علاج السرطان!

بواسطة | مارس 10, 2024

بواسطة | مارس 10, 2024

علاج السرطان!

تسلّط المقالة الضوء على صمت الرئيس الأمريكي حول إعلان اكتشاف علاج للسرطان، مقارنة بتفاصيل حرب غزة وميناء المساعدات. يكشف تحليل المقال عن الهيمنة الغربية وتضييق الأفق على البحث العلمي والإنسانية.

ربك يسلط أبداناً على أبدان، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض!

فلولا إعلان الرئيس الروسي بوتين عن بشرى تتمثل في توصُّل بلاده إلى اكتشاف علاج لمرض السرطان، ما كان الرئيس الأمريكي “هز طوله”، وتصرف على أنه رئيس منظمة الصحة العالمية، وأعلن عن توصُّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى علاج للمرض، وأنه جاهز للاستخدام الآن، وأن هذا العلاج نفذته الوكالة الأمريكية لمشاريع البحوث المتقدمة، وقد وصف الدواء بأنه ثورة.. إذاً، لماذا لم تعلن ذلك جهة الاختصاص؟!

هذا الإعلان، لم يثر اهتمام أحد، فقد ركز الناس في ما جاء في الخطاب بشأن الحرب على غزة، وتأكيد ما لا يحتاج لتأكيد عن انحيازه لإسرائيل في المعركة، كما شغل الناس “القرار المزيكا” عن إقامة ميناء مؤقت لتقديم المساعدات لسكان غزة، وقد أعلن أنها ستكون في حماية إسرائيل! وإذاً، لماذا لا تُرسل عبر المعابر؟ “ودنك منين يا جحا”؟!

الرئيس يروج لمقوٍّ جنسي:

الإعلان عن اكتشاف مذهل للسرطان، ذكرني بجريدة “الصباحية”، والمانشيت لها ذات صباح عن الرئيس الكوبي كاسترو، وهو يروج لمقوٍّ جنسي من اختراع بلاده، وكان هذا بعد سقوط الشيوعية التي ينتمي إليها كاسترو، وتفتت الاتحاد السوفيتي.. ولم يكن مانشيت الجريدة يقصد الترويج للمنتج بقدر ما كان القصد السخرية من أن يكون الأمر من اختصاص الرئيس، بيد أن “الفاضي يعمل قاضي” كما يقول المثل المصري (يجري تسكين الياء للزوم ما يلزم في الأمثال فتصبح قاضي لا قاضياً)!

كانت “الصباحية” إحدى إصدارات الشركة السعودية للأبحاث، وقد اكتمل بها التنوع، فلديها الجريدة السياسية الأم (الشرق الأوسط)، وصحيفة عن المرأة (سيدتي)، وصحيفة دينية (المسلمون)، وكانت الصباحية تجربة فريدة، لو دُعيت إليها لأجبت، لأنها جريدة يومية من القطع الكبير، ومع ذلك فهي اجتماعية وليست سياسية كما جرت العادة، ومن ثم جاء عنوانها الرئيس ذاتَ عددٍ عن العمل الجديد للرئيس الشيوعي ليتحدى بذلك الملل!

وقد أغلقت “الصباحية” مبكراً، بعد نشرها قضية “فتاة العتبة”، وهي الفتاة التي جرى التحرش بها في حافلة للنقل العام، وكانت قضية مشهورة، تعرضت للصحافة المصرية، وكذلك التلفزيون الرسمي، وأثارت ضجة كبرى.. وكان العرف مستقراً وقتئذ، على أن مثل هذه القضايا، وقضايا الآداب، تنشر في الداخل ويحظر نشرها في الخارج، حرصاً على سمعة مصر، ولهذا فعندما نشرتها “الصباحية” غضب النظام المصري، وكان إغلاقهاً ثمناً لإغلاق جريدة “مصر الفتاة”، التي تبنت دعوة العقيد الليبي معمر القذافي عن تدويل المقدسات!

عفواً لهذا الاستطراد، فعندما يهز الرئيس الأمريكي طوله، ويعلن عن اكتشاف علاج لمرض السرطان، وكأنه إنجاز من إنجازاته، فإن الأمر لافت، لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، والسبب هنا أن بايدن لا يروج لأمر من باب الدعاية الانتخابية له، ولكنه هنا يعبر عن القومية الأمريكية، ولا يريد لروسيا أن تسبق بلاده في هذا المجال!

