دين يحتضن العلم

بواسطة | نوفمبر 26, 2023

بواسطة | نوفمبر 26, 2023

دين يحتضن العلم

تجسد قصص اعتناق الإسلام في أمريكا تأثير قراءة القرآن على نفسية الشبان والشابات، وكيف يسعى هؤلاء لفهم القضية الفلسطينية والتضامن معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يبرز تحولات دينية ذات أثر إيجابي في ظل الأزمات العالمية.

القرآن يتسلل إلى قلوب الشباب الأمريكي: قصص اعتناق الإسلام في ظل أزمة فلسطين

ما حدث في فلسطين منذ السابع من أكتوبر، شكَّل تغييرا كبيرا في وعي العالم الغربي تجاه القضية الفلسطينية، خاصة لدى الأجيال الجديدة التي اختلف وعيها عن وعي سابقيها، مع انتشار عالم السوشيال ميديا حيث عصر تدفق المعلومات، الذي منعته أدوات السلطة في العصور السابقة حتى وقت ليس بالبعيد؛ فحين تم الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الثمانينيات مُنعت الشرائط المصورة لفجاعة المأساة، وحتى لا تخرج الشعوب العربية وشعوب العالم في مظاهرات كما هو حاصل الآن، أتيح فقط ما هو مطلوب أن يتاح، أو ما يريده من لديهم المقدرة على الاطلاع. ومع الحادث الآن في غزة نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقا صحفيا يوم الأحد 19 نوفمبر/ تشرين الأول 2023 عنونته بـ”Young Americans are picking up the Qur’an ‘to understand the resilience of Muslim Palestinians’”  أي (الشباب الأمريكي يلتقطون القرآن لفهم صمود الفلسطينيين المسلمين).
التحقيق الصحفي نشره الشادوف، عبر ترجمة احترافية قام بها الكاتب الصحافي الأستاذ أحمد حسن الشرقاوي، وقد آثرت أن أعرض جزءًا من هذا التحقيق -حسب مساحة المقال- ليدرك الشعب الفلسطيني ما وصلت إليه قضيته لدى أجيال من الشعب الأمريكي، ربما لم تسمع بفلسطين:
“ميجان رايس تحب القراءة، لقد أنشأت ناديًا للروايات الرومانسية على منصة المراسلة الفوريةDiscord ، وتنشر مراجعات للكتب على منصة تيك توك (TikTok).. في الشهر الماضي استخدمت رايس، البالغة من العمر 34 عامًا وتعيش في شيكاغو بولاية ألينوي، حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث علنًا عن الأزمة الإنسانية في غزة. وقالت في مقابلة: “أردت أن أتحدث عن إيمان الشعب الفلسطيني، وحقيقة أنه إيمان قوي جدًا، وأن الناس ما زالوا يجدون مجالًا لجعل شكر الله أولوية في حياتهم، حتى عندما يتم أخذ كل شيء منهم”.
اقترح البعض أنه قد يكون من المهم قراءة القرآن، النص الديني المركزي للإسلام، لمزيد من فهم السياق المتعلق بالعقيدة؛ لذا قامت رايس، التي لم تنشأ متدينة، بتنظيم “نادي الكتاب الديني العالمي” على موقعDiscord ، حيث يستطيع الناس من جميع الخلفيات دراسة القرآن مثلها.
كلما قرأتْ رايس أكثر، وجدتْ محتويات النص متوافقة مع نظام معتقداتها الأساسي، وجدت أن القرآن مناهض للاستهلاك، ومناهض للقمع، ومناصر للنسوية.. وفي غضون شهر، نطقت رايس بالشهادتين، وهي الشرط الرسمي الضروري لاعتناق الإسلام، واشترت حجابًا لترتديه، وأصبحت مسلمة.
رايس ليست وحدها التي ترغب في تجربة القرآن.. على منصة تيك توكTikTok ، يقرأ الشباب النص للوصول إلى فهم أفضل للدين الذي طالما شوهته وسائل الإعلام الغربية، ولإظهار التضامن مع العديد من المسلمين في غزة؛ ومقاطع الفيديو المنشورة تحت هاشتاج “quranbookclub” –  الذي حصل على 1.9 مليون مشاهدة على التطبيق، تُظهر المستخدمين وهم يرفعون النصوص التي اشتروها حديثًا ويقرؤون الآيات لأول مرة. ويجد آخرون نسخًا مجانية عبر الإنترنت، أو يستمعون إلى شخص ما يتلو آيات القرآن أثناء القيادة إلى مقر عمله.
ليس كل من يقرأ القرآن على تيك توك من النساء، لكن الاهتمام يتداخل مع مساحةBookTok ، وهو مجتمع فرعي يجتمع فيه معظم المستخدمين من النساء لمناقشة الكتب.
