دولة الوهم.. ووهم الدولة!

بواسطة | فبراير 11, 2024

بواسطة | فبراير 11, 2024

دولة الوهم.. ووهم الدولة!

تتناول المقالة تحليلًا نقديًا للوضع الفلسطيني الراهن، حيث يثير الحديث المتكرر عن إقامة دولة فلسطينية تساؤلات حول مدى قرب تحقيق هذا الحلم.
حيث يتم تسليط الضوء على دور السلطة الفلسطينية وتحالفها المحتمل مع إسرائيل، ومناقشة تداعيات ذلك على المقاومة ومستقبل الصراع.

الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح – بين الرؤية والواقع

لست متفائلاً بالحديث عن الدولة الفلسطينية، الذي تكرر في الأيام الأخيرة، مع قناعتي أنه وإن كانت تشكل للبعض حلما، فإنه ليس قريب المنال!

فقد تم تلخيص كل قضية الشعب الفلسطيني في إقامة دولة، يرى البعض أن تكون على حدود سنة 1967، بينما يرى من يتحدثون عنها أن تكون دولة على أي حدود، ولو كمفحص قطاة، فالمهم أن تكون دولة لها علم ونشيد! وقد سبق الجميع صوت من القاهرة يتحدث عن دولة منزوعة السلاح، وكأن الأمر كان نقاشا إقليميا ودوليا، وأراد كعادته أن يسبق الجميع بهذا المطلب، حتى إذا حدث هذا، يكون التقديم للداخل أن العالم استجاب له.. فماذا بقي من معالم الدولة الحديثة، إذا كانت منزوعة السلاح بينما الجارة بالجنب تملك أسلحة دمار شامل، لا تبقي ولا تذر؟ وكأن الدولة في حد ذاتها صارت “أملة”!.

لقد بات من الواضح أن العالم – بما في ذلك الإقليم- صار مشغولاً بما ستكون عليه الأوضاع في غزة بعد أن تلقي الحرب أوزارها، ليتم تكريم الكيان الإسرائيلي بالمفاوضات، بما لم يحصل عليه بحرب الإبادة، رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على الاجتياح الإسرائيلي لغزة، التي مني فيها بهزائم على كافة المسارات، على نحو أضر بسمعة الجيش الإسرائيلي، الذي فشل حتى الآن في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، بما في ذلك الهدف الأدنى وهو القبض على قادة المقاومة، السنوار وغيره!

دور السلطة:

وقد بدأ الحديث عن عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، لتمارس ما تمارسه حيث وجدت، وهو دور “عسكري درك“، وتشكل امتداداً للشرطة الإسرائيلية، فتقمع المظاهرات التي خرجت تندد بالعدوان الإسرائيلي على البشر والحجر، والأطفال والنساء، والمستشفيات والبيوت! والتفكير الدولي والإقليمي ينصب على ضرورة عودة هذه السلطة إلى قطاع غزة، لكي تتولى قوات محمود عباس ورفاقه مواجهة المقاومة، وهو الدور نفسه الذي كان يقوم به الأمن الوقائي بقيادة محمد دحلان، قبل أن تنهي المقاومة – وبعد طول صبر- هذه العمالة، وهذه “المعادلة الغلط!”.

ويبدو أن المسرح مهيّأ الآن لإعادة السيناريو ذاته، وقد فشلت إسرائيل في الانتصار، فصار المطلوب إذاً أن تُكلَّف السلطة الفلسطينية بهذه “المقاولة“، وهي جاهزة تماماً لذلك، ومع كل إعلان تبدي جاهزيتها، وكأن المطلوب هو مكافأتها على وضعٍ حققته المقاومة ولم تكن هي طرفاً فيه، بل كانت أقرب إلى الطرف المعتدي من حبل الوريد!

السلطة غادرت القطاع تماشياً مع مخطط دولي، عاقب الشعب هناك على اختياره الحر في انتخابات نزيهة فاجأت نتيجتها الجميع، ورفضت تلك السلطة المشاركة في الحكم لتُحرج حركة حماس صاحبة الأغلبية، فتجعل ظهرها للحائط في مواجهة عالم منافق ينادي بالديمقراطية، لكنه يبحث عن ديمقراطية شكلية تحقق أهدافه، ويريد لغيره التبعية لا الاستقلال الوطني!

