ذكرى 11 سبتمبر.. وحدها الكراهية بقيت تلوح في أفق الحدث!

بواسطة | أكتوبر 5, 2023

بواسطة | أكتوبر 5, 2023

ذكرى 11 سبتمبر.. وحدها الكراهية بقيت تلوح في أفق الحدث!

في سياق حديث عام بيني وبين والدتها عن ذكرياتنا يوم تفجُّرِ برجي التجارة في نيويورك قبل ولادتها بأيام قليلة، طلبت مني الشابة، وهي معلمة لمادة التاريخ في إحدى مدارس الكويت الثانوية، أن أحكي لها عن هذا الحدث.
لم أستوعب لحظتها أن السنوات مرت بهذه السرعة، لدرجة أن تسألني معلمة تاريخ عن واقعة حدثت قبل ولادتها، وكنت أنا ووالدتها شاهدتان عليها عن بُعد.. قالت لي المعلمة أنها قرأت عن الحدث كثيرا، وخصوصا هذه الأيام، ولكن معظم ما قرأته كما يبدو لي يأتي في باب تفسيرها لنظرية المؤامرة؛ فوجدتني أستعيد الأحداث في ما يشبه التقييم السريع لكل ما جرى.
في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقعت سلسلة من الهجمات الإرهابية التي نُفِّذت باستخدام طائرات مدنية، على أهداف لها رمزيتها في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تم استهداف برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، ومبنى البنتاجون في واشنطن العاصمة، كما كانت هناك هجمات أخرى مُزمَع عليها، ولكن تم إحباطها بفضل بطولة ركاب طائرة الرحلة 93 التي تحطمت في حقل بولدير بولاية بنسلفانيا.
تبنى تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن، مسؤولية التخطيط والتنفيذ لهذه الهجمات؛ وقد تسببت الهجمات في خسائر بشرية هائلة، حيث قُتل أكثر من 3000 شخص وأصيب عديد آخرون، فضلاً عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمباني والبنية التحتية.
تأثير هذه الهجمات على العالم كان عميقًا ومتعدد الأوجه؛ فمن الناحية السياسية، أدت الهجمات إلى تغير كبير في السياسة العالمية والأمن الدولي، واستجابت الولايات المتحدة بإطلاق حرب على الإرهاب، وشنت عمليات عسكرية في أفغانستان والعراق، وتغيرت الأولويات الأمنية والقوانين في العديد من البلدان، وتعزز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. وظهرت في كل مكان تقريبا موجات من العنصرية والتحامل تجاه المسلمين والعرب، كانت غير مسبوقة في جرأتها وقوتها واتساع مجالها الجغرافي، واستُغلت الهجمات في تبرير ممارسات الاعتقال التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان في كثير من الدول، حتى تلك التي ليس لها علاقة مباشرة بما حدث. وفي الوقت نفسه، نشأت حركات سلمية تدعو إلى التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، وتعمل على محاربة التطرف والكراهية.
من الناحية الاقتصادية، نتج عن الحدث تبعات اقتصادية كبيرة، حيث تأثرت الأسواق المالية العالمية، فتراجعت الأسهم وتهاوت قيمة العملات؛ وتأثرت القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل الطيران والسياحة والتجارة العالمية، وتعرضت لخسائر كبيرة؛ كما تغيرت السياسات الاقتصادية والمالية للعديد من الدول، وتم تعزيز التدابير الأمنية في النظام الاقتصادي العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، طال التأثير الثقافة العالمية والتعايش الاجتماعي بشكل كبير بعد هجمات 11 سبتمبر، فزاد التوتر والانقسامات العرقية والدينية، وارتفعت مستويات الخوف وتحامل البشر بعضهم على بعض؛ وتغيرت الاتجاهات الثقافية والفنية، وظهرت قضايا جديدة تتعلق بحقوق الإنسان والحريات الفردية والمراقبة الحكومية.
مع مرور الوقت، تطورت نظريات عديدة بشأن المؤامرة المحيطة بالهجمات، تشكك في الرواية الرسمية وتدعي وجود تواطؤ أو تقصير من قبل الحكومة الأمريكية؛ وتتراوح هذه النظريات بين تأييد وجود معلومات مخفية أو تدليس للحقائق، وادعاءاتٍ أكثر تعقيدًا تشير إلى تورط حكومات وجهات خارجية في التخطيط للهجمات. ومع ذلك، فإن الرواية الرسمية التي يقدمها تقرير اللجنة الوطنية للهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة (9/11 Commission Report) تنهض على أدلة وشهود عيان وتحقيقات شاملة، وتشير إلى تورط تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن في تنفيذ الهجمات.
باختصار، الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 تركت أثرًا كبيرًا وعميقًا على العالم كله.. تغيرت السياسة، وتغير الاقتصاد والثقافة، وازداد التوتر والانقسامات. وبينما يستمر الجدل والنقاش حول هذه الهجمات، فإن الحقيقة الثابتة هي أن العالم قد تغير بشكل جذري بعد هذه اللحظة الفاصلة في التاريخ.
لم تستوعب معلمة التاريخ الشابة لهجة الأسى المرير، التي كنت ألخص فيها ما حدث جراء تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. قالت إن هذه المعلومات تعرفها جيدا من قراءاتها الصحفية، وإن ما حدث يبدو أمر عاديا وطبيعيا وربما لا يستدعي كل هذه الدراما، التي ما زال العالم يستدعيها كل عام استذكارا لما جرى ورصدا لما نتج عنه. قلت لها إن الحدث بالتأكيد فقد كثيرًا من سخونته تدريجيا على مر الأيام والسنوات، لكن آثاره التي غيرت وجه العالم يومها ما زالت تعمل للمزيد من التغيير، وهو ما يعضد أصحاب نظرية المؤامرة.
هل التغطية الإعلامية واسعة الضخامة للحدث يومها، وقبل ظهور صحافة الفرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على صعيد التوجيه العالمي للرأي العام، كان لها دور في توسيع رقعة القلق الذي عاشه الكوكب كله تقريبا طوال أكثر من عقدين من الزمن أعقبت الحدث؟ ينتج القلق الجمعي عادة جراء أحداث مأساوية واسعة النطاق، لكنها كانت المرة الأولى التي يتجاوز فيها حدث وقع في القارة البعيدة حدوده، ليكون عنوان الأيام والليالي التي عشناها كجيل باعتبارنا ضحية حقيقية، عبر سلسلة من تبعات الكراهية التي عانينا منها كعرب ومسلمين، وهذا كان يحدث للمرة الأولى ربما.
لكنني على يقين الآن أن مياه الزمن قادرة على جرف كل شيء مهما كان ضخما وعصيا.. كنت أنظر لسائلتي الشابة وهي تبحدث عن بعض المقالات أمامي لترد على فكرتي حول مأساوية الحدث، فتأكدت لحظتها أننا في الطريق دائما إلى التجاوز.. كل شيء يمكن أن ينتهي بعد أن يستغرق عمره الافتراضي، ولا يمكن تكرار مشاعر الأسى في لحظة جديدة من قبل آخرين.
كالعادة، كُتب الكثير في الشهر المنصرم (سبتمبر 2023) في ذكرى 11 سبتمبر، لكنني لم أجد في معظم ما قرأته مما كُتب جديدا، لا في التحليل ولا في التفسير ولا حتى في المعلومات.. الكراهية وحدها بقيت هي السياق الذي ترد فيه هذه الذكرى لتبرير ما يسمى بالإرهاب المضاد.. كما تريده السيدة أمريكا!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...