شهر رمضان والعشر الأواخر

بقلم: د. علي محمد الصلابي

| 29 مارس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. علي محمد الصلابي

| 29 مارس, 2024

شهر رمضان والعشر الأواخر

لقد نزلَت بكم العشر الأواخر من رمضان المبارك، فيها الخيرات والأجور، وفيها تتضاعف الحسنات، وتُكفَّر السيِّئات، وتُغفَر الذنوب، ويُعوّض العبد فيها ما فاته من الخير.

وهذه الأيام فيها الكثير من الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة، فمن خصائصها أَن النبي ﷺ كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، ففي صحيح مسلم عن عائشة (رضي الله عنها): “أنَّ النبي ﷺ كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره” [مسلم 1175]. فقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها بجميع أنواع العبادات والطاعات؛ كالصلاة وتلاوة القرآن والذكر والصدقة وغيرها، وإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله (عز وجل).

فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يُفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليال معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة؛ وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن ترى كثيرًا من المسلمين يُمضون هذه الأوقات الثمينة في ما لا ينفعهم، فيسهرون معظم الليل في اللهو الباطل، فإذا جاء وقت القيام ناموا عنه وفوَّتوا على أنفسهم خيراً كثيراً لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا أبداً، وهذا من تلاعب الشيطان ومكره بهم، وصده إياهم عن سبيل الله.

والعشر الأواخر من رمضان أوقات فاضلة ونفحات ربانية مباركة، والواجب على المسلم استثمارها واغتنام كل لحظة فيها بالطاعات والقربات، والابتعاد عن الخصومة والتباغض والتشاحن، وتصفية القلوب من الغل والحقد والحسد تجاه المسلمين، فقد تكون هذه المثالب سبباً في الحرمان من العفو والمغفرة فيها، ومن أراد العفو من الله فليبادر في العشر الأواخر بالعفو عن الناس.

ويجب على المسلم التفرغ التام لعبادة الله تعالى وطاعته في تلك الأيام، وتحري ليلة القدر فيها، فهي ليلة خير من ألف شهر، ففي الصحيحين عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: “كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”.

والغاية من الاعتكاف، أن يتفرغ المعتكف للانشغال بمناجاة خالقه سبحانه وتعالى ودعائه، ومحاسبة نفسه، وقراءة كتاب الله سبحانه وتعالى والتأمل فيه، والصلاة، والتفكر في أمور دينه، والاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ وأن يقضي أغلب وقته في هذه الأمور، لعل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في عباده المتقين، وأن يقبل منه.

وكان السلف الصالح (رضي الله عنهم) يجتهدون في العشر الأواخر من رمضان ولياليها، ويحرصون على الاغتسال والتطيّب في هذه الليالي المباركة، كما كانوا يحرصون على إيقاظ الأهل لأداء العبادات والطاعات، فقد رُوي عن سفيان الثوريّ (رضي الله عنه) أنّه كان يُوقظ أهله لقيام العشر الأواخر، إذ قال في ذلك: “أَحبّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهِض أهله وولده للصلاة إن أطاقوا ذلك”. وكذلك كانت عنايتهم بالقرآن في تلك الليالي، فقد كان السلف الصالح يجتهدون في قراءة القرآن الكريم في الأيام العشر من رمضان، إذ رُوي عن قتادة (رضي الله عنه) أنّه كان يختم القرآن في ثلاثة أيام من شهر رمضان، فإذا دخلت العشر الأواخر ختمه كل ليلة.

إن هذه الليالي الفاضلة فرصة عظيمة ينبغي أن يستثمر المسلم كل لحظاتها بكل عمل صالح يقربه من خالقه، وأن يشغل نفسه بالركوع والسجود، والقيام بين يدي الحي المعبود، وأن يخفف عن المساكين والمحتاجين ما يجدونه من الضيق.. فالنفس أيها المسلم، إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، واقتادك هواها إلى ما يغضب خالقك، فاحذر أن يراك حيث نهاك، وأن يفتقدك حيث أمرك.

د. علي محمد الصلابي

مفكر سياسي ليبي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...