
زوجوها بمن تحب!
بقلم: كريم الشاذلي
| 14 يونيو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 14 يونيو, 2024
زوجوها بمن تحب!
كل شيء كان متوتراً في مكة وقتذاك!
دعوة يتيم بني هاشم – كما كان يحلو لقريش أن تنادي النبي ﷺ – قد زادت حرارة الصحراء سخونة، وتدبير كبراء القوم من أجل إيقاف زحف الدعوة الناشئة كان مستمراً، وكان من جملة ما فكرت فيه قريش أن تشغل النبي محمدا ﷺ بشأنه الخاص، وتنقل المعركة إلى داخل بيته!
بنات الرجل هن الهدف الآن، لنرسلهن له منكسرات، علّ رؤيته لهن وقد هُدمت حياتهن تكون باعثاً له على مراجعة حساباته، واستشعار خسائره.. وعليه، أمر أبو لهب ولديه، عتبه وعتيبة، المتزوجَين من رقية وأم كلثوم بنتي محمد ﷺ أن يطلقاهما، وعندما تم له الأمر حمل خبثه وذهب إلى أبي العاص بن الربيع، زوج زينب كبرى بنات النبي ﷺ، كي يطلقها هو الآخر، غير أن الرجل كان صارماً في رفضه، فهو وإن كان ثابتاً على دين قريش، رافضاً للدين الجديد، فإن علاقته بزينب شأن آخر لا يقبل فيه نقاشاً أو حديثا!
وكان من خبر نبي الإسلام ما كان، اضطهاد له ولأصحابه دفعه لأن يترك مكة مهاجراً إلى المدينة المنورة، تاركاً خلفه زينب، داعياً الله أن يحفظها بحفظه وعنايته.
وعندما بدأت المواجهة الأولى في غزوة بدر بين جيش المسلمين وقريش كان أبو العاص واحداً ممن وقعوا في الأسر؛ وحينما أرسل أهل الأسرى ما يفتدون به أسراهم لمح النبي محمد ﷺ قلادة عرفها، إنها قلادة زوجته خديجة، التي احتفظت بها زينب بعد وفاة أمها، وها هي ترسلها اليوم فداء لأبي العاص.. تأمّل النبي ﷺ القلادة في تأثر، ثم قال لأصحابه في نبرة تحمل شجناً لا يمكن تجاهله: “إن رأيتم أن تردوا لزينب أسيرها وقلادتها”، وقد كان؛ بيد أن النبي طلب من أبي العاص أن يعيد له زينب عند عودته، فوعده الرجل وأوفى بوعده.
سنوات تمر وزينب في بيت أبيها في المدينة، هناك بصحبة الأب العظيم، وثمة وجع ساكن في ركن قصي من القلب على زوجها الذي لم يطع نداء الحق والحقيقة، وجعٌ منبعه معرفتها بمعدن الرجل الذي فارقته، ونبل أخلاقه وفضائله، التي تعجب كيف لم تُلق به حتى اليوم في جانب الصواب.
وذات مساء، وإذ بطارق يطرق باب دارها.. فتحته، وإذ برفيق الماضي أمامها وقد أتى متخفياً بعدما تعرضت له سرية من سرايا المسلمين وهو عائد بتجارة من الشام، وأخبرها أنه لم يجد مهرباً له إلا بيتها، ولا يثق بجوار يمكن أن يحميه إلا جوارها، وكانت زينب عند ظنه، فأدخلته إلى الدار ثم خرجت من فورها إلى المسجد، حتى إذا ما أُذّن لصلاة الفجر، وصلاها المسلمون خلف نبيهم، قالت بصوت أسمع من في المسجد: “أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص بن الربيع”!
عقدت الدهشة ألسنة الناس، فتوجهوا بأنظارهم إلى إمامهم.. وما بين قولها وتعقيب النبي محمد ﷺ مرت لحظات من الصمت، صمت خيمت عليه سحب التوتر من قوم كانوا حتى عهد قريب لا يقيمون للمرأة وزناً ولا حساباً، صمتٌ بدده النبي بقوله “هل سمعتم ما سمعت؟!، والذي نفسي بيده، ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم”.
ثم قام محمد الأب متجهاً إلى كبرى بناته، وقد أطلق وجهه مبدداً ما قد يعتريها من وحشة أو توتر، الكل يعلم أن هذا موقف عاطفة قلما يرى العرب مثله، تبسم الأب العظيم في وجه ابنته قائلاً بحنان بالغ: “أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربك فإنك لا تحلين له”.. ليس هذا فحسب، بل ذهب نبينا ﷺ إلى قادة السرية التي طاردت الرجل، واستأذنهم في أن يردوا له حاجته إكراماً لمكانته! وهو ما كان له عميق الأثر كي يعود أبو العاص ثانية إلى المدينة، لكن.. مسلماً هذه المرة.
القصة الماضية تحتاج لأن تقرأها بعين قلبك، وحدقة وعيك، وتقف أمامها كثيراً.. موقف يستتبع سؤالا حائراً عن طبيعة ذلك النبي.
هذا رجل عظيم بإنسانيته، عظيم بتفهمه للمشاعر، عظيم بعمق إحساسه بحالات الضعف البشري، عظيم بتقديره لنبل الدوافع والمقاصد، هذا رجل يحترم العاطفة ويؤمن بالحب!.
نعم يؤمن بالحب، وظني أنه لم يصلك نبأ من جاء يسأله عن ابنة أخيه اليتيمة التي تهوى فقيراً معدماً، بينما يريد لها أن تتزوج غنيا موسراً، فما كان من النبي إلا أن أمره بأن يزوجها بمن تحب، مطلقاً في سماء تعنتنا أن “لا يرى للمتحابين مثل النكاح”.
معظمنا يسأل عن “حُكم الدين” حينما يود أن يقطع حكماً فقهياً، لكننا للأسف لا نشد الرحال إلى الدين نفسه لنرى إجابته على أسئلة النفس الحائرة، نضرب صفحاً – غير مبرر- عن فهم دين صار انتماؤنا إليه تهمة نُتهم بها! والنتيجة أننا لا نعرف عن الدين إلا ما أخبرونا هم عنه، ولم نقف على حدود شخصية النبي ﷺ إلا بمقدار ما رسموه لنا من شخصيته، والأدهى أن صار في نفوس البعض ثمة شيء من تعاليم الدين، وصار جزءاً من استقلالية بعضهم الفكرية، وأحد دلائل تحرره، أن يعطي ظهره لهذا الكلام المُعلب المحفوظ، صراحة أو تلميحاً!
وليس ذنب العظيم أنّ ورثته ضعاف مهازيل، ولا يطعن في رسالته أن من احتكروها غلّبوا مزاجهم النكد عليها، لكن الذنب سيصبح ذنبنا إذا لم نُعد النظر في إرثنا الديني، مدانون نحن حقاً إذا لم ندخل بلا وصاية إلى عالم محمد الإنسان، ونقف على معالم شخصيته الحقيقة، ونقرأ تعاليمه بوضوح وتؤدة؛ وهذا التأمل والتدبر هو ما أمرتنا به رسالته، إلا أنه فوق ذلك سيكشف لنا عن عمق أو اهتراء تعاطينا مع دين، شئنا أم أبينا هو جزء من شخصيتنا، ونحاكَم على انتمائنا له.
وأكرر يا صديقي أنّ قضيةً كل ما يربطك بها الإرث لن يمكنك يوماً نصرتها أو الدفاع عنها.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق