سؤال خاطئ، وإجابة صحيحة!
بقلم: كريم الشاذلي
| 26 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 26 أبريل, 2024
سؤال خاطئ، وإجابة صحيحة!
تعلمنا أن نبحث دائماً عن الإجابات الصحيحة.. نلهث كي نملأ فراغ الحيره بجواب يطمئننا، وبالرغم من الوصول إليه فإننا.. لا نرتاح!
قال حكماؤنا قديماً: “السؤال الصحيح نصف الإجابة”، لافتين النظر – بشكل عبقري- إلى أن هناك خطأ شائعا في كيفية طرح الأسئلة، وعليه تصبح كل الأجوبة – مهما كانت صحتها- غير ذات نفع، ذلك أن المقدمات نفسها لم تكن بالدقة الكافية.
أمضيت عقدين تقريباً وأنا مهتم بمجال العلوم الإنسانية، أمضيتهما في محاولة فهم طريقة تعاملنا مع أنفسنا وشركائنا والحياة بشكل عام، سنوات قرأت فيها الكثير من الأفكار والنصائح والفرضيات، التي من شأنها أن تجعل سعادة الناس أكبر وشقاءهم أقل، ورغم ذلك كان يؤرقني كثيراً عدم كفاية تلك النصائح المعلبة لمداواة وجع الناس، وتحقيق شفائهم.
كنت أتساءل عن جدوى آلاف الكتب، والدورات، والمحاضرات، وأتعجب من المارد الذي بداخلنا وأسأل: لماذا لم يستيقظ – هداه الله- حتى الآن؟!. كنت أظن حينها أن الخلل قائم على استيراد إجابات جاهزة على الأسئلة التي يطرحها الناس، وذهبت إلى أننا يجب أن نستلهم إجابات من واقع حياتنا، أطروحات تشبهنا كي نتفاعل معها بمرونة وأريحية أعلى.
كان هذا قبل أن أعي حقيقة هامة جداً، وهي أننا نجاوب على السؤال الخاطئ بإجابات صحيحة، وعندما نرحل سعداء بما وصلنا إليه، يرتد إلينا البصر خاسئا وهو حسير، حيث الزاد الذي تزودنا به لم يكن ناجعا ولا مفيدا!
إننا لا نستورد الأجوبة فقط، وإنما الأسئلة كذلك!. نحن نجيب على أسئلة مثل: كيف ننجح؟ كيف نرتقي؟ كيف نصبح سعداء؟ كيف نُصلح زواجنا؟ كيف نربي أبناءنا بشكل سليم؟. وهذه – لو تدري- أسئلة خاطئة!. وكان الأحرى بنا أن نسأل أسئلة أخرى، أكثر دقة وأشمل فهماً، وهي: كيف أنجح في تلك البيئة المحبطة؟! كي أرتقي وسط هذا الواقع المزيف؟ كيف أصبح سعيداً في عالم كئيب مضطرب؟ كيف أُصلح زواجي المحاصَر بكل هذه المعتقدات المدمرة؟ وكيف أربي أطفالي بشكل صحيح، وكل من حولي يهدم ما أقوم به؟!.
وللأسف، لا يخبرنا أهل التنمية الذاتية – وغالب الظن أنهم يجهلون- أن حياة المرء منا ليست منوطة بذاته فقط، ولا تتحكم فيها جملة مواهبه وقدراته وطموحه فحسب، وإنما هي قبل ذلك قائمة على تشابكه وارتباطه بالمجتمع الذي يعيش فيه؛ فإذا كان المجتمع صحياً ناضجاً أخذ بيده، بينما المجتمع المعتل لا يقدم لأفراده أي ضمانات يمكن أن توفر لهم حدّاً أدنى من الطمأنينة الروحية، والتي لا غنى عنها كي يصبح المرء إنسانا يحمل هموماً أكبر من فكرة محاولة تفادي الضربة القادمة!
تأملت اندفاع الوعاظ والمحاضرين والمدربين، بل والساسة ورجال الإعلام – في إصرار مدهش- على الاستهانة بصعوبات الواقع، مؤكدين أن “الظروف” كذبة، وأن لا شيء أقوى من إنسان يعرف حلمه جيداً! وكما ترى فإن الكلام الحالم يبدو ممتعاً ومثيراً، لكنه للأسف ليس صحيحاً بالكلية، ذلك أن “الظروف” التي تواجهنا في واقعنا العربي، فيها من الظلم والإجحاف ما يجعلنا كمن هبط إلى مضمار السباق بعد ساعة من بدء المسابقة، والكل يصرخ فيه ليكون أول من يصل إلى خط النهاية ويتسلم الميدالية الذهبية.
