غزة المتمردة.. وإسرائيل “الشرعية” من البحر إلى النهر!

بواسطة | نوفمبر 28, 2023

بواسطة | نوفمبر 28, 2023

غزة المتمردة.. وإسرائيل “الشرعية” من البحر إلى النهر!

تناولت مقالة حديثة ظاهرة “صهاينة العرب” على منصات التواصل الاجتماعي بعد طوفان الأقصى وحرب غزة، استعرضت التناقضات في وجهات النظر وأثرها على الإعلام الرسمي الإسرائيلي باللغة العربية.

تحليل للآراء القائلة بـ ‘صهاينة العرب’ في ظل الأحداث الفلسطينية

برز على مواقع التواصل وفي سيل الكتابات منذ “طوفان الأقصى” وما أعقبها من حرب إبادة على قطاع غزة، مصطلح “صهاينة العرب”. من يتابع ما تتقيأه هذه الفئة من آراء مكتوبة أو متلفزة، يظن لأول وهلة أنه يقرأ لكاتب في “معاريف” أو يشاهد مذيعاً في أية قناة صهيونية. لهذا السبب هم ضيوف دائمين على حسابات ومنصات إسرائيل الرسمية بـاللغة العربية. تقدمهم تلك المنصات على طريقة وشهد شاهد من أهلها: “حماس” إرهابية.. فصائل المقاومة مجموعة من مصاصي الدماء.. فكرة عدم الاستسلام لنتنياهو ومجلس حربه رجس من عمل الشيطان.
وطبعاً هؤلاء المتصهينون لم يذكروا ولا مرة حقيقة أن “حماس” ليست مجرد فصيل مقاوم يعمل على تحرير الأرض وحماية العرض بمعزل عن الناس. لكنها فازت بأغلبية كاسحة في الانتخابات التشريعية 2006، وتم الانقلاب عليها!

النواحي الإنسانية لرجال المقاومة

ورغم هذا..
فإن تقييم مواقف وحسابات “حماس” وكافة الفصائل الفلسطينية ليس مجاله الآن وأهل غزة يتعرضون لحرب إبادة شاملة. إذ أن رجال المقاومة وقادتهم هم في النهاية “بشر”. وارد – بل وطبيعي- حدوث أخطاء منهم . أخطاء في تقدير بعض الأمور. سوء قرارات تجاه مواقف وأحداث، فليس هناك مسؤول على صواب دائم، ولا ثمة مناضل لا يخطئ.
لكن..
 من يتهم المقاومة بالإرهاب، ومن لا يعترف بحقها وحق أي شعب أو فرد أن يواجه من يستعمره.. من يحتل أراضيه.. من يذيقه الأهوال طول عقود، هو “الإرهابي” عينه. هو عديم الشرف.. منزوع الرجولة.. صفري الإنسانية. هو “الدمّل” اللابدّ في أجسادنا ويجب تطهيره.

تحليل لمواقف “المتصهينين الصغار

لن أدخل من باب سوء الظن..
لن أتهم هؤلاء “المتصهينين الصغار” على الورق والمواقع والشاشات، بأنهم مجرد دمى تحركهم أصابع “متصهينين أكبر” يسكنون قصور القرارات، ودهاليز الحكومات، وممرات أجهزة “الكبت والقهر”. بل سأبلع حلفناهم بأنهم يتحركون من عندياتهم ومن بنات و”أولاد عم” أفكارهم وتعبيراً عن آرائهم، باعتبار أن أمتنا الواحدة ذات الرسالة الخالدة، تعيش أزهى عصور الحرية “زي ما احنا شايفين وحاسين”، وأن الصنف الديمقراطي العربي يضرب نظيره في أوروبا والدول المتقدمة على حنطور عينه.
لكن..
الواضح لكل ذي بصيرة أن هناك أنظمة وحكومات، تتمنى لو تُمسي فتصبح لا تجد شيئاً اسمه “حماس” ولا جماعة شعارها “الجهاد” ولا عناوين مثل “ألوية صلاح الدين” أو ” “شهداء الأقصى” أو “كتائب عبد القادر الحسيني” إلخ. هى تتمنى سراً، وتنطق به أحياناً جهراً أن يقوم “جيش الدفاع الإسرائيلي الشقيق” بتصفية هذه الأسماء ومن على شاكلتها، فلا يعد لها أثراً في سيرة العرب، ولا ذكراً على ألسن الرواة، ولا يسمع بها الجنين في بطن أمه.

الرغبة في القضاء على الفصائل المقاومة

والسؤال: لماذا يحارب هؤلاء الكبار وتوابعهم المخصيين، كل من يقول “لا” لإسرائيل؟
قبل الإجابة يجب التنويه بأن سير الأحداث، وما نراه في الواقع من تحركات، وما نلمسه من جهود لإنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة من العدوان الهمجي، كلها تكشف أن بلدين يتصدران هذه الجهود وتلك التحركات التي أثمرت عن هدنة “الأيام الأربعة “الماضية، والتي تم تمديدها يومين إضافيين، مع آمال باستمرارها، لإدخال أكبر قدر من المساعدات إلى أهالي القطاع. البلدان – كما هو معروف- هما مصر وقطر، وذلك بتنسيق كبير بين مسؤولي الجانبين. تنسيق يجب البناء عليه لمصلحة فلسطين والعرب.

