عندما تصبح نهباً للألم
بقلم: هديل رشاد
| 26 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: هديل رشاد
| 26 فبراير, 2024
عندما تصبح نهباً للألم
في وطأة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، تشكّل الآلام صورة مأساوية لصرخة الجسد المنهك. ترافق الآلام معاناة الفلسطينيين، فتتسلل إلى أعضاء الجسد كالهم القاتل. هذا المقال يسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين وتجاوزات الاحتلال، كما يحمل شهادات حية على الصمود والألم المستمر.
آلام فلسطين – صرخة الجسد المنهك تحت وطأة الاحتلال
هل جربت مرّة أن يغتالك جسدك؟! أو هل فكرت كيف يمكن أن تقع ضحية آلام جسدك التي فُرضت عليك؟ فأنت لم ترحب بها، لكنها اقتحمت جداره عنوة دون سابق إنذار، كسرت قواعد الاستئذان كلها وضربت بمواثيق الخصوصية عرض الحائط، كما دولة الاحتلال التي انتهكت القوانين والمواثيق الدولية مستبيحة كل غزة في حربها عليها، المتقدة منذ خمسة أشهر.
فقد استباحت الآلام أعضاء جسدك من أخمص قدميك حتى رأسك العصيّ على الانصياع لأحد حتى بات مهزوماً أمام الألم؛ في كل لحظة ينهبه التفكير في مآلات هذا الألم الذي يعيث فساداً في جسدك، غير مستجيب لأي أقراص مسكنة للألم، كمن يخرج لك لسانه ويتفنن في استفزازك وإغاظتك، وأنت تقف موقف العاجز لا تقوى على نهره حتى يتوقف عن سلوكه النزق، لتمضي الساعات معتقداً بأنَّ المشكلة ستنتهي مع أول رشفة من فنجان قهوتك الصباحية، التي عادة ما تملأ المكان برائحة بُنِّها المحمص لتوه، ثم يتبدد ما أنت واهم به مع هذه الرشفة التي عقدت عليها آمالا، كما عقد الفلسطينيون آمالهم على الدول العربية والإسلامية في إنقاذهم من جرائم تتوالى عليهم، وإبادة جماعية يحيونها منذ خمسة أشهر.
تعود إلى فنجالك ثانية مرتشفا رشفة أخرى مستمتعا بوحدتك، ترشف رشفة تملأ صدى الغرفة التي تجلس فيها علَّها تصل إلى آخر شريان في دماغك وتنجح في مهمتها بإيقاف الألم الذي بات يفتك بك، وخلال تلك الرشفة يباغتك صوت القصف الجائر الذي يحياه سكان قطاع غزة يومياً، حتى إن اليوم الذي يمضي دون صوت طائرات، وقصف هنا وأشلاء هناك، أصبح يوما غير اعتيادي طبقا لمقولة المفكر الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي “من اعتاد على القلق ظن أن الطمأنينة كمين”، وأظن أن المقولة تنطبق على سكان قطاع غزة على كلا الوجهين، فمن لم يمت بالقصف مات قلقا مما سيواجهه.
وفي لحظة ما أعود متجمدة لثوان أراقب.. هل تقلَّص حجم الألم؟ هل كانت رشفة القهوة التي أيقظت جيراني ذات جدوى؟ أكان لها أثر أم إنها لم تحرك ساكناً؟ أراقب لأشعر بقليل من الاسترخاء لكنه سرعان ما يتبدد، وكأن ذلك لم يكن إلا فخاً لي ولمشاعري. وأستذكر في هذه اللحظة هند رجب، هديل أبو القرع، عماد حازم، وريم روح الروح وشقيقها طارق، و…، و…، وآلافا غيرهم ممن استهدفهم القصف الإسرائيلي بلا رحمة، وذنبهم الوحيد أنهم فلسطينيون، ذنبهم أنهم أحبوا الحياة إلا أنَّ الحياة لم تحبهم، فما الذي شعروا به في لحظاتهم الأخيرة؟! ما الذي كانوا يفكرون به وهم يسترجعون بأقل من الثانية شريط ما عاشوه، والذي كان أغلبه سنوات بين رائحة الموت والبارود؟! لكن ما عاشوه كان يتخلله مع ذلك بعض من الحياة التي نسجوا لها مساراً يليق بهم، وهم أهل غزة العزة وفلسطين الأبية، التي تكاد نسبة الأمية فيها أن تكون صفرا.
فجميعهم – رغم صغر سنهم- أبناء الطموح وحب الحياة، بل كانوا يصنعون حياة مبهجة كي يكبروا على آلامهم وجراحهم، التي ما تكاد أن تبرأ حتى ينكأها ثانية هذا الاحتلال، الذي لا أجد في قواميس اللغة العربية مجتمعة وفي بطون أمهات الكتب وصفاً لممارساته، فممارساته فاقت الوصف ولم يعد يكفيها القول إنها وحشية أو همجية أو فوق القانون أو حتى لا إنسانية، نازية متخففة من كل معاني الرحمة، تكشف عن كمٍّ من الاعتلالات النفسية، أقل ما