من هنا أجزم بأن طرح السؤال الصحيح يجب أن يكون شغلنا الشاغل، حتى لا نجد أنفسنا في مواجهة شبح، وليس الواقع الحقيقي المَعيش وصراع الأشباح – صدقني- منهكا للقوى، جالبا لليأس.. إن أسوأ شيء يمكن أن تفعله فينا الإجابات الصحيحة على الأسئلة الخاطئة أنها تدفعنا إلى ما يسميه أهل الاقتصاد “دفع تكلفة الفرصة”؛ بمعنى أننا نمضي قدماً في محاولة إصلاح خاطئة، تأخذ شكل المحاولة الصحيحة، وعليه نعود محملين بروح مليئة باليأس والإحباط وانعدام الأمل، وكيف يأتي الأمل وقد قمنا – كما نظن- بما يجب علينا القيام به ولم يتغير شيء؟.
ولعلي بصديق يرى في كلامي شبهة إحباط، ودعوة لعدم المحاولة، وهذا – لو تدري- آخر ما أرنو إليه.. وإنما مقصدي أن علينا التحلي برؤية ناقدة، قادرة على مشاهدة الأشياء والتحديات والصعوبات من حولنا كما هي، وفك التشابك القائم في واقعنا، والتدقيق بشكل أكبر في المحاولات التي نجح أو أخفق أصحابها في الوصول إلى غايتهم، لأن فيها الشيء الكثير مما يمكن الاستفادة منه.. وقد تكون أكبر بكثير من الأطروحات التي نقرؤها في كتب المفكرين ورسائلهم.
شخصياً – ومن واقع عملي- وجدت مثلاً أن معالجة خلل الأسرة، ومحاولة علاج التصدع الذي يصيب المجتمع من جراء حالات الطلاق المسعورة، التي تفجعنا بها الإحصائيات كل عام، ليست فقط بتوجيه نصائح سلوكية للزوجين، وإنما في طرح سؤال مهم عن دور المجتمع بعاداته وقيمه وأمراضه في التأثير على كيان الأسرة، وشحن الزوجين بحالة من التوتر والقلق والتحفز المستمر. ضِف إلى ذلك أن المجتمع نفسه ممثلاً في إعلامه ومفكريه ونخبته يقومون بطرح حلول لا تقل سوءاً عن الواقع المَعيش، فنراهم أمام ذكورية المجتمع يذهبون إلى محاولة “تنمير المرأة”، وشحنها هي الأخرى بقيم ذكورية؛ وحجتهم ضرورة أن لا تكون لقمة سائغة أمام تغول الرجل الشرير، وكأن الزواج صار حلبة صراع يجب أن يكون فيها “رابح وخاسر”.. إنه التيه كما نرى.
ولا سبيل للخروج من هذا التيه – كما أزعم- إلا بتعليم الناس كيف يطرحون الأسئلة الصحيحة رغم صعوبتها، ويواجهون المجتمع بعواره كي يتسنى لهم مخالفته وعدم الرضوخ لسطوته، ذلك أن دور المثقف الحقيقي نراه جليا في الغوص نحو الأعماق، وإخراج الخلل وطرحه على مائدة الوعي ولفت نظر الناس إليه، ومن ثم يبدأ في طرح الأسئلة الصحيحة عن خطورة هذه المشكلات وكيفية مواجهتها وتحديها.
إن الطبيب – أي طبيب- قادر في الغالب على إعطائك الدواء المطلوب إذا ما أبلغته بالتشخيص الدقيق.. وعليه، فإن الطبيب الماهر هو الذي يضع إصبعه على الوجع، هو الذي يطرح السؤال الصحيح، وبالتالي يصل إلى أصل الوجع والعلة؛ أما الإجابات فصدقني أمرها أسهل من ذلك بكثير!. وكذلك العلاج!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
“السؤال الصحيح نصف الإجابة”👍
ما شاء الله تبارك الله، أسلوبك في الطرح والكتابة وتسليط الضوء على الموضوع رائع.
شكراً أستاذ كريم جزاك الله خيراً وبارك الله فيك على هذا الإبداع والتميُّز.🤍
جزاك الله خيرا