رحمة الله من أعظم نعمه.. ﴿ورحمتي وَسِعتْ كلَّ شيءٍ﴾

بواسطة | مايو 31, 2024

بواسطة | مايو 31, 2024

رحمة الله من أعظم نعمه.. ﴿ورحمتي وَسِعتْ كلَّ شيءٍ﴾

إن من أكبر نعم الله تعالى على عباده أنه خلقهم وشرّفهم بمنزلة العبودية له، وعرّفهم ذاتَه وصفاته العليّة، ومن أولها وأهمها صفة الرحمة، فكان أول ما عرّف الله تعالى عبادَه في نفسه أنه الرحمن الرحيم، وذلك في البسملة التي تكررت في أول كل سورة من سور القرآن الكريم، والتي وردت بنصها في قوله تعالى: ﴿إنَّه من سليمان وإنَّه بِسْم اللَّه الرَّحمَٰن الرَّحيم﴾ [ النمل: 30]، فهو عزوجل الرحيم بخلقه، وهو أرحم بهم من أنفسهم، فلا حدود لرحمته سبحانه، قال تعالى: ﴿ورحمتي وسعتْ كلَّ شيءٍ﴾ [الأعراف:156].

ولذلك توجه إليه جميع عباده بطلب الرحمة والمغفرة والإحسان والكرم، وخاطبوه بهذه الصفة، وناشدوه بهذا الاسم الفضيل الذي سمّى به نفسه، وأولهم الأنبياء؛ فدعا موسى عليه السلام ربه قائلاً: ﴿ربِّ اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرَّاحمين﴾ [الأعراف:151]، وأيوب عليه السلام استغاث ربه، فرفع إليه حاجته وسأله أن يرفع البلاء عنه، وبذلك أخبر ربُّنا: ﴿وأيُّوبَ إذ نادى ربَّه أنِّي مسَّني الضُّرُّ وأنت أرحم الرَّاحمين﴾ [الأنبياء:83]. فجاءت استجابة الرحمن الرحيم بما يليق بسعة رحمته وكرمه، قال تعالى: ﴿فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرٍّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين﴾ [الأنبياء:84].

ورحمته عز وجل وسعت كل شيء، فيعطي ويغدق على جميع خلقه، برّهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم، فما من أحد من خلق الله إلا ويتقلب في رحمة الله في الحياة الدنيا، قال سبحانه: ﴿كُلًّا نُّمدُّ هَٰؤلاء وهَٰؤلاء من عطاء ربِّك ۚ وما كان عطاء ربِّك محظورًا﴾ [سورة الإسراء: 20]، أما في الآخرة فرحمة الله تعالى خاصةٌ بالمؤمنين دون غيرهم، قال تعالى: ﴿ورحمتي وسعت كلَّ شيءٍ ۚ فسأكتبها للَّذين يتَّقون ويؤتون الزَّكاة والَّذين هم بآياتنا يؤمنون﴾ [الأعراف:156].

ولأنه سبحانه الرحمن الرحيم، فهو يتجاوز عن خطاياهم مهما كثرت، ويقبل توبتهم مهما تكررت، فأبواب مغفرته ورحمته مفتوحة دائماً للتائبين؛ قال الرحيم جل وعلا: ﴿قل يا عبادي الَّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إنَّ اللَّه يغفر الذُّنوب جميعًا إنَّه هو الغفور الرَّحيم﴾ [الزمر: 53]. وفي الحديث القدسي الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي، يا بن آدم! إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بى شيئًا؛ لأتيتك بقُرابها مغفرة” (الترمذي- 3540). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “قدِم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسبْيٍ، فإذا امرأة من السَّبي تسعى، إذ وجدت صبيًّا في السَّبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم: أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الله أرحم بعباده من المرأة بولدها” (متفق عليه).

ومن أولى وأعظم مظاهر رحمة الله تعالى أن أنعم عليهم بالإسلام، وهداهم إليه بإنزال القرآن الكريم على النبي الأمّي الأمين صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: ﴿الرَّحمن* علَّم القرآن* خلق الإنسان* علَّمه البيان﴾ [الرحمن: 1-4]. ولعظم صفة الرحمة في ذات الله عز وجل، ولأنه سبحانه رحمن رحيم، فقد وصف رسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بالرحمة المهداة للناس أجمعين، قال سبحانه: ﴿وما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالمين﴾ [الأنبياء: 107]. وقال أيضاً: ﴿لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ﴾ [التوبة: 128].

فعلى عباد الله أن يعلموا أن بابه تعالى مفتوح ليس عليه حاجب وليس دونه مانع، وكرمه واسع لا حدود له، فالسعيد من تاب وأناب إلى ربه في كل حين، وسأله المغفرة والرحمة، والشقي من غفل عن دعاء الله تعالى والإقبال عليه، فضيع عمره في الملذات والشهوات، وأكثر من المعاصي فاغترّ بنفسه واتبع هواه. وعلى المسلم أن لا يغتر بسعة رحمة الله، فيبارز اللهَ بالمعاصي دون خوف أو خشية، وإنما منهج المسلم التوازن بين الرجاء والخوف، فالمسلم يرجو رحمة الله بعد أن يؤدي ما عليه من الطاعات والعبادات، قال تعالى: ﴿وأطيعوا اللَّه والرَّسول لعلَّكم تُرحمون﴾ [آل عمران: 132].

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...