“عادل إمام” في محكمة العدل الدولية!

بقلم: سليم عزوز

| 14 يناير, 2024

بقلم: سليم عزوز

| 14 يناير, 2024

“عادل إمام” في محكمة العدل الدولية!

تسلط هذه المقالة الضوء على الأداء الغريب المحامين الإسرائيليين في المحكمة الدولية، حيث يُظهر تقديم مرافعات لا تليق بمستوى المحكمة. يتناول المقال الحالات الكوميدية والمحزنة التي أظهرتها المحاماة الإسرائيلية، مع تسليط الضوء على أزمة في الكفاءة والتصور.

فضيحة المحاماة الإسرائيلية – حينما يتحول المحامون إلى مسخرة عالمية

قال: إن موكِّلي لم يسرق العِجْلة (مؤنث العِجل)، فقد كان يحمل البرسيم، فمشَت خلفه دون أن ينتبه لها، حتى إذا دخل بيته دخلت أيضاً، لتأتي الشرطة بناء على بلاغ من صاحب العِجلة، ويتم اتهامه بالتلبُّس بالسرقة! عندئذ نهره القاضي وهو يشير له أن المسروق عَجَلة (أي دراجة)، فأسقط في يده.. ومع أن الراوية ليست صحيحة وتروى من باب التندر، فإنها لا تكتمل إلا بالإعلان عن اعتزال المحامي المهنة، وموته بعد ذلك من فرط الحزن!

هذه قصة تروى في سياق الحديث عن نفر من المحامين، يرابطون في المحاكم انتظاراً لموكل بدون دفاع، ويُطلق عليهم في بعض الأقطار “محامو بير السلم”، ولأنهم لا يعرفون تفاصيل قضاياهم يقعون في أخطاء مثل حكاية “العِجلة”، و”العَجلة”، وقد أسرفت الدراما المصرية في التركيز على هذه النماذج، لاسيما أفلام عادل إمام، الذي قال في إحدى مرافعاته وهو في هذه الحالة: “ماذا أقول؟ وأي شيء يُقال بعد كل ما قيل؟ وهل قول يقال مثل قول قيل قبل ذلك؟”.

ووصل التندر للاسم، فكان المحامي في مسرحية “شاهد مشفش حاجة” هو خليفة خلف، خلف الله، خلف خلاف المحامي!

مسخرة من العيار الثقيل:

طفت هذه النماذج على سطح الذاكرة، بينما كنت أستمع إلى مرافعة ممثل إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بشأن القضية المرفوعة ضدها من دولة جنوب إفريقيا، حتى بدت مرافعته مسخرة من العيار الثقيل، لا تليق بالقضاء الدولي، ولا ترقى حتى إلى مستوى “محامي خلع”، وهو اسم الفيلم الشهير، الذي قام هاني رمزي فيه بدور المحامي!

لمَرَّتين، يشكو المحامي من أن هناك من تدخل وأفسد ترتيب مرافعته (عفريت من الجن)! ولو كان في محكمة جنح – أي محكمة صغيرة- لضجَّت القاعة بالضحك، ولحمل القاضي فأسه وضرب به على المنضدة، وهو يطالب الحاضرين بالتزام الهدوء، ويهدد بحبس من يخل بنظام الجلسات، لكن محامي الكيان الصهيوني كان محظوظاً، لأن من في القاعة هم من النخبة الوقورة التي لم تتفاعل مع هذا الابتذال!

وبحسب الدعاية القديمة عن الكيان وقدرته الفائقة، فإن المحامي عن إسرائيل كان المُنتَظر منه أن يرجّ القاعة رجاً بمرافعته، لكنه بدا متواضعاً للغاية في التقييم المهني، فكان فضيحة مكتملة الأركان، حتى تخيلتني وأحد قضاة المحكمة يسأله: هل أنت متخرج في كلية القانون؟ ولو كان في محكمة الزنانيري للأحوال الشخصية في مصر، لطلب القاضي منه إبراز هويته التي تفيد أنه بالفعل محام، وليس متخرجاً في كلية الزراعة مثلاً، أو خريج آداب قسم وثائق ومكتبات!

ركوب الهواء:

المحامي الجهبذ، الذي يترافع عن الدولة الرمز في المنطقة، ردد في مرافعته كلاماً تافهاً عن قطع حماس لرؤوس الأطفال، وأن أحد عناصر المقاومة اغتصب أسيرة إسرائيلية، وفي وضع الاغتصاب هذا قطع ثديها، ثم أطلق النار على رأسها فأرداها قتيلة!