المخابرات الأمريكية على الخط:

قد لا أكون متفائلا بهذا الإعلان، رغم قول بايدن إن العلاج جاهز للاستخدام الآن، وقد يُعجِّل الإعلان الروسي باحتواء واشنطن لموسكو، وتجاوز الصراع بينهما من أجل إخفاء العلاج من كلا الدولتين، فلم يدفع بايدن لهذا الإعلان سوى “الشديد القوي”، والتنافس الروسي الأمريكي، ولا تريد واشنطن أن ينسب هذا المجد للروس، فكان الإعلان عن علاج موجود فعلا، وفي مجال تتحكم فيه المخابرات الأمريكية؛ وتسأل: وما شأنها بالموضوع؟ لتكون الإجابة: هذا ما حدث فعلا!

في سنة 2017، أعلنت المخابرات المركزية الأمريكية عن التوصل لعلاج للسرطان، ولا شيء جد بعد هذا الإعلان رغم مرور سبع سنوات عليه، وليست هذه المشكلة، فالفضيحة الكبرى أن هذا الإعلان ليس أكثر من مجرد رفع السرية عن علاج وصف بـ “الخارق”، تم التوصل له سنة 1983، وأن المخابرات الأمريكية وقفت في طريق إعلانه!

وقد ذكرت صحيفة “ديلي ستار” البريطانية حينئذ، أنه كان من المأمول أن تمر وثيقة اكتشاف العلاج على الحكومة وشخصيات عسكرية ومسؤولين ذوي مستوى عال، ولكنها توقفت في مقر المخابرات الأمريكية ولم تخرج منه!

وتسأل عن سبب هذا المرور إلى شخصيات سياسية وعسكرية، وما شأن المخابرات الأمريكية بالأمر؟ لتكتشف في الأخير أن إعلان كشف السرية كان لدوافع سياسية عندما انتفت “لا حس ولا خبر” عن العلاج، لتستمر الهيمنة على علاج ينقذ الإنسانية من هذا المرض العضال، الذي يحصد الأرواح، ويحصد قبل ذلك المعنويات، ويكلف ميزانيات الدول والأفراد من أمرها رهقاً؟!

في عام 2019، تم الإعلان عن توصل طبيب مصري اسمه مصطفى السيد، يعمل أستاذاً بجامعة عين شمس، إلى علاج للسرطان بالذهب، وقد اكتمل تجريبه، ليوكل أمره لجهات الاختصاص الخارجية، ويموت بعدها، واكتفى الرجل ببيعه وقبض الثمن، فهذه الجهات التي بيدها عقدة الأمور، وهي تمنح التراخيص اللازمة لتداوله، وقد تم تكريمه لهذا الاكتشاف. فإذا كان غير مكتمل فلماذا تكريمه؟ وإذا كان اكتشافاً فما الذي يمنع تداوله حتى الآن؟!

قصة علاج فيروس سي:

الأمر يستوجب إعادة النظر في هذه الهيمنة الغربية على الترخيص لدواء ما، وأتذكر في هذا الصدد أن طبيباً مصرياً كان قد توصل مبكراً إلى علاج لفيروس التهاب الكبد الوبائي الذي انتشر في مصر، وكان الدواء الوحيد المعتمد – بتواطؤ بين الأطباء المتخصصين وشركة الدواء المنتجة له- يدمر المناعة، ولا يكون مفعوله إلا بعد ذلك، والذين نجوا من الموت بعد ذلك قلة، وقد تحولوا إلى هياكل بشرية في تطور سريع!

كان الكاتب الصحفي المعروف إبراهيم حجازي، قد كتب تجربته مع العلاج بعد شفائه، وعن طبيبه المعالج الذي توصل إلى علاج للمرض استخدمه معه، فنجا من الموت الذي قضى على كثيرين كانوا في مثل حالته واستخدموا العقار المتداول!

لقد أصيب أحد شباب الصحفيين بالمرض، فذهب إلى هذا الطبيب الذي أخبره أنه سيعالجه بالدواء المتداول، وعندما سأله عن اكتشافه، قال إنه غير قانوني، لأنه لم يحصل له على الترخيص اللازم، ولن يحصل عليه، وأن استخدامه سيجعله واقعاً تحت طائلة القانون، ثم أردف: لقد عالجت به إبراهيم حجازي لأنه يستطيع أن يحميني.. فهل تستطيع أنت حمايتي؟ ولأنه لا يملك حمايته، فقد خضع للعلاج بالدواء المعتمد، ليموت بعد ذلك.

لا أعول كثيراً على ما قال بايدن، فقد ينتهي الأمر بالتضحية بأوكرانيا، مقابل تراجع بوتين عن إعلان توصل بلاده إلى اكتشاف دواء فعال لمرض السرطان!

ثم يتحدثون عن الإنسانية والتحضر.. ما أقبحكم!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...