“خليك خسران”

بقلم: هديل رشاد

| 3 يونيو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: هديل رشاد

| 3 يونيو, 2024

“خليك خسران”

أصحاب العلامة التجارية لبيبسي كولا، المندرجة تحت شركة بيبسيكو، أرادوا بحملة “خليك عطشان” الترويجية، التي أطلقتها الأسبوع المنصرم إحدى الشركات الداعمة لإسرائيل، أن يتصدوا لحملة المقاطعة الضارية التي دعا إليها السواد الأعظم من شعوب العالم العربي والغربي وشعب الولايات المتحدة الأمريكية.

حملة المقاطعة كانت قد انطلقت منذ قرابة الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لتكون أضعف الإيمان، ونصيب البعض من جهاد النفس، نصرة للشعب الفلسطيني في أراضي 1948 ولسكان غزة على وجه التحديد، لما يواجهونه جهاراً نهاراً منذ قرابة ثمانية أشهر من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، بكل ما أوتي العدو الصهيوني من عدة وعتاد بدعم رأس الأفعى – الولايات المتحدة الأمريكية- والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.

ومن وجهة نظري فإن الحملة الترويجية “خليك عطشان” لم تؤتِ أُكُلها كما اعتقد أصحاب العلامة التجارية لأشهر مشروب غازي على مر السنين، بل أسهمت في تذكير الشعوب الشريفة بمسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، رغم أنَّ الشركة – وبكل خبث- سعت لاستخدام عدد من النجوم والمشاهير العرب للترويج لمشروبها الداعم لإسرائيل، بالتزامن مع استهداف خيام النازحين في مدينة رفح التي قيل إنها “آمنة”، وقد خلّف ذلك 45 شهيدا، منهم من استحالت أجسامهم إلى رماد من قوة القصف، ومنهم من قُطعت رؤوسهم وأوصالهم حتى استعصى على ذويهم التعرف على جثثهم.

المشاهد التي بُثت عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمي عربيا وغربيا أظهرت بشاعة الجريمة؛ واستنكر الإعلامي البريطاني بيرس مورغان الهجوم الإسرائيلي على رفح قائلا “لقد دافعت عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكن ذبح هذا العدد الكبير من الأبرياء في مخيم رفح لا يمكن الدفاع عنه، أوقف القتل فوراً يا نتنياهو”.. ونقْل ما قاله بيرس مورغان له هنا أهميته، خاصة وأنه كان رسولا للرواية الإسرائيلية يرى بعينها، إلا أنَّه مع استهداف رفح نطقت إنسانيته ربما.

لكن هذه الإنسانية انعدمت عند عدد من النجوم والمشاهير العرب، أمثال نجم ليفربول ذي الأصول المصرية محمد صلاح، والنجم المصري عمرو دياب، والمغنية اللبنانية نوال الزغبي، واللاعب والمدرب السعودي المعتزل سامي الجابر، وغيرهم من غير العرب.. هذه الأسماء جعلت لسمعتها ولمسيرتها، سواء كانت رياضية أم فنية، ثمناً أضيف إلى حسابها البنكي بطبيعة الحال، إلا أنَّ ثمنها بات بقيمة الصفر على الشمال، بلا قيمة.. بلا قيمة أخلاقية وبلا قيمة إنسانية، أمام جمهور بات من الصعب خداعه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، التي سمحت للمتابعين أن يكونوا على تماس مع المشاهير، وأن يكونوا قوة لا يستهان بها ويحسب حسابها، خاصة وأنَّ هذه الحملة قلبت السحر على الساحر.

