رمضان.. بين ازدواجية العرب و”الغرب الكافر”!

بواسطة | مارس 12, 2024

بواسطة | مارس 12, 2024

رمضان.. بين ازدواجية العرب و”الغرب الكافر”!

تتزايد الأحوال المأساوية في العالم العربي مع دخول شهر رمضان، حيث تغلب الخرافات والانحطاط الأخلاقي على المجتمع. التدين السطحي يتزامن مع الفساد والرشوة، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة ومدى تأثيرها السلبي على العالم.

تحت رحمة الخرافة – حال العرب في شهر رمضان

ها نحن نعيش أجواء شهر رمضان.. كنت أتمنى أن يأتي الشهر الفضيل وأحوالنا ليست كذلك؛ غزة مذبوحة بـ”صمت” الأقارب قبل يد نتنياهو، ليبيا أصبحت “ليبيتين”، سوريا عملياً مجزأة بين أصحاب النفوذ الدولي، اليمن السعيد لم يعد سعيداً، العراق منزوع العروبة، لبنان غارق في نفايات التحزب والانهيار المالي.

العرب في عمومهم مفككون برضاهم، عواصف الديمقراطية تهجم على العالم شرقاً وغرباً إلا على منطقتنا، ساكنو قصور السلطة لم يحصّنوا عروشهم فقط بجدران عازلة عن الرعية، لكنهم شيدوا جداراً يطال السماء يمنع مرور نسائم الحرية على العالم العربي، ربما خوفاً على الشعوب من إصابتها بنزلة برد إصلاحية حادة، لا تفلح معها أدوية الصيدليات ووصفات الأطباء؛ وقد نجحوا قبل هذا وبعده في عمل “ريمونتادا تاريخية” حوّلت الربيع العربي إلى عواصف و”زعابيب” أكلت الأخضـر واليابس، وأعادت الأمة إلى “المربع صفر”.

ما علينا..

في  رمضان، يندلع السباق على ارتياد المساجد وفعل الحسنات، لكن السؤال: لماذا لا ينعكس هذا التدين على أحوالنا؟ وإلى متى يظل العرب مجرد عالة على العالم؟. فلا اختراع نقدمه، أو مُخترع يخرج من بين ظهرانينا.. ليس هناك إنتاج نتميز فيه، ولا إنجاز نحققه.

كل ما نفعله أننا نستهلك ما تُبدعه عقول الغرب قبل أن نلعن ونسب – مع من يقفون على منابر المساجد-  سنسفيل جدود هؤلاء “الكفرة الماكرين”، الذين لا يفكرون آناء الليل وأطراف النهار سوى في التآمر علينا لإيقاف مسيرتنا ونهضتنا، على الرغم من أننا بلا مسيرة ومعدومو النهضة، وما زلنا غارقين في الخرافات.

في روايته “قنديل أم هاشم” يعرض يحيى حقي لقصة الدكتور إسماعيل، الذي ذهب إلى الغرب ليتعلم فنون طب العيون، وعاد إلى بيئته التي اعتادت على علاج أمراض العيون بزيت القنديل، قنديل أم هاشم، تبركاً وأملاً في الشفاء؛ وهنا نشأ الصـراع بين العقل ممثلاً في العلم، والمجتمع متمثلاً في الخرافة.. اصطدم العلم بالخرافة، وكاد الدكتور إسماعيل يفقد حياته لظنِّ العامة أنه خرج عن الدين لرفضه استخدام زيت القنديل؛ لكن إسماعيل استوعب الخرافة ليقضـي عليها.

 فعلها بطل “قنديل أم هاشم”، بأن وضع العلاج الطبي السليم فى زجاجات، تشبه الزجاجات التي كان المخرّفون يضعون فيها زيت القنديل، وأوهم المرضى أنه يعالجهم بزيت القنديل؛ وحينما اطمأن الناس له، وللعلم الذي أتى به وللعقل الذي يمثله، كان عليه أن يصارحهم بأن علاجه الموضوع في زجاجة الزيت ما هو إلا نتاج العلم والطب والعقل.

هذا في الرواية..

 لكن في الواقع لم يفلح أي عالم في علاج الخرافة التي تعشش في الأذهان العربية! كثير من العلماء العرب عادوا إلى أوطانهم، وحينما أرادوا إفادة بلادهم وشعوبهم بعلمهم وخبراتهم كان الروتين وكانت العراقيل تنتظرهم، حتى “زهـقوا وطفشوا” وعادوا إلى قواعدهم في الغرب سالمين!

نظرة إلى عالم الفضائيات الممتلئ بقنوات دينية كفيلة بترجمة ما نحن فيه؛ السائد فيها هو دين المظهر لا الجوهر.. نفعل الشـيء ونقيضه، نتحدث عن العبادات في رمضان، وفي الوقت نفسه نجهّز أكبر كم من المسلسلات وبرامج المسابقات، لزوم تسلية الصيام.

الازدواجية لا تقتصـر على فئة دون أخرى، فكلنا في التناقض عرب.. في السياسة، المسؤولون يبدؤون أحاديثهم باسم الله قبل أن يزوّروا الانتخابات، ثم يحمدون المولى عزّ وجلّ على ثقة الشعب؛ كثير من رجال الأعمال يذهبون إلى الحج سنوياً ويغدقون المساعدات على الفقراء، وهم في الأساس نهّابون للبنوك، غسّالون للأموال، بل إن بعضهم يستأجرون القتلة المحترفين للتخلص من غرمائهم، حتى لو كانت مطربة كسيرة ضحية التفكك الأسري، وقضية أحد كبار رجال البزنس مع إحدى المطربات ليست ببعيدة عن الأذهان.. أتذكر أن تلك القضية شهدت رفع “فيزينة” القتل إلى مليوني دولار غير “الفكّة”، بينما وصل أجر المحامي الواحد  إلى 5 ملايين دولار دون حساب المشاريب؛ والمفارقة أن أهالي منطقة هذا الرجل لا يهمهم هذا كله، ولا هذه الملايين، بل يريدون فقط كيلو اللحم الذي يحصلون عليه من أية ذبيحة ينحرها خلال رمضان.

التستر وراء الدين قد يكون وراءه انحطاط أخلاقي.. في استفتاء أجرته قبل سنوات شبكة “بي بي سي”، اتضح أن المصـريين هم أكثر الشعوب تديناً، واستدلت الشبكة على هذا التدين من انتشار ألفاظ دينية في أحاديث الناس في الشارع وكلام بعضهم مع بعض، مثل “إن شاء الله”، و”ربنا يسهل”، وما شابه ذلك؛ لكن المفارقة أن هذا التدين اللفظي يتزامن معه كم من الرشوة والفساد منتشـر بين عوام الموظفين. وللدكتور أحمد درويش، أحد وزراء التنمية الإدارية السابقين، تصـريح شهير قال فيه إن أكبر مشكلة تواجه الجهاز الإداري للدولة هي “الرشوة”، التي يطلبها كثير من الموظفين مقابل إنجاز أعمالهم، مشيراً إلى أن الموظف من هؤلاء يؤدي الصلاة، ثم سرعان ما يعود ليفتح درج مكتبه ليتلقى “المعلوم”، بحسب تعبيره.

إذن ونحن في رمضان، لو ذهبت إلى أحد الموظفين من هذا الصنف وفي يدك “المعلوم”، سيفاجئك بالرفض قبل أن يقول لك: “رشوة في الشهر الفضيل مكروهة، إدِّيني شيك بالمبلغ أصرفه بعد العيد”!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...