روسيا واسترداد مجد القياصرة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 9 يونيو, 2024

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 9 يونيو, 2024

روسيا واسترداد مجد القياصرة

أعلن الرئيس الروسي «بوتين» في إحدى تصريحاته أنه لا يريد أن يجعل من روسيا قوة عظمى كما كانت أيام الاتحاد السوفيتي فحسب؛ وإنما إمبراطورية عظيمة مرهوبة الجانب ذات سؤدد وكبرياء .

من يلاحظ ما ترنو إليه السياسة الروسية يجد أن أطماع الروس في العالم تحركها دوافع تاريخية ودوافع جيوسياسية واقتصادية.. ونظرًا لطبيعة تضاريسها وحدودها، فقد صارت دولة تميل دومًا إلى التوسع والتضخم والسيطرة على حساب دول الجوار الجغرافي.

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، تبنت روسيا الاتحادية سياسة خارجية جديدة، أرادت من ورائها أن يكون لها حالة جوهرية زعائمية للعالم، وأن تستعيد مكانتها التي افتقدتها، وأن تقضي على الهيمنة الأمريكية القطبية ذات القطب الأوحد، ويتم إحلال نظام دولي متعدد الأقطاب تكون روسيا أحد أقطابه؛ لذلك أعلن بوتين أن “روسيا تملك أن تؤثر على عملية تشكيل النظام العالمي الجديد، لكي يكون الصرح المستقبلي للعلاقات الدولية متوازنًا”.

وقد اعتمدت روسيا على أسلوبين في ممارساتها وسياستها الخارجية، الأول هو الاعتماد على النهج الدبلوماسي واللعب في ميدان المفاوضات، والثاني الاعتماد على النهج العسكري لحسم بعض القضايا بقوة العسكرة والسلاح.. ففي 2008 نجحت في هزيمة جورجيا وسيطرت على إقليمين مهمين فيها، وفي 2014 قامت بضم جزيرة القرم، وفي 2022 أعلنت الحرب على أوكرانيا، وما زالت الحرب قائمة، وقد قمت بنشر محاضرة لي في اليوتيوب عن الجذور التاريخية الروسية في العلاقة القديمة مع أوكرانيا، كما أن روسيا تهدد السويد والنرويج في حالة انضمامهما لحلف الناتو.

وفي منطقة الشرق الأوسط تسعى روسيا لاستعادة هيمنتها، وتفعيل دورها في هذه المنطقة، نظرًا لأهمية المنطقة من الناحية الجغرافية والثروات الطبيعية، وهي تُعتبر من أكثر مناطق العالم اضطرابًا؛ لذلك ترى روسيا أن هذه المنطقة فرصة لها لطرح نفسها كبديل استراتيجي في ضبط الملفات الشائكة، والبحث عن مصالحها، وفرصة لإثبات دورها وتأثيرها في المنطقة. فقد استطاعت عن طريق علاقاتها مع إيران وتركيا أن تتدخل في الشأن السوري، وتُفشل مشروع الثورة السورية التي راهن كثيرون على نجاحها في بداياتها، فقد كانت الأراضي الإيرانية مثلاً منطلقًا للتدخلات الروسية في سوريا، ونجحت روسيا في إقامة قواعد عسكرية لها في الأراضي السورية، وقد عانت منها الفصائل التابعة للثورة السورية .

أما منطقة آسيا الوسطى والجمهوريات الإسلامية المستقلة فهي ليست ببعيدة عن روسيا، فهي منطقة مصالح حيوية، وتمثل امتدادًا طبيعيًا لعمقها الإستراتيجي؛ لذلك تسعى روسيا دائمًا إلى أن تكون الدولة الوحيدة التي تستثمر موارد هذه المنطقة، كما تسعى إلى احتواء هذه الدول أمنيًا من خلال الاتفاقيات الأمنية ومعاهدات الدفاع المشترك، وهي التي تقوم بترتيب أوضاع هذه المنطقة سياسيًا واقتصاديَا لجعلها منطقة نفوذ خالصة لها بعيدًا عن النفوذ الأمريكي والنفوذ الصيني؛ وقامت بتطوير علاقاتها مع الصين والهند واليابان وغيرها من دول الشرق الأقصى.

بهذه السياسات الجديدة، هل ستنجح روسيا في استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية؟ هذا ما ستسفر عنه السنوات القادمة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين

سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين

شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...

قراءة المزيد
الناقد ومراوغة النص..

الناقد ومراوغة النص..

استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها..   تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...

قراءة المزيد
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...

قراءة المزيد
Loading...