دون مدونة.. وجرد من “العلامة الزرقاء”.. ما لنا وللعلمانية؟!

بواسطة | أبريل 23, 2023

بواسطة | أبريل 23, 2023

دون مدونة.. وجرد من “العلامة الزرقاء”.. ما لنا وللعلمانية؟!

لا شيء عندي أصعب من الكتابة لمنبر لأول مرة، وذلك رغم أن كتابتي لمقالات الرأي طالت عمري الصحفي إلا قليلا؛ وسوف أحتفل في يونيو المقبل بمشيئة الله تعالى بمرور 36 عاما على عملي في بلاط صاحبة الجلالة، وقد كتبت المقال الأسبوعي، والزاوية اليومية، وتجاوزنا -بحكم الممارسة- مصاعب الولادة المتعسرة عند الكتابة!
فقد جرت العادة، أنني أحدد الموضوع، وربما نقطة الانطلاق، ومدة التفكير في فكرة المقال هي المدة ذاتها الذي أقضيها في كتابته؛ إذ تتدفق الأفكار وتتزاحم في لحظة الكتابة. بيد أن الأمر اختلف عندما تلقيت دعوة كريمة للكتابة لهذا المنبر الجديد، الذي تبشر بدايته بنجاحه، وظللت أفكر في الأمر ليومين كاملين، لأنني هنا أعتبر نفسي ضيفا على قارئ ربما لا يعرفني، ومن يعرفني قد لا يشغله موضوع المقال، فلا يجد على النار هدى، ويصاب بخيبة أمل!

الكتابة الحرة كانت قصيرة العمر، فبعد تزاحم القادمين من الخلف على عالم الكتابة، اكتشفنا أن هذا الزحام لا أحد. فبدأ تعريف هذه الكتابة المرتبطة بالتدوين بـ “الكتابة الذاتية”، أي أن ذات الكاتب حاضرة في الموضوع، وهو أمر ليس اكتشافا، فالصحافة الورقية عرفت هذا اللون من الكتابة

التدوين وأيامه
فكرت في الكتابة عن “التدوين” وإشكالياته، ومنصتنا هذه متخصصة في “التدوين”. و”المدونات” بدأت كما لو كانت اكتشافا توصلت إليه البشرية، مع بداية الحديث عن الكتابة الحرة، التي لا تتقيد بضوابط الكتابة؛ وبدا الأمر كما لو كان إفلات من لا يجيدون الكتابة إلى فكرة الكُتَّاب الجدد والكتابة الحرة، على وزن الشعر الحر. وإذ وجد الأخير أسماء لامعة تنتجه تجاوزت حركة النقد الأدبي هجومها عليه باعتباره ليس شعرا؛ فقد اضطروا في مخمصة نهاية الأمر، وتم الاعتراف به، بعد أن فرض نفسه بقوة هذه الأسماء!
لكن الكتابة الحرة كانت قصيرة العمر، فبعد تزاحم القادمين من الخلف على عالم الكتابة، اكتشفنا أن هذا الزحام لا أحد. فبدأ تعريف هذه الكتابة المرتبطة بالتدوين بـ “الكتابة الذاتية”، أي أن ذات الكاتب حاضرة في الموضوع، وهو أمر ليس اكتشافا، فالصحافة الورقية عرفت هذا اللون من الكتابة، ومارسه كتاب محترفون، وبعض الصحف مثل “الأخبار” المصرية، وبعض الصحف الحزبية، جعلت من الصفحة الأخيرة، أو جزءا منها، موقعا لما سمي بـ “اليوميات”!
ومع الكُتاب الجدد، عرفنا كاتب المقال الواحد؛ فإنك قد ترى مقالا مبشرا، ثم يبدو كاتبه كما لو أنه أصيب بالعقم من جراء الحسد، فلم يعد مبشرا، وإنما يبدو ما كتب كأنه “مقال العمر”، والابن الوحيد!
في البدايات قرأت “مدونة” لواحدة من هؤلاء، وعنوانها تقريبا “عايزة أتزوج”، إن لم يختلط في ذهني بعنوان مسلسل فكاهي يحمل هذا الاسم؛ وكتبت صاحبة المدونة كيف أنها لا تعترف بعمرها، فتتردد في ذلك؛ وبدا ترددها على الورق مثيرا، قبل أن تعترف بعمرها الحقيقي. ثم قرأت لها بعد ذلك، لكن ليس في مستوى هذه المدونة، واعتزلت -تقريبا- والتحقت بالسلك الأكاديمي، وحسنا فعلت، فلم يعد لديها ما تقدمه.
وبعد الضجة والتهليل للقادم الذي سيطرد التقليدي، وينهي الكتاب المحترفين، الذين تجاوزهم الزمن، وتمضمض عليهم واستنشق، انتهت “المدونات” إلى مقالات، بعضها جاء عبوسا قمطريرا يصلح للنشر في المجلات المحكمة، ولا يصلح لاطلاع العامة عليه، وذلك بدلاً من تطوير حركة التدوين باعتماد الفكرة، وإسنادها للكتاب المحترفين؛ بيد أنه لا بأس، فقد صار المعتمد ليس الفكرة القديمة، ولكن عدم التضييق واسعاً، من حيث كون التدوين، من دون، بمعنى كتب. واعتبر القراء النابهون أن المدونات مساحة مقتطعة من الوسيلة الإعلامية، فدخلوا منها للكتابة في التحليل السياسي، فمدونة هذه أم مقال؟!. لا بأس إن أصبحت المدونة مقالا!

