طوفان الأقصى والتحول الاستراتيجي في القضية الفلسطينية

بواسطة | أبريل 1, 2024

بواسطة | أبريل 1, 2024

طوفان الأقصى والتحول الاستراتيجي في القضية الفلسطينية

بعد السابع من أكتوبر ظهرت إسرائيل وقيادتها السياسية والعسكرية في حالة من الصدمة والذهول على وقع ما حدث في صباح ذلك اليوم؛ إذ شكلت عملية طوفان الأقصى ضربةً عسكرية واستخباراتية هي الأقوى منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948م.

فقد جاءت هذه العملية في ذروة الخلافات الداخلية الإسرائيلية من جانب، ومن جانب آخر كانت إسرائيل تستعد للحظة الحاسمة مع أوسع عملية تطبيع بين عدد من الدول العربية والإسلامية وإسرائيل، حيث كان من المتوقع أن تُشكل نهاية العام الماضي 2023م لحظة مفصلية في تاريخ الوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط؛ لكن كل ذلك تغير في لحظات، ودخلت المنطقة في حالة من الإرباك الشديد أمام حدث وصف بالاستثنائي في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

شكل السابع من أكتوبر نقطة مفصلية ذات أبعاد استراتيجية في مسار القضية الفلسطينية، حيث تحلّ الذكرى النصفية لعملية السابع من أكتوبر، مُسلطةً الضوء على أهمية وتأثير هذه العملية المُخطط لها بدقة، والتي نُفذت ببراعة من قبل المقاومة الفلسطينية. هذه العملية لم تُمثل مجرد حدث عابر، بل شكّلت نقطة تحول حاسمة في النضال الفلسطيني ضد المحاولات المستميتة لتصفية القضية وإدماج إسرائيل في النسيج الاقتصادي والسياسي للمنطقة عبر ما يُعرف بصفقة القرن؛ فعلى مدى سبعة أعوام مضت، تسارعت الخطى نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل من قِبل خمس دول عربية، في محاولة لإكمال هذا الدمج وتطبيع العلاقات بالكامل مع باقي دول المنطقة، ما كان سيُسفر عن تصفية القضية الفلسطينية وشرعنة الاحتلال.

قبل السابع من أكتوبر، كانت الآفاق مسدودة أمام إمكانية إقامة دولة فلسطينية، والثقة في القيادة الفلسطينية متمثلة في السلطة الفلسطينية، وجدية المفاوضات في تحقيق حل للقضية كانت آخذة في الانحسار؛ بيد أن السابع من أكتوبر قلب الموازين، حيث اتجه النقاش العالمي نحو الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وأهمية عدم تجاهل مطالبهم في إنهاء الاحتلال.. الآن، يُعاد تشكيل المشهد الدولي بما يخدم القضية الفلسطينية، على غرار التبعات الاستراتيجية للقضية الفلسطينية التي أعقبت الانتفاضتين الأولى والثانية.

يُلاحظ تغيّر في الموقف الدولي والشعبي تجاه إسرائيل، التي تجد نفسها لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية لمواجهة تهم بالإبادة الجماعية، وهو تطور غير مسبوق يُسلط الضوء على تراجع الدعم الأمريكي التقليدي، والعزلة الدولية التي باتت تُواجهها إسرائيل وأمريكا في هذا السياق. كذلك، مرَّر مجلس الأمن قرارًا يدعو لوقف إطلاق النار في غزة، لم يحجزه فيتو أمريكا التي اكتفت بالامتناع عن التصويت، ذلك الفيتو الذي طالما شكّل درعًا واقيًا لإسرائيل في مواجهة أي إدانات أو عقوبات دولية.. هذه الخطوة، التي قوبلت بمعارضة من إسرائيل، تُظهر تراجعًا لافتًا في الدعم الدولي الذي كانت تتمتع به تل أبيب، ما يعكس تحولًا في السياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، برزت العزلة الدولية لإسرائيل والولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، حيث وقفتا منفردتين ضد العالم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي شهدت تصويت 193 دولة لصالح قرار وقف إطلاق النار، في مشهد يُظهر مدى تغير الموقف الدولي وتنامي الوعي بعدالة القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الاحتلال والظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.

التحول الذي نشهده لا يقتصر على المستوى الحكومي فحسب، بل يمتد إلى تغيير في وعي الشعوب؛ فوفقًا لأحدث الإحصائيات لمعهد جالوب، فإن 75% من الناخبين الديموقراطيين و60% من المستقلين و30% من الجمهوريين يعارضون الحرب الإسرائيلية على غزة، ما يُشير إلى زيادة هائلة في الرفض الشعبي للسياسات الإسرائيلية مقارنة بالماضي.. بالإضافة إلى ذلك، يؤمن حوالي 51% من الشباب الأمريكي بحق الفلسطينيين في دولتهم على حساب اسرائيل، ويُعبّر 64% منهم عن اعتقادهم بدعم الشعب الفلسطيني لحماس، ما يُظهر تحولاً كبيراً في الوعي العام تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً في الولايات المتحدة التي تُعتبر ساحة رئيسية للتأثير الإسرائيلي.

وهنا يُذكّرنا التاريخ بأقوال القائد العسكري الفرنسي شارل دي جول بعد عملية نورماندي، عندما تحدث عن عدم قدرته على الاحتفال بالنصر الاستراتيجي، لخسارة فرنسا الكثير من أبنائها، ولم يُحتفل بهذا اليوم طيلة عشرين عامًا.. هذا مع أن فرنسا، التي فقدت أكثر من 60 ألفًا من أبنائها في هذا الإنزال، شهدت يومًا استثنائيًا أدى إلى تحول كبير لمصلحتها في الحرب العالمية الثانية.

بالمثل، وعلى الرغم من الآلام والجراح التي يعاني منها الشعب، يمكن القول بأن السابع من أكتوبر شكّل تحولًا استراتيجيًا حاسمًا لصالح القضية الفلسطينية، وبات يُعد خطوة مهمة على طريق تحقيق الحرية.. هذا التحول لم يُسلط الضوء على جرائم الاحتلال فحسب، بل أيضًا عمل على تغيير النظرة العالمية تجاه إسرائيل، وتآكل الصورة النمطية التي عملت على بنائها عبر عقود من الدعاية.

إن الطريق نحو تحرير فلسطين وتحقيق العدالة للقضية الفلسطينية لا يزال طويلًا، لكن السابع من أكتوبر يُشكل فصلًا جديدًا في هذا النضال، مُحفزًا الأمل في تغيير المشهد الحالي لصالح القضية الفلسطينية، في ضوء الخسائر الاستراتيجية التي يُعاني منها الاحتلال الإسرائيلي اليوم، فإسرائيل لم تعد قادرة على ترميم صورتها الأخلاقية لدى الرأي العام العالمي الذي تابع على مدار نصف عام جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، وعمليات القتل والتدمير غير المبررة تجاه الأبرياء، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على تبرير هذا السلوك الوحشي المتصاعد في ضوء مقاربتها الدائمة للوضع الفلسطيني مع الوضع الأوكراني، فالجيل الحالي في أمريكا والغرب عموماً لم يعد قادراً على إيجاد المبررات للسلوك الإسرائيلي في وقت يرفض فيه ما هو أقل من ذلك مما تقوم به روسيا في أوكرانيا على سبيل المثال.

ويبقى النقاش مفتوحاً حول مآلات السابع من أكتوبر، وما أحدثته وستحدثه في الخارطة السياسية محلياً وإقليمياً، وحتى على الصعيد الدولي.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...