عناكب النخب العربية

بواسطة | نوفمبر 3, 2023

بواسطة | نوفمبر 3, 2023

عناكب النخب العربية

في محن الدنيا العظيمة، يظهر حقيقة الإنسان وضمائره. حرب غزة تُشكل امتحانًا حقيقيًا للإنسانية وتكشف النقاب عن الوجوه والمواقف المتناقضة.

حرب غزة – اختبار حقيقي للإنسانية وانكشاف الوجوه

في المواقف العظيمة يظهر الرجال العظام.. فالإنسان موقف يُختبر وقت المحن، محن الدنيا العادية؛ وحين تكون المحنة إنسانية كبرى تتعلق بالضمير الإنساني والاختبار الإلهي، وقتذاك تظهر حقيقة الإنسان جليّة للعالمين، ويظهر ضميره فيُعرف إن كانت عائدات الزمن قد أصابته بعطب، أم إنه ما زال يضيء.

حرب غزة كانت الاختبار الحقيقي لضمائر الناس وعقائدهم وإنسانيتهم وعروبتهم أيضا، فلسطين هي البوصلة.. هي الكاشفة.. هي الفاضحة لتلك الوجوه الملونة التي تعيش بيننا، تأكل خبزنا نفسه، وترتاد مدارسنا ومنتدياتنا ومجالسنا ذاتها، وتطالبنا ليل نهار بالحرية للمثليين، بالحرية للسادة الحكام، بالدفاع عن حق الإنسان في اختيار دينه وحياته، بحق الفتاة في أن ترتدي ما تشاء.. وعندما وقعت حرب غزة، وطالب أهلها بحقهم في الحياة، نعتهم أدعياء الحرية والحق الإنساني أولئك بأنهم إرهابيون باعوا بيوتهم، وأنهم هم من استدعوا إسرائيل لقتل أطفالهم ونسائهم!

لم تكن تلك العناكب التي حملت هذا الخطاب سوى خيوط ممتدة لكنها واهنة لأدعياء الحرية في الغرب، سادتهم الذين صدعوا رؤوسنا ليل نهار بالحرية والديمقراطية، فإذا بإعلامهم يبرر لإسرائيل قتل الأطفال والنساء.. لم يقف حتى على الحياد، لم يحرص على المهنية التي يطالبنا بها طوال الوقت، وراح ينسج القصص الخرافية عن الفلسطينيين الذين يقطعون رؤوس الأطفال، بينما العالم كله يشاهد جثث الأطفال المحترقة في غزة في بث مباشر، ومع ذلك استمر الغرب في روايته، متعلقًا بإرث الحكايات الخرافية للمستشرقين، الذين صوروا الشرق بلادا تركب الجمال وتستبيح النساء وتمارس العنف مع المختلف عنها.
لم ينتبه الغرب إلى أن ما يحدث في غزة هو تجسيد واقعي لما ينتقده بكلماته التي نسمعها دائما في مجالس الأمم؛ مثل التصفية، التطهير العرقي، القتل على الهوية، تهجير الناس من بلادهم.. فهل ما يحدث في غزة مختلف عن ذلك في شيء؟!

مساحة غزة 56 كيلو مترا مربعا، وفيها يعيش أكثر من مليوني مواطن، فهل تتخيل حجم الكارثة في الكثافة السكانية؟ هل يعني ما يحدث أن إسرائيل تريد توزيعا عادلا للسكان، فقررت قتل نصفهم بالقنابل والصواريخ؟!. خارج هذه المساحة تتحكم إسرائيل بمداخل ومخارج المدينة، ودخول الغاز والكهرباء، والأكل والدواء، ولم يتبق إلا أن تتحكم بالهواء الذي يدخل أو يخرج من المدينة! ومع ذلك الحصار تطلق صواريخها وقنابلها بحجة القضاء على حماس، بينما هي تمارس القتل اليومي للمدنيين، وأغلبهم من النساء والأطفال.

إذا كانت حجتها حماس، وتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، فقد قامت قبل ذلك بعدة عمليات لتحرير أسرى لها دون استخدام القنابل والصواريخ، كما فعلت لتحرير 100 يهودي في أوغندا تم اختطافهم بالطائرة الفرنسية التي تقلهم عام 1976، وطلب الخاطفون منهم تحت حماية عيدي أمين دادا الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، واستطاعت إسرائيل تحرير الرهائن في عملية عنتيبي؛ فلا داعي لخداعنا بالقول إن هدفها الرهائن في غزة، إلا إذا كانت ترى المقاومة الفلسطينية أقوى وأذكى من جيش الدفاع الإسرائيلي.. ربما في هذه الحالة نحاول أن نفهم، لكننا سنتوقف لنسأل: هل المستشفيات والمدارس والبيوت التي تهدم على ساكنيها هي ملك للمقاومة؟! هل الأجنة الذين يقتلون في بطون أمهاتهم أعضاء في حماس؟!

فشلت إسرائيل في تقديم حجة مقنعة أو رواية تُصدَّق حتى من الغرب الذي يرعاها، بعدما أميط اللثام عن جرائمها ضد المدنيين، ولم يعد هناك من يصدق هذه الترهات ويدفع بها سوى عناكب النخب العربية، التي تتخندق مع إسرائيل ضد كل ما هو فلسطيني.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...