نحن أمام أمية مطاعة، فلا يمكن لأحدهم أن يقدم فكرة متماسكة، لكنهم يعيشون على مقولات الإسلاميين وشيوخهم

العلمانية معركة استنزاف المسلمين
وفكرت في الكتابة عن “العلمانية” في معركة الاستنزاف التي يخوضها المسلمون، والأصل أنها معركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لكن الجهل بها دفع البعض للتسلل من هذا الباب ليخوض معارك طواحين الهواء ضد من يحسبون كل صيحة عليهم، مع أن هذه الصيحة لا تخصنا كمسلمين، فالنشأة الأوروبية للعلمانية كانت ضد الكنيسة؛ لكننا انطلقنا نوسع ضيقنا، بوضع تعريفات فضفاضة لها، ثم إخضاعها للتطبيق، بدلاً من رد هذا التطبيق إلى النظرية، ومن ثم جاءت تعريفات الراحل عبد الوهاب المسيري، عن العلمانية الجزئية، والعلمانية الكلية… إلخ. والشيطان يكمن في التفاصيل!
وقد ابتعدت الكنيسة عن الموضوع، وكأنه لا يخصها، في وقت عرفنا فيه مجموعة من المتسولين على موائد الإسلاميين، يصنفون أنفسهم علمانيين أو ليبراليين، ويجدون من يعتمد هذا التصنيف في الجبهة المقابلة، ومن ثم يكون هذا الطريق للشهرة، من بصمجي لا يفك الخط إلى المفكر العلماني الكبير!
ونحن أمام أمية مطاعة، فلا يمكن لأحدهم أن يقدم فكرة متماسكة، لكنهم يعيشون على مقولات الإسلاميين وشيوخهم، فلسنا أمام فؤاد زكريا مثلاً، لكنها الثعالب الصغيرة التي أفسدت حقول الكروم!
لا يجرؤ أحدهم على الهجوم على قس أو مقولات رجل دين مسيحي، لكنه يتجرأ على الشعراوي، وكشك، وغيرهما؛ ويحرفون الكلم عن مواضعه، ليسهل عليهم التمكن من الفريسة؛ يساعدهم على ذلك متحمسون ضدهم فيعملون على الترويج لهم، وهو ما يسعون إليه، فشكرا لحسن تعاونهم!
أحدهم يعمل طبيبا، ويهاجم جهل المسلمين الذين  لم يسهموا في الحضارة الحديثة، في حين لم يذكر هو إسهاماته، ولم يسمع أحد عن إنجازاته في مجال تخصصه؛ فليس من الأطباء الكبار، الذين يشار إليهم بالبنان، لكنه يُعد المثل الحي على الكفاح الفاشل. وهو يترك مجال عمله، ويجلس على منصات التواصل للساقطة واللاقطة، ليتحرش بأصحابها وبالمسلمين الذين انشغلوا بتوافه الأمور، ولم يقدموا شيئا للبشرية!
والعلمانية بكل تفاصيلها لا تخصنا في شيء، لكن فيمن يعيشون بين ظهرانينا أناس يسري عليهم المثل المصري “قاعدة ومرتاحة وجابت لنفسها رداحة”!
“الرداحة” من الردح؛ فإن اختلط عليك الأمر، فانظر إلى أداء “عبلة كامل” في فيلم “خالتي فرنسا”؛ فما تفعله هو الردح على أصوله. ويقال المثل في وصف حالة من اقترحت على بعلها أن يتزوج بأخرى، فنكدت عليها حياتها، وجعلتها هدفا لها، كما يُقال في من جلبت من تكون لها جارة، فعاملتها معاملة زوجة الأب!
ما لنا نحن وللعلمانية؟

