عندما تخضع المصطلحات الشرعية للأجندات السياسية
بقلم: احسان الفقيه
| 30 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: احسان الفقيه
| 30 أبريل, 2024
عندما تخضع المصطلحات الشرعية للأجندات السياسية
على جبهة الغزو الثقافي والفكري، تتعرض الأمة لطوفان من الهجوم المُمنهج لضرب هويتها وتفريغ دينها من محتواه، ولا تزال حرب التلاعب بالمصطلحات الشرعية مشتعلة لا تخفت.
فعلى صعيد التلبيس على الناس في شأن نظرتهم للمنكرات والموبقات، تُخترع لها الأسماء التي تهوِّن من بشاعتها وقبحها لدى الناس، فتُسمى الخمر بالمشروبات الروحية، ويسمى الزنا بالعشق، والشذوذ بالحرية الشخصية، والربا بالفوائد، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها”.
ولئن كان هذا المنهج قديمًا، فإن عصرنا هذا قد شهد نمطًا آخر من التلاعب بالمصطلحات الشرعية، فتم إنزالها على واقع ينحرف كثيرًا عن المضمون الصحيح لتلك المصطلحات ودلالتها الشرعية.
فالوسطية غدت تطلق على مخرجات الفكر “التنويري” المزعوم الذي يفرغ الدين من محتواه، ويتحلل من الضوابط الشرعية؛ فالوسطية وفق هذا التضليل تسوغ ارتكاب المخالفات الشرعية طالما أن النية سليمة، وعلى هذا صار بعض المتفيهقة يفتون بأنه لا مانع من الصداقة بين الجنسين، التي يخرج في إطارها الشاب والفتاة كصديقين، طالما أن النية سليمة وبعيدة عن العشق أو إرادة الرذيلة. وفي المقابل أصبح الذي يتقيد بتعاليم الشريعة متشددًا متطرفًا، بعيدا عن وسطية الإسلام، ويغدو انتقاده للواقع السيئ إرهابًا فكريًا.
وأما سماحة الإسلام، فتستخدم غالبا شعاراً يراد به تمييع العقيدة وتذويب الفروق بين العقائد المختلفة، وفي هذا الباب تُفتح مسائل عن الحساب الأخروي بشكل مضلل؛ فتحتَ مظلة التسامح والتعايش مع أصحاب الملل الأخرى، يتجه بعض المنتسبين إلى العلم للتأكيد على أن الجنة يدخلها المسلم وغير المسلم من أصحاب الشرائع السماوية، وهو أسلوب رديء لتعزيز قيم المواطنة، فحق المواطنة مكفول، وليس اختلاف العقائد معقدًا للصراع، فالإسلام لا يرغم أحدا على اعتناقه، بل معقد الصراع والتناحر هو الاعتداء والظلم، حتى لو كان من المسلم على المسلم.
هذا الأسلوب الرديء لتعزيز اللحمة الوطنية يتغافل عن حقيقة هامة، هي أن كل أصحاب ملة يرون أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وكل منهم يرى أن الآخر لن يدخل الجنة، فما المشكلة طالما أنها مسألة أخروية؟ أما في الدنيا فالمطلوب هو التعايش السلمي لا وحدة الاعتقاد، ولو سلّم كل أصحاب عقيدة بأن الآخرين على حق فلم الاختلاف؟!
وإن طغيان المصالح السياسية له النصيب الأكبر من أسباب هذا التلاعب بالمصطلحات الشرعية، حيث يتم تطويع تلك المصطلحات لحسابات السياسيين وفق لعبة المصالح، وإنها لطامة كبرى يُظلم من خلالها الدين، فإن ذلك التلاعب يفصل المسلمين عما تضمنته تلك المصطلحات من معانٍ وأحكام.
وفي هذا الباب تبرز قضية تجديد الخطاب الديني، التي هي في ظاهرها واسمها أمر محمود، وفي حقيقتها وجوهرها اختزالٌ لحقائق وأصول وفروع الدين، وتطويعها لما يناسب الحالة الدولية وإملاءات الغرب، علمًا بأن هذا المصطلح نشأ في الغرب برعاية أساطين السياسة والفكر، تحت مظلة مزاعم مواجهة الإرهاب الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وقد كتب فهمي هويدي في جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 30/9/2003م، كلامًا هامًا بشأن إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني، وهو الصادر عن لقاء نظمه مركز القاهرة لحقوق الإنسان في باريس بتاريخ 11-12/8/2003م. وجاء في ما كتبه: “حين ألقيت نظرة على المشاركين في اللقاء وجدتهم 29 شخصا دُعوا من ثمانية أقطار عربية، وجدت أن 85% منهم من غلاة العلمانيين والشيوعيين السابقين، أحدهم اعترض ذات مرة على ذكر اسم الله في مستهل بيان صدر عن مؤتمر عقد في صنعاء، والثاني ألقى محاضرة قبل أشهر في جامعة برلين الحرة بألمانيا، شكك فيها في أن الوحي مصدر القرآن”.
ينبغي أن يُعلم أن الإسلام قد حرص على توضيح العلاقة بين الألفاظ ومدلولاتها، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “إنّ اللَّه تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفًا ودَلالةً على ما في نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئًا عرَّفه بمُراده وما في نفسه بلفظه، ورتَّب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ، ولم يُرتّب تلك الأحكام على مجرّد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول، ولا على مجرّد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يُرِد معانيها ولم يُحِط بها علمًا”..
فإذا كان هذا شأن الألفاظ التي تعبر عما في نفوس الناس، فكيف بالألفاظ التي تعبر عن حقائق شرعية؟!
إن السياسة – كميدان من الميادين التي يوليها الإسلام اهتمامًا باعتباره منهجا شموليا- لا ينبغي أن تسقط في وحل المكيافيلية، التي تجعل وصولها إلى الغاية مبررًا للأخذ بأي وسيلة ولو كانت على حساب الدين وتشريعاته، طالما لم يبلغ الأمر مبلغ الضرورة المبيحة للمحظور ولم يكن تحت الإكراه المعتبر، بل لابد أن تكون الغاية شرعية، والوسيلة شرعية، بل والسياسة قبل هذا شرعية.
وعلى الرعية أن تعتني بتحرير المصطلحات الشرعية ومعرفة معانيها ودلالاتها، والتزام ذلك الفهم على هدي خير القرون، وعدم الانجرار وراء الإملاءات السياسية التي تريد تطويع تلك المصطلحات لمنطق المصلحة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
شكرًا ونريد منك المزيد .خاصّة وقد ظهرت ما تسمّى تكوين ” التي تشكّك في ثوابت الدين