رفح… الصندوق الأسود
بقلم: هديل رشاد
| 19 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
مقالات منوعة
بقلم: هديل رشاد
| 19 فبراير, 2024
رفح… الصندوق الأسود
مع اندلاع الحرب في غزة، يجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح الفلسطينية بغرض التهجير القسري لسكان القطاع. بسبب أهميتها التاريخية والاستراتيجية ودورها الإنساني
تعاني رفح من هجمات مدمرة وحصار مستمر، مما يثير قلقًا دوليًا ويشير إلى استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح – التاريخ والتحديات
لماذا يعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى اجتياح مدينة رفح الفلسطينية اجتياحاً عسكرياً؟! لمن لا يعلم، فمدينة رفح الفلسطينية تعد من المدن التاريخية التي يعود تأسيسها إلى خمسة آلاف عام، وشهرتها تضاعفت بعد أن أصبح معبر رفح الحدودي هو المنفذ الوحيد لفلسطينيي القطاع نحو العالم الخارجي، هذا المنفذ الذي يقع تحت السيادة المصرية، إلا أنَّ إسرائيل وبسبب طول يدها ترفض إدخال المساعدات الإنسانية منه، وإن سمحت فبالنزر اليسير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
والآن، تتجه أنظار العالم إلى هذه المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 60 كيلو متراً مربعاً، وتُعدّ منذ ستة أيام محور اهتمام العالم بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل بدعم من الدول العظمى، بعد أن أجبرت سكان شمال ووسط قطاع غزة على النزوح إلى مناطق الجنوب، ليصبح عدد سكانها قرابة المليون ونصف مليون نسمة بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتقع مدينة رفح جنوبي قطاع غزة على الشريط الحدودي مع شبه جزيرة سيناء المصرية، وتعد أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية، وفيها معبر رفح، الوحيد الذي يعول عليه بشكل رئيسي طوال عقود في إدخال المساعدات للقطاع وإخراج المصابين لتلقي العلاج والسفر، ويصل عدد سكان المدينة الأصليين إلى حوالي 300 ألف نسمة، تعود أصولهم إلى مدينة خان يونس وإلى بدو صحراء النقب، وصحراء سيناء، ثم أُضيف إليهم اللاجئون الفلسطينيون الذين قدموا إليها من مختلف القرى والمدن بعد نكبة عام 1948. وتستضيف رفح حالياً أكثر من 1.4 مليون نازح فرّوا من مناطق متفرقة من غزة بسبب الحرب الإسرائيلية، ويعد معبر رفح هو السابع الذي يُحيط بغزة إلى جانب 6 معابر أخرى تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، كما أنه المخرج الوحيد الذي لا يؤدي إلى الأراضي الإسرائيلية، وتم تشييده بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، وخضع لسيطرة إسرائيل حتى نوفمبر 2005.
وتعد مدينة رفح من المدن التاريخية القديمة، وقد أسست قبل 5 آلاف عام، وغزاها الفراعنة، والآشوريون، والإغريق، والرومان؛ عُرفت بأسماء عدة، فسماها الفراعنة “روبيهوي”، وأطلق عليها الآشوريون اسم “رفيحو”، وأطلق عليها الرومان واليونان اسم “رافيا”، حتى سماها العرب “رفح”. وخضعت رفح عام 1917 للحكم البريطاني الذي فرض الانتداب على فلسطين، وفي 1948 دخل الجيش المصري رفح وتحولت السيطرة عليها إلى مصر، حتى وقعت في يد إسرائيل عام 1956، ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 واستمر ذلك حتى عام 1967 حين احتلها إسرائيل، وقد زاد من أهميتها التاريخية مرور خط السكك الحديدية الواصل بين القاهرة وحيفا في أراضيها، وتم تدمير هذا الخط بعد عام 1967.. قُسمت إلى شطرين بالأسلاك الحدودية الشائكة بعد اتفاقية كامب ديفيد، حيث استعادت مصر سيناء، وإثر ذلك انفصلت رفح سيناء عن رفح غزة، وبلغت مساحة الشطر الواقع في قطاع غزة 3 أضعاف مساحة الشطر المصري تقريبا.
يطلق الفلسطينيون على رفح “قلعة الجنوب”، وتسميها المقاومة الفلسطينية بـ”الصندوق الأسود”، وأطلقوا عليها هذا الاسم منذ 2014 في مهرجان أقامته كتائب عز الدين القسام في رفح، كناية عن أنَّ رفح أخفت الكثير من الأسرار في معركة العصف المأكول، لما شهدته من عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي شملت أسر وقتل جنود، وكانت دوماً علامة فارقة في الصراع.. شهدت عام 2005 قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة عدداً من العمليات العسكرية النوعية للفصائل الفلسطينية، أُسِر في حدودها الشرقية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، وكذلك أيضاً تم أسر الجندي الإسرائيلي هدار غولدن شرقي رفح، ولا تزال تشهد خلال الحرب الحالية قصفا عنيفا مكثفاً.
وفق تقارير فلسطينية، تُعدّ رفح الملاذ الأخير لمئات الآلاف من الأسر النازحة، حيث تركّز هؤلاء في الجزء الغربي من المدينة، وتعاني المدينة على المستوى الصحي، فبحسب الأمم المتحدة التي حذرت من وضع كارثي في رفح حال اجتياحها من قبل إسرائيل، فإنه لا يوجد في المدينة إلا عدد قليل من المستشفيات، أبرزها: مستشفى رفح المركزي، ومستشفى الكويت التخصصي، ومستشفى الشهيد أبو يوسف النجار، وجميعها تعاني نقص الإمدادات الطبية، وغياب الكهرباء ومصادر الطاقة، ما يؤثر على قدرة الأطباء والفرق الصحية في توفير العلاج، ومراعاة المرضى، ولم تستجب إسرائيل لأي نداء حقوقي لتحييد المدنيين والمرافق الصحية والتعليمية من هجماتها المتوالية على قطاع غزة الذي لم يعد فيه مكان آمن.
خـتاماً..
ما تقوم به إسرائيل منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، ما هو إلا لتنفيذ مخططها في تهجير سكان قطاع غزة، الذين فروا من مناطق الشمال والوسط إلى الجنوب، بهدف محاصرتهم في منطقة واحدة، مع تدمير البنى التحتية والقضاء على أدنى مقومات الحياة، ليتم بالتالي تهجيرهم قسرا عن أراضيهم باتجاه الأراضي المصرية، الأمر الذي وإن لم تعلق عليه مصر علانية، فإنها ترى فيه تصفية للقضة الفلسطينية.. وإلى هذه اللحظة يكتب التاريخ بأحرف من نور بطولات الشعب الفلسطيني، الذي يواجه وحده المارد منذ خمسة أشهر رغم الإبادة التي يتعرض لها، في ظل صمت مطبق من العالم ومؤسساته الحقوقية، رافضاً خطط التهجير الإسرائيلية، لاسيما وأنَّ التاريخ شاهد على أن الفلسطينيين الذين هُجِّروا ونزحوا منذ النكبة متشتتون في دول العالم، ولايزال كثيرون منهم يعيشون في مخيمات اللجوء.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر للتعامل مع زوجة أبيه، ولن يعرف قيمة الدكتورة فوزية عبد الستار، إلا من يجد نفسه مضطراً للاشتباك مع إبراهيم الهنيدي. الأولى كانت رئيسة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب المصري حتى برلمان 1995، والثاني هو رئيس اللجنة...
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
بورك قلمك أستاذه هديل ..كالعاده مقال قيم جدا