم ٢٧٢٠/٢٠٢٣، في ٢٣ ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، والمقدم من الولايات المتحدة.. ولكن يبدو أن عقدة العجز الدفينة في صدورنا تجعلنا نتمسك بأي شيء يخفّف عنا وطأة هذا العجز، حتى لو كان وهماً وخداعاً.

– حبل الكذب الطويل

أشرت في مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان “كمّاشة من عجين”، إلى أن هذه القضية وضعت الكيان الصهيوني فجأة بين فكي كمّاشة، ولكنها للأسف تظل كمّاشة من عجين، لأن أي قرار سيصدر عن محكمة العدل الدولية لن يكون له أي تأثير يلزمه بالوقف الفوري لإطلاق النار والكف عن مواصلة ارتكابه أعمال الإبادة الجماعية، وأن هذا القرار لن يختلف كثيراً في جوهره وتأثيره عن القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن. وليتها كانت كمّاشة من عجين، فالعجين بعد أن يجفّ يمكنه أن يلتقط شيئاً ولو قليلاً، ولكنها كمّاشة من ورق أو هواء، وهي والهباء في حكم سواء.

إن القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية بحق الكيان الصهيوني، لن تكون قرارات إدانة، وستجد الولايات المتحدة لها بالمرصاد؛ لأن إدانة الكيان الصهيوني في هذه الجريمة تعني إدانة الولايات المتحدة مباشرة، فحرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة، بدأت ولا تزال مستمرة بإرادة الولايات المتحدة، وهي الشريك الرئيس للكيان الصهيوني في هذه الحرب، وهي التي عطّلت كافة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الداعية لإيقاف فوري للحرب، لتتيح للكيان الصهيوني مواصلة العمل على تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة من هذه الحرب، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه قطاع غزة وشعبه في المقابل.

وها هو جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي يعلن بكل وحشية وبلادة ودموية وكذب؛ أن عدد الضحايا المدنيين في قطاع غزة هو صفر، وأن الإدارة الأميركية لا ترى أي مؤشر على أن الكيان الصهيوني يحاول إبادة الفلسطينيين، وأنه لا صحة للادعاءات الواردة حول ذلك؛ ليعزز مسلسل الكذب الذي درجت عليه الإدارة الأميركية.. يقولون “إن حبل الكذب قصير”، ولكن حبل الكذب الصهيو-أميركي طويل، لدرجة يصعب معها الوصول إلى نهايته.

– فخ القرار

رغم كافة الأدلة والإثباتات التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا، والتي تصدقها الوقائع اليومية الجارية في قطاع غزة حتى الآن، والتي لا تدع مجالاً للشك في أن الكيان الصهيوني ارتكب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ولا يزال مستمراً فيها دون رقيب ولا حسيب، رغم ذلك كله فإن قرار محكمة العدل الدولية لم يُشر إلى أي فعل إدانة لدولة الكيان الصهيوني، وكل ما طلبته المحكمة منها “اتخاذ جميع الإجراءات التي تتنزّل ضمن سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية”، و”عدم ارتكاب جيشها أياً من هذه الأفعال”، وهي الأفعال التي يُدان مرتكبها بجريمة الإبادة الجماعية، وهي:

  1. قتل أعضاء من الجماعة (أي المدنيين في قطاع غزة).
  2. وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم.
  3. وإخضاعهم عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كلياً أو جزئياً.
  4. وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
  5. ونقل أطفال من الجماعة، عنوة إلى جماعة أخرى.

كما طالبت المحكمة دولة الكيان الصهيوني بـ”اتخاذ الإجراءات التي في وسعها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية”، و”اتخاذ الإجراءات الفعالة لضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية”، بالإضافة إلى “تقديم تقرير إلى المحكمة بشأن جميع الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ ذلك في خلال شهر من تاريخ القرار”.

لقد خدعت محكمة العدل الدولية العالم، وخدعت الفلسطينيين الذين علقوا عليها الآمال، بقرار بدا للبعض انتصاراً، وهو في حقيقته شهادة تبرئة -وليست إدانة- للكيان الصهيوني، الذي جاء قرارها في صالحه جملة وتفصيلاً، وبدرجة أكثر مما يتمنى، بعد أن برّأه القرار تبرئة غير مباشرة من أي مخالفة للقانون الدولي والإنساني. فأي انتصار حصل عليه الفلسطينيون من المحكمة؟ وكيف وقعت دولة جنوب أفريقيا والأطراف العربية والإسلامية والفلسطينية في هذا الفخ، واعتبرت القرار انتصاراً وسابقة تاريخية وإدانة للكيان الصهيوني؟! 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...