سأصير يوما ما أريد

بواسطة | أكتوبر 29, 2023

بواسطة | أكتوبر 29, 2023

سأصير يوما ما أريد

يتردد صدى الحقيقة بين جنبات فلسطين معلنا باسم جيل الأقصى: “سأصير يوما ما أريد”، تماما كما كان كتبها محمود درويش ذات صياغة شعرية، فالجوانح المفعمة بالتعلق بموطنها وأرضها لها في كل صباح حلم تتفتق أكمامه ولا يخبو له وميض، يرقب موعد الأمل ويسارع خطاه في اتجاه يومه المرتقب، مهما طال المسير، فعبر محطات الطريق تتقلص المسافة، وطوفان الأقصى إحدى معالم هذا الدرب، ألمْ يقل أبو العلاء المعري من قبلُ بيته المترجم لرؤية الجيل القسّامي المنافح عن أرضه:
وَالأَرضُ لِلطوفانِ مُشتاقَةٌ .. لَعَلَّها مِن درن تُغسَلُ
لم تكن كفّ أبي العلاء على الزناد، وإنما عبر سقط الزند أورى معركته، ثم بقيت خطوط التلاقي بين صانعي الأحداث أدبيا وميدانيا على الدوام.. شعّ قبس أبناء الأقصى من عقر مدينتهم عبر حراكهم التاريخي، في يومهم المشهود، مجسدين الفدى والمنافحة عن الأرض والأوطان، تتصاغر العراقيل، وتضمحلّ العقبات، ويتشبث أبناء الأرض بسهولها ورمالها من غير توانٍ، وفلسفتهم في ساعة الصفر:
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ .. يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحق
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ .. بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
وثب الرعيل القسّامي، يوم غارة الطوفان، دقّوا بتضحية ونجاح باب النصر وأخذ الثأر، على مرأى ومسمع من العالم، كان واقع خطتهم في ما تجلّى يقلّدهم باستحقاق مقولة أمل دنقل “كل دربٍ يقودك من مستحيل إلى مستحيل”.. إنها مراحل من عبورهم نحو المستقبل، والزمانُ حليف الإقدام! 
أعَدّوا ما استطاعوا من العدة ومن رباط الخيل المتمثلة في مختلف أنواع عتادهم، ومضَوْا:
يتساقوْنَ في الوغى كأس موتٍ .. وهىَ موصولةُ بكأس رحيق
وفجأة إذا بهم يشرعون في تغيير أرقام المعادلة، ويؤسسون للوضع الجديد في ميدان السجال، وعلى جغرافيا اللحظة يُمْلون قرار إرادتهم:
بَسَطَ الرُّعبُ في اليمين يمينـاً .. فَتَولّوا وفي الشِّمال شِمالا
ويطأ الشهيد منهم أرض المنازلة وصورته طبق الأصل لما سجله أبو تمام يوم تتبّع أحد مواقف البسالة وصور الثبات، مشيدا برمزها وأدائه:
فأثبتَ في مستنقع الموت رجله .. وقال لها من تحت أخمصك الحشر
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى .. لها الليل إلا وهي من سندس خضر
لم يكن الفرد منهم لحظة الانطلاق لأهدافه، مجرد ربيئة لنفسه، وإنما هو ترجمان لشعوب أمة المليار، في كل ظل من ظلالهم هناك تنعكس صور ووجوه وسحنات وأشواق وأشجان جموع الشعوب الإسلامية من مختلف الأقطار وقد علقت بهم آمالها حين توسمت فيهم أن يعودوا إليها بخيوط من الصباح المفتقد
هل أزف إذن التحول الزماني في ما يتعلق بالصراع مع المحتل في فلسطين، وهذه بواكيره، مهما يكن فإن جرعة معنويات وافرة زودت بها المقاومة شعوب حضارة الإسلام من خلال عمليات انطلاق ملحمتها الحالية التي كان فصلها الافتتاحي ملهما وبلسما يخفف ما حصل بعده من العدوان الإسرائيلي، فهذه المرة ورغم ما خلفته غارات العدوان الإسرائيلي لم تتكسر في غزة النصال على النصال، على وقع العجز المطبق، وإنما يخفف من غلوائها أن مخالب رعيل طوفان الأقصى قد طالت حتى امتدت لتنقضّ على المحتل خارج حدود القطاع

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...