شكراً لك يا غزة

بواسطة | ديسمبر 11, 2023

بواسطة | ديسمبر 11, 2023

شكراً لك يا غزة

تعكس حروب غزة الوضع الإنساني والأخلاقي، وكيف أثرت على القيم والضمائر في مجتمعنا، وضرورة التحرك ضد الظلم والتنازل عن المصالح الشخصية لصالح الإنسانية.

شكراً لك يا غزة، لأنك أسقطتِ القناع عن كثيرين من دعاة حقوق الانسان، وهو يحفر أخدود النفاق تحت صفقاتهم الخاصة على حساب البشرية.
شكرا لك يا غزة لأنك أيقظتِ العالم من غفلته وماديته البشعة، وعرَّفتِ العالم بذلك المفهوم المنسي “الإنسانية”.. شكرا لك لأنك عرَّيتِ مشايخ الدين الذين باعوا ضمائرهم للسلطة السياسية، ونسوا الميثاق السماوي المقدس.
شكرا لك يا غزة لأنك أعلمتِ هذه الأمة العربية المنكوبة بقدرها ومكانها بين الأمم، وعرف أبناؤها أنهم لن يخرجوا من هذا الذل إلا برجوعهم إلى منبعهم الذي جعل من العروبة حضارة إنسانية عالمية.
شكرا لك يا غزة لأنك أظهرتِ لنا كيف يحارب الإنسان أخاه في الإنسانية اقتصادياً، ونحن نرى بيننا شركات ومؤسسات تجارية تطحن عظام الفرد البشري، وتنهب قوت الأطفال من أفواههم، ونحن أسارى لتلك المنتجات التي لا يضير أحدا منا مقاطعتها، إلا عديم الحس والذي اعتاد تفاهة الحياة وطغت على قلبه المادية .
شكرا لك يا غزة، فمنكِ عرفنا أننا نحمل ذاكرة السمك، وأننا -أمة العرب- لا ديمومة لنا في ميدان النضال، وأن النسيان يغزونا بسرعة، وتلهينا الدنيا بتفاصيلها حتى نعتاد على رؤية الجثث المترامية في شوارع غزة فنحزن قليلا، ثم نتجاوز ذلك سريعاً ونعاود النظر في أمور دنيانا !
شكرا لك يا غزة، فقد علمنا منكِ أن أصوات الأطفال في غزة هي وحدها القادرة على أن تهزّ العالم أجمع، هي وحدها تصدح في ظلام سطوة القوى الغاشمة العظمى، هي وحدها الأصوات التي تصنع الأمل بعد أن بدا لأعيننا غائباً أو سراباً ووهماً.. ولكن أعين الأطفال في غزة، وهي عين البصيرة، تراه حقيقة ماثلة.
أفلا نستغرب بعد ذلك أن يقول أحد الفلاسفة الغربيين: إن الإنسان الغربي نصف إله، والإنسان الشرقي نصف إنسان؟!..
كم هو سخيف ومبتذل وبعيد كل البعد عن معاني السيادة السامية أن يتم  التعويل على منظمات حقوق الإنسان، وهي في غالبها -أو حتى كلها- ليست إلا أداة في منظومة قوى الشرور العالمية، البعيدة عن المعاني الإنسانية السامية، من حب وخير وعدل وسلام بين البشر .
إننا هنا نعلم يقينا حقيقة ما قاله سمو ولي العهد الكويتي، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أن الحرب على غزة تجاوزت “كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية”.. لقد أصبحت شريعة الغاب هي الحاكمة في هذا العالم، فلا قانون يطبق إلا على الطرف الأضعف في هذا الوجود، وإن معايير القيم والأخلاق والذمم تتساقط أمام مصالح القوى العظمى وأجندتها الخاصة، وشيوع المادية المتغطرسة والمرجعية العقدية التي تبيح دماء الأبرياء .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...