التقسيم بين الفرقة والفهم

أما من تثير مواقفهم الريبة والشبهات تجاه غزة، وقد يكونوا وراء إطلاق “المتصهينين الصغار” لينهشوا في المقاومة، بشكل أكثر شراسة من الكلاب الضالة التي تنهش جثامين الشهداء الأبرار في شوارع مدن وبلدات القطاع المنكوب، فإنهم –حسب وجهة نظري- ينقسمون إلى قسمين.
الأول من حملة شهادة “الديكتاتوراة” الذين استطاعوا بجهد شخصي وعمل عصامي أن يثبتوا أنهم تلاميذ نجباء في مدرسة “الأسد الكبير” و”كيم جونغ الصغير”.
أبناء هذا القسم لا يعترفون فقط بالكيان الصهيوني دولة مستقلة ذات سيادة وصاحبة ضوء أخضر في البلطجة والعربدة، والاستيلاء، والضم، والقتل. كما أنهم لا يكتفون بالانبطاح أمامها كونها شرطي المنطقة و”شاويش نص الليل”. لكنهم ينظرون إلى إسرائيل على أنها “الحكومة الشرعية” الوحيدة في فلسطين من النهر إلى البحر. نتنياهو عندهم الحاكم المُتغّلب الآمر الناهي في تل أبيب وضواحيها وباقي مدن وبلدات وأقضية “فلسطين 48” والضفة والقطاع والجولان ومزارع شبعا، وأنه على البشر كافة في كل تلك المساحة السمع والطاعة لجنابه.. على العصافير جميعها فوق أشجار الزيتون التوقف عن الزقزقة حتى لا ينزعج جنرالاته.
 من ثمّ فإنهم يرون كل من يقاومونه في غزة “شرذمة خارجة عن الإجماع الوطني” و”فئة ضالة مضللة” وغير ذلك من المصطلحات التي يطلقونها على معارضيهم.
هؤلاء ينظرون إلى وجود فصائل مقاومة في المنطقة خطراً عليهم أنفسهم. إذ حسب اعتقادهم يمكن أن تمتد “العدوى” من هذه الفصائل إلى الشعوب، فتقاوم أي شخص يحتكر “الكرسي الكبير” أو يعيث في البلاد فساداً، وبين العباد ظُلماً.
إذن.. الهدف الرئيسي عند أعضاء هذا القسم هو قصف أي صوت بالمنطقة يقول “لا”. إنهم يكرهون هذه الكلمة. يمسحونها من قواميس بلدانهم. يحرمّونها. ينسفون كل من ينطقها.

مرحلة التسويق والأرباح

بالانتقال إلى القسم الثاني.. سنجد أن عناصره أكثر فهماً وأعلى ذكاءً وأرفع دهاءً. إنهم يديرون بلادهم ليس بمفهوم “الأوطان”، بل “الشركات” التي حتماً ولابد أن تكون موازنة ختام كل ربع عام مالي “رابحة”. لا يهم من أين الربح.. تجارة غير مشروعة. غسيل أموال. سياحة غير نظيفة. كل هذه فرعيات. الأساس المكسب. لذا لا يريدون أي مشاكل أو حروب في المنطقة يمكن أن تؤثر على تجارة “شركاتهم – أوطانهم”.
هذا الفريق يعتبر أن التطبيع مع إسرائيل والشراكات معها، يجلب عليهم- فضلا عن حفظ أمنهم- الكثير من الأرباح. لهذا لو الأمر بيدهم لهجّروا كل سكان غزة، ودخلوا في مشاريع سياحية مع شركائهم الإسرائيليين، لاستغلال شاطئ القطاع الطويل. أكثر من أربعين كيلوا متراً رمالاً ذهبية مُغلفّة بطقس شرق المتوسط المعتدل طوال العام. يزرعون فيه منتجعات على كل شكل ولون، فيكسبوا.. ويكسبون، ويرتاحوا.. ويرتاحون. ولا مانع من بعض الموانئ على نفس الساحل الغزاوي، تُسهّل طرق التجارة إلى القارة العجوز.

القضاء على الصوت المقاوم

لكل ما سبق ولكثير غيره.. فإن المتصهينين العرب الكبار يريدون كما أحبابهم في “أرض الميعاد”، أن تكون غزة نسخة من أماكن فلسطينية أخرى. من يحكمها طيب.. يرضى بقليله. يوافق على دور “رئيس بلدية” أو “مجلس مدينة” أو “مختار قرية”. وإذا قامت احتجاجات أو مظاهرات ضد الاحتلال، فإن نفس الطيب يُظهر الوجه الآخر الكشر فيقوم بالواجب قمعاً واعتقالاً لمن يشارك في أي خروج عن النص. ليس لأنه ديكتاتور لا سمح الله، ولكن حماية لـ “الإخوة المواطنين المحتجين” من أن يقوم بالمهمة “جيش الدفاع الإسرائيلي الشقيق” في إطار التنسيق الأمني!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...