هي ذاتها الأسطوانة المشروخة التي أتى بها نتنياهو في بداية العدوان، ورددها الرئيس الأمريكي، قبل أن يثبت أنها رواية من خيال رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو صاحب خيال محدود، ومع ذلك صدقه بايدن نظراً لأنه في سن يستوجب خروجه من الخدمة ليركن في دور للمسنين؛ وحري برجل يصافح الهواء أن تنطلي عليه هذه الرواية، فإنه لم يبقَ له من بقايا عقل إلا هذا الجزء اليسير الذي يحول دون انتقاله من مصافحة الهواء إلى ركوبه، ليكون مثل الدراويش في الموالد، فيهتف من فوره: “أركب الهواء”.. ولا أعرف سر حساسية هذه المنطقة بالذات لدى الدراويش، ورغم أني صوفي متقاعد لم أتوصل إلى هذا السر!

لقد أضحكت السردية الإسرائيلية التي صدقها بايدن الثكالى، ثم كان التوقف تماماً عن ذكرها، لأنها غير صحيحة وغير معقولة.. وعليه، فعندما يأتي الدفاع الإسرائيلي في محكمة بحجم محكمة العدل الدولية ويردد هذه الخرافات، فهذا يثبت أن شيئاً ما في أعلى الرأس قد توقف!

رغم محاولة التعتيم الإسرائيلي القسري على روايات الأسيرات السابقات لدى المقاومة الفلسطينية، فإن شهادتهن جاءت لتؤكد أنهن كن محتجزات لدى من هم فوق طبقة البشر، سلوكاً وأخلاقاً، ولا أعرف القواعد المنظمة لعمل محكمة العدل الدولية، ومدى سماح قانونها بسماع شهادة الشهود، فلو حدث هذا واطَّلع العالم على هذه الشهادات، لمثَّل دعاية لحركة حماس وللدين الذي تنتمي اليه!

المجانين في نعيم:

ومهما يكن، فهذه واحدة من التفاصيل غير المهمة للمحكمة، لتكوين عقيدتها بأن ما يحدث من عدوان إسرائيلي على غزة، استهدف البشر والحجر، والمستشفيات والبيوت، والصحفيين ورجال الإسعاف، يمثل في الحقيقة إبادة جماعية، وأنه “هولوكوست جديد”، ولهذا كان محامو الادعاء في ثقة من سلامة موقفهم القانوني، وكشفوا الإجرام الإسرائيلي على الهواء؛ لتأتي مرافعة وكيل المتهم في اليوم التالي مترنحة، حيث يكاد المريب أن يقول خذوني، وهو يستدعي ادّعاء قديماً، تجاوزه الممثل بشخصه وبصفته بعد أن سخر منه ومن بايدن عقلاءُ العالم، لكن من الواضح فعلاً أن المجانين في نعيم!

إن الاستمرار في التذكير بهذه الرواية كان يستوجب أن يُظهر الجانب الإسرائيلي صور الأطفال الذين قُطعت رقابهم، وصورة الأسيرة الإسرائيلية التي قتلها مغتصبها وهو يضاجعها، وأن يعلن اسمها لتتمكن الصحافة من الوصول إلى ذويها وأخذ معلومات عنها. ولأن الكذب ليس له “رجلين”، فقد أعرض نتنياهو وبايدن عن ترديد تلك “الخزعبلات”؛ ولكن محامياً – الأصل فيه أنه كبير- أتى بعد كل هذا ليعيدها إلى الواجهة، وفي قاعة محكمة دولية! وبهذا صار الكيان مسخرة، وبدت هذه الحرب كاشفة عن أزمة في الكفاءة، وأزمة في التصور، وتوقف العقل عن أداء وظيفته!

ومن حق الجناة أن يقولوا أي كلام لكي ينجوا من الإدانة، لكن أن يقبل محامٍ كبير على نفسه القيام بهذا الدور المهين، وأن يكون أضحوكة العالم، لاسيما وأن ما قاله لا يقدم ولا يؤخر ولا يغير في قناعة المحكمة، فهذا يعني أننا أمام إقدام إنسان على الحط من كرامة نفسه لقبوله القيام بهذا الدور!

إن الأمر كله كاشف عن هزيمة إسرائيلية أخرى، بعد هزيمتها يوم السابع من أكتوبر، وانكشافها الجديد أُتيح عبر محامٍ اختارته بنفسها ليترافع عنها، فإذا بالأداء فضيحة، وإذا بالردود لا تقنع صريخاً ابن يومين، وإذا بنا أمام الأستاذ خليفة خلف، خلف خلاف، خلف الله، المحامي.. فكنا ونحن ننظر إلى جلسة محكمة العدل في هذا اليوم، وإلى مرافعة محامي إسرائيل (المبعثرة أوراقه) كما لو كنا نشاهد مشهداً في مسرحية لعادل إمام!

أهذا آخر ما عندكم؟!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن

يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...

قراءة المزيد
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...

قراءة المزيد
أطفال غزة يصافحون الموت

أطفال غزة يصافحون الموت

إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...

قراءة المزيد
Loading...