زارينا جريوال هي أستاذة مشاركة في جامعة ييل، وتعمل على تأليف كتاب عن الكتاب المقدس الإسلامي والتسامح الديني في الثقافة الأمريكية؛ وقد قالت إن هذا الاهتمام بـ TikTok لم يكن غير مسبوق على الإطلاق، فبعد أحداث 11 سبتمبر، أصبح القرآن الكريم من أكثر الكتب مبيعًا على الفور، على الرغم من أن العديد من الأمريكيين اشتروه في ذلك الوقت لتأكيد تحيزاتهم حول كون الإسلام دينًا عنيفًا بطبيعته؛ وهذا ما جعل نفرتاري مون، البالغة من العمر 35 عامًا من مدينة تامبا بولاية فلوريدا الأميركية تلتقط القرآن الكريم من زوجها.. اعتبرت مون نفسها روحية وليست متدينة، ووصفت زوجها بأنه مسلم غير ملتزم، وقالت: “أردت أن أرى ما الذي يجعل الناس يدعون الله عندما يجدون الموت أمام وجوههم” وقالت: “رؤية المقطع تلو الآخر كان لها صدى عندي، لقد بدأت أشعر بهذا الارتباط العاطفي بها”.. ولهذا السبب، قررت مون أيضًا نطق الشهادتين، لتصبح مسلمة متحولةMuslim Converter ، وهو (مصطلح يفضله بعض المسلمين للانضمام إلى الدين). وقالت: “لا أستطيع أن أشرح ذلك، ولكن هناك سلامًا يأتي مع قراءة القرآن” ومما قالته أيضًا: “أشعر بالخفة، وكأنني عدت إلى شيء كان موجودًا دائمًا وينتظر عودتي.”
ميشا يوسف، كاتبة أمريكية باكستانية ومضيفة بودكاست، تدرس التفسيرات التقدمية للقرآن، أقامت سلسلة خاصة بها لنادي القرآن للكتاب على إنستغرام منذ عام 2020. وتقول إن بعض الموضوعات في النص تتوافق مع قيم الشباب اليساريين الأميركيين. قالت ميشا: “القرآن مليء باستعارات الطبيعة، ويشجعك على أن تكون من دعاة حماية البيئة”، وقالت: “يحتوي القرآن أيضًا على هذا الموقف المناهض للاستهلاك، بمعنى أننا جميعًا وكلاء على الأرض، ولا ينبغي لنا أن نقيم علاقة استغلالية مع العالم أو إخواننا من البشر.”
في القرآن، الرجال والنساء متساوون في نظر الله، وتقول رايس وغيرها من معتنقي تيك توك إن تفسيراتهم للنص تدعم مبادئهم النسوية، كما أنه يتعامل مع التفسيرات العلمية للخلق، مع وجود آيات في القرآن الكريم تتصل بفكرة الانفجار الكبير ونظريات أخرى. وقالت رايس: ” نحن معتادون على قيام المجتمع الديني بمحاربة العلم… الآن أرى دينًا يحتضن العلم ويستخدم نصوصه المقدسة لدعمه.”
كانت سيلفيا تشان مالك في مرحلة الدراسات العليا بعد أحداث 11 سبتمبر من العام 2001، وسط تصاعد جرائم الكراهية ضد المسلمين واللغة المعادية للأجانب المستخدمة في وسائل الإعلام.. قالت: “لقد كنت مهتمة جدًا بما كان يحدث، ومقارنته بتاريخ الأمريكيين مع اليابانيين بعد الهجوم على ميناء وقاعدة بيرل هاربور في الحرب العالمية الثانية”، وقالت: “لقد بدأت النظر في الأمر بمفردي، والتقيت بمسلمين حقيقيين، وقد شعرت بالذهول عندما قمت بواجبي المنزلي حول الإسلام”. وعلى طول الطريق، اعتنقت تشان مالك الإسلام؛ وهي الآن أستاذة مشاركة في جامعة روتجرز، وتركز أبحاثها على تاريخ الإسلام والإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة.
جريوال، الأستاذة بجامعة ييل، قالت إن الناس غالبًا ما يبدؤون في قراءة النصوص على أمل دعم وجهة نظرهم العالمية التي لديهم بالفعل؛ وقالت: “مثلما يبحث العنصريون عن أبيات شعر تؤكد تحيزاتهم العنصرية، فإن اليساريين يتطلعون إلى هذا الكتاب لتأكيد الرسائل التقدمية”. وتتابع “كل كتاب مقدس معقد ويدعو إلى قراءات متعددة”، ويأتي مستخدمو TikTokers إلى النص بحثًا عما يأملون في العثور عليه.
قالت رايس إنها نشأت في ظل أحداث 11 سبتمبر، ورفضت الإسلاموفوبيا والتمييز الذي جعل الأمريكيين المسلمين هدفًا لهم، وقالت: “باعتباري امرأة سوداء، اعتدت على قيام الحكومة الأمريكية بنشر الصور النمطية الضارة، التي تؤدي إلى مفاهيم خاطئة لدى أشخاص خارج مجتمعي عني”.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...