تآمرت السلطة على غزة وشعبها وتركتها محاصرة، وهي الآن تعلن جاهزيتها لاستلام الحكم، على غير القواعد المعمول بها من أن الحكم في المناطق المحتلة يؤول لمن واجه الاحتلال، وليس للجماعات الوظيفية التي تعمل في خدمة المستعمر، لتكون منشاراً يأكل وهو (طالع ونازل)، وقد عطل (أبو مازن) المصالحة الفلسطينية رغم التنازلات التي قدمت من الأطراف الأخرى، لأن الغرب لم يكن متحمساً لها، وهو يضبط مؤشره على إيقاع واشنطن وتل أبيب! والآن، ولأن واشنطن بالذات تريد “عسكري درك”، فهو جاهز لاستلام السلطة!

دغدغة العواطف الجياشة:

فالمطلوب عسكري درك، فإن لم تؤدِّ عودة عباس إلى القطاع الأغراض، فلابد من دغدغة المشاعر بالكلام عن الدولة الفلسطينية، لتؤدي المهمة نفسها؛ وكأن الأنفس التي أزهقت، والبنية التحتية التي نسفت، والتجويع الذي جرى، والإجرام الذي ارتكبه الجيش الإسرائيلي.. كأن ذلك ثمنه دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة أيضاً لضمان أمن إسرائيل بضعفها، والقيام بتحقيق ما فشل الجيش الذي لا يقهر (سابقاً) في تحقيقه، فأي عبث هذا؟!

الذين يدغدغون المشاعر الجياشة بفكرة الدولة، كان ينبغي عليهم أن يوقنوا أن الدولة الوطنية وفق النماذج التي نشاهدها بعد حقبة الاستعمار المباشر ليست هدفاً، وكأن الثمن المدفوع من لحم الحي، وملايين الشهداء الذين قدمتهم أوطاننا في معركة التحرر الوطني، اشترينا به ديكتاتوريات فاسدة، لتمثل امتداداً للاستعمار في تحقيقه لأهدافه، لكنه استعمار رخيص الثمن، فلا يلقي لمستعمراته السابقة سوى الفتات، الذي يذهب للعروش والكروش، لتبقى الشعوب تعاني الضنك، وقد صارت مكبلة بموانع أخلاقية إذ تغدو في مواجهة حكومات من أبناء الشعب، وليس محتلاً أجنبياً تجب مواجهته!

ما هي القيمة الدفترية للدولة الفلسطينية، إذا كان الحاكم هو محمود عباس وجماعته، الذين لا يمانعون في العودة إلى غزة عبر الدبابات الأمريكية مقابل فتات يلقى للشعب، لتتم تصفية القضية الفلسطينية تماماً من خلال القوة الفلسطينية الممولة من الغرب، وعودة الأمن الوقائي بإجرامه وبقمعه للمقاومة، ربما ليفخر ذات يوم بما فخر به المتحدث من القاهرة، من أنهم دمروا الأنفاق، وهدموا المنازل الحدودية، لضمان أمن المواطن الإسرائيلي!

ثمن انتصار المقاومة في عمليتي طوفان الأقصى والحرب على غزة، ينبغي أن يكون بفتح الحدود بدون قيد أو شرط، وإخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان الإسرائيلي، وإعادة إعمار غزة وأن يشارك العالم الغربي في ذلك كما شارك في التدمير.. ثم يأتي الحديث عن الدولة، وحدودها، وشرط استقلالها، بأن تحكم حكماً رشيداً، وتكون السيادة فيها للشعب الفلسطيني، وليس لقادة دولة الاحتلال!

إن السكوت على مخطط تصفية المقاومة بحديث عن الدولة الفلسطينية، أو بعودة محمود عباس للقطاع، هو خيانة تُضاف إلى الخيانات الكثيرة في تاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة.

لا يجوز أن يكون الثمن هو تكريم محمود عباس وجماعته!

1 تعليق

  1. عادل ربيع

    “ليفخر ذات يوم بما فخر به المتحدث من القاهرة، من أنهم دمروا الأنفاق، وهدموا المنازل الحدودية، لضمان أمن المواطن الإسرائيلي!”
    مغالطة من الكاتب المعروف بتوجهاته،
    هدم الأنفاق و إخلاء الحدود بعمق ٥كم، داخل الأراضي المصرية كان لحماية أمن مصر وأهلها من هجمات إرهابية. تأتي من غزة، بإيعاز من جماعات تدعي الإسلاميه، بتوجيه من خونة هاربين بالخارج مثل كاتب المقال، وخيوطهم جميعاً في أيدي مخابرات بريطانيا الصغرى

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...