رمضان شهر العفو والتسامح

بواسطة | مارس 15, 2024

بواسطة | مارس 15, 2024

رمضان شهر العفو والتسامح

ما أجمل خلق العفو والمسامحة! وما أعظم أثره في حياة الأفراد والمجتمعات! ولعل هذا الخلق هو أسمى ما يكون في صورته الإسلامية، التي حض عليها القرآن الكريم، وتجسدت في خلق وسيرة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.

فقد ورد توجيه المؤمنين وأمرُهم بالعفو عن الناس والصفح وقبول الأعذار في الكثير من مواضع القرآن الكريم، وذلك مقتضى الإيمان بأحد أسماء الله الحسنى “العفُوّ”، فالله عزوجل هو الذي يحب العفو ويعفو عن الناس ويغفر السيئات ويتجاوز عن المعاصي؛ قال الله تعالى: ﴿فأولَئك عسى اللَّه أن يعفو عنهم ۚ وكان اللَّه عَفُوًّا غفورًا﴾ [النساء: 99]؛ وقال عز وجل: ﴿وما أصابكم من مصيبةٍ فبِما كسبَتْ أيديكم ويعفو عن كثيرٍ﴾ [الشورى: 30]. بل إن الله تعالى جعل عفو العباد عن بعضهم مقروناً بعفوه سبحانه عن عباده، فمن أراد أن يعفو الله عنه ويغفر له فليغفر لعباد الله ويعفو عنهم، قال تعالى: ﴿وليعفوا وليصفحوا ۗ ألا تحبُّون أن يغفر اللَّه لكم ۗ واللَّه غفورٌ رحيمٌ﴾ [ النور: 22]؛ وقال سبحانه: ﴿وجزاء سيِّئةٍ سيِّئةٌ مثلها ۖ فمَنْ عفا وأَصْلح فأَجْره على اللَّه ۚ إنَّه لا يحبُّ الظَّالمين﴾ [ سورة الشورى: 40]؛ وقال عز وجل في موضع آخر من سورة آل عمران: ﴿ وسارعوا إلىٰ مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضها السَّماوات والأرض أُعِدَّت للمتَّقين** الَّذين ينفقون في السَّرَّاء والضَّرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس ۗ واللَّه يحبُّ المحسنين﴾ [ آل عمران: 133-134].

وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالتحلي بهذا الخلق العظيم فقال تعالى: ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السَّيِّئة ادفع بِالَّتي هي أحسن فإذا الَّذي بينك وبينه عَداوةٌ كأنَّه وَلِيٌّ حميمٌ** وما يُلَقَّاها إلَّا الّذين صبروا وما يُلَقَّاها إلَّا ذو حظٍّ عظيمٍ﴾ [ فصلت: 34-35]. وكان صلى الله عليه وسلم خير من يمتثل لهذا الأمر، وخير قدوة للمسلمين من بعده في العفو والصفح عن الناس، ومواقف سيرته تشهد على ذلك، ومنها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: “كنت أمشي مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه بُرْدٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أَعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرْتُ إلى صفحة عاتق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَثَّرَتْ به حاشية الرداء من شدَّة جَذْبَته، ثم قال: مُرْ لي من مال اللَّه الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء”. قال الإمام النووي رحمه الله معلقاً: “فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه.. وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسولُ الله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم شيئًا قَطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا؛ إلَّا أَن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيء قَطُّ، فينتقمَ من صاحبه؛ إلا أنْ يُنْتهك شيء من محارم الله، فينتقم للَّه عزَّ وجلّ”.

ولأن رمضان شهر العفو وموسم المغفرة الذي يمنّ الله تعالى به على عباده كل عام، فيضاعف فيه حسناتهم ويغفر فيه ما تقدم من ذنبهم إذا صاموه إيماناً واحتساباً، فعباد الله المؤمنين أحرى الناس بأن يعفوا عن الناس ويتجاوزوا عمن أساء إليهم وأخطأ بحقهم في هذا الشهر الفضيل، حتى ينالوا بذلك عفو الله تعالى ومغفرته ومرضاته. فيجب أن يكون رمضان موسماً للعفو والتسامح بين المسلمين أنفسهم ومع غير المسلمين أيضاً، حيث تتآلف القلوب وتختفي الضغائن والأحقاد ويتصالح المتخاصمون، والحقيقة أن التحلي بهذا الخلق ليس سهلاً، فلا يمارسه ويطبقه إلا من كمل إيمانه وإحسانه، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:  ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السَّيِّئة ادفع بالَّتي هي أحسن فإذا الَّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه وَلِيٌّ حميمٌ** وما يُلَقَّاها إلَّا الَّذين صبروا وما يُلَقَّاها إلَّا ذو حظٍّ عظيمٍ﴾ [ فصلت: 34-35].

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...