فقد وجّه متابعون انتقادا كبيرا لفكرة الحملة الترويجية وللمشاركين بها، حيث وصف البعض الإعلان بالفكرة الخبيثة، والتحدي المبطن لحملة المقاطعة، إلا أنَّهم  لم يقفوا مكتوفي الأيدي كحكوماتهم التي تقف موقف المتفرج منذ الحرب على غزة، بل دعوا إلى إلغاء متابعة النجوم الذين شاركوا في الإعلان وحظر حساباتهم، إذ رأى كثيرون أنَّ هؤلاء النجوم لا ينقصهم المال، حتى وإن كان ثمن رفض الإعلان تسديد شرط جزائي؛ وقارنوا بين مواقفهم ومواقف آخرين من النجوم والفنانين الناشئين، أمثال مغني الراب أحمد علي المعروف بـ”ويجز”، الذي رفض المشاركة في الحملة الترويجية لشركة بيبسي كولا، كما قيل إنَّ الفنانة المصرية دنيا سمير غانم والفنان الجزائري المصري أحمد مكي أيضا رفضا الإعلان، تضامناً مع الشعب الفلسطيني ورفضاً للمجازر التي يتعرض لها سكان غزة جرَّاء الحرب الإسرائيلية، سيما وأنَّ شركة بيبسي كولا أعلنت دعمها الصريح للاحتلال.

ولم يتوقف حراك الجماهير عند حظر المشاركين بالحملة الترويجية لبيبسي كولا، بل أطلق الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي دعاية مضادة رداً على حملة “خليك عطشان” بعبارة “خليك خسران”، في إشارة إلى فعالية المقاطعة، إذ يُعتَقد أنَّ الخسائر التي تكبدتها الشركات التي تقع على قائمة المقاطعة هي الأضخم، وهو ما دفع شركة بيبسيكو للقيام بهذه الحملة الترويجية.

وقبل الخاتمة لنا كلمة هنا لمن يزعم أن مقاطعة الشركات والمنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي لا جدوى منها، أو أنَّ حملات المقاطعة لم تؤتِ ثمارها، أو أنها لم تؤثر على اقتصاديات تلك الدول الداعمة لحرب الإبادة الجماعية في غزة.. ألا إنَّ الواقع يؤكد عكس ذلك، فشبح المقاطعة لا يزال يطارد المنتجات الداعمة لإسرائيل، والنتائج المالية تكشف حجم الخسائر التي تكبدتها ولا تزال تتكبدها بسبب المقاطعة.

فبالاستناد إلى وكالة رويترز، والتي نقلت عن مكاتب ماكدونالدز الرئيسية – إحدى الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي-  فإن مبيعات أفرع الشركة في مصر انخفضت بنسبة 70% منذ بدء الحرب على غزة، وفي ماليزيا أيضا انخفضت المبيعات إلى 20% ،وفي منطقة الخليج دفعت الاستجابة لحملة مقاطعة إسرائيل في الكويت وقطر وعمان ماكدونالدز إلى إصدار بيان، ينفي دعم سلسلة المطاعم الشهيرة أي طرف من أطراف الصراع الدائر حاليا.

كما أن الخسائر طالت أيضا شركة ستاربكس الداعمة كذلك للاحتلال، حيث تكبدت أسهمها سلسلة من الخسائر، ويخاف مستثمروها من تزايد حدة التراجع التي أصابت مبيعات شركة القهوة العملاقة، والتي تمتلك أكثر من 35 ألف فرع حول العالم في 86 دولة، من بينها تسعة آلاف فرع في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وخلال 20 يوما تلاشى نحو عُشر القيمة السوقية للشركة (ما يعادل 12 مليار دولار تقريبا).. كما كشف بيان عن خسارة شركة بيبسي 650 مليون دولار، حيث كشفت في تقريرها السنوي وبياناتها المالية عن تراجع أرباحها خلال العام المنصرم، عازية الأمر إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والظروف السياسية في الربع الأخير من العام 2023، دون الإشارة صراحة إلى المقاطعة.

ختاما..

إن المسؤول عن تخلّيد العظماء ليس الرصيد البنكي، وإنما هو الرصيد الأخلاقي، ولعلنا في هذا المقام نستحضر قول الشاعر أحمد شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت   فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    صدقتي يا أستاذه هديل وبورك قلمك

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...