“تويتر” كان الأفضل في ذلك، لأنه لم يمارس “كيد النساء” كما فعل مارك على “فيس بوك”، الذي وصل به الانحياز لإسرائيل، أن قيد صفحتي، فقط لأني كتبت عزاء لخالد مشعل في وفاة والدته، فاعتبر هذا خروجاً على قواعد النشر لديهم، وهي قواعد مائعة ومنحازة

التجريد من العلامة الزرقاء
وفكرت في الكتابة عن العلامة الزرقاء في تويتر، وقد روع المالك الجديد لهذه المنصة من تمكنوا من الحصول عليها، بأن جردهم منها!
وكنت قد قمت بمحاولة واحدة للحصول عليها، وأرسلت لهم كل وثائق التعريف بي، وبشخصي الكريم، فتلقيت رسالة من الإدارة الحكيمة تفيد عدم توثيقهم للحساب، لأن المعلومات غير كافية؛ ولا أعرف ما هي المعلومات الكافية، فلم يبق لي إلا أن أرسل لهم مقاس حذائي، ولا مؤاخذة!
أما أنها إدارة حكيمة، فلأنها لو منحتني العلامة الزرقاء، ثم تم تجريدي منها الآن، فأكيد أنني كنت سأحزن في هذا المأتم المنصوب بسبب التجريد من العلامة إياها، وإن كان الحزن في اللمة فرح، كما يقولون، إذا عرفنا أن التجريد طال رؤساء ووجهاء وأعيانا، ليضاف فرع جديد في عالم التجريد؛ فبعد التجريد من السلاح، والتجريد من الرتبة العسكرية أو الكهنوتية، والتجريد من الملابس، توصل المالك الجديد لـ “تويتر” للتجريد من العلامة الزرقاء!
وهذا الفعل هو إشارة إلى ما هو قادم، فبعد مرحلة الترويج والتعلق بالمنصات، سندخل في مرحلة الدفع مقابل الخدمة، فلا شيء سيكون مجانا، لنكون أمام تضييق من نوع آخر، وذلك بعد مرحلة التضييق على الأفكار!
و”تويتر” كان الأفضل في ذلك، لأنه لم يمارس “كيد النساء” كما فعل مارك على “فيس بوك”، الذي وصل به الانحياز لإسرائيل، أن قيد صفحتي، فقط لأني كتبت عزاء لخالد مشعل في وفاة والدته، فاعتبر هذا خروجاً على قواعد النشر لديهم، وهي قواعد مائعة ومنحازة؛ وقد جربت معه منشورا واحدا نشرته على صفحتي المعروفة، كما نشرته صفحة زميل عليها عشرات المتابعين فقط؛ فتعرضت أنا للعقوبة، بينما وصلتني رسالة بخصوص المنشور ذاته في صفحة الزميل ردا على بلاغي، بأنه ليس مخالفا لمعايير “فيس بوك”!
الأمر الذي يعني أنه يستهدف الأشخاص، والصفحات التي بها أعدادا كبيرة من المتابعين، وقد حاسبني على القديم والجديد، وعلى منشورات من أيام العدوان الإسرائيلي على غزة في سنة 2009. وبعد إغلاق مؤقت كان المحو الكامل للصفحة، فتحولت إلى أثر بعد عين، بما فيها من متابعين وأصدقاء، وبما فيها من أرشيف وتعليق على الأحداث!
وإذا عاشت الأمة عالة في مجال التكنولوجيا على عطاء الغرب، بعد تجارب عربية كانت مبشرة ومع هذا توقفت، فإن القادم هو الأسوأ.
لقد جردني مارك من صفحتي القديمة على “فيس بوك”، وأفلت بأعجوبة من تجريدي من العلامة الزرقاء، لأنني لم أحصل عليها.
تعدم أمك يا مارك.. تعدم أمك يا إيلون. بصوت عبلة كامل في “خالتي فرنسا”، وغيره من أعمال شاركت فيها.
عموما، لقد فكرت وفكرت، ثم قررت أن يكون مقالي الأول، هو “طبق كشري”، فمن لا يرق له الأرز، ستعجبه الشعرية، ومن لم يعجبه أي منهما ففي “التقلية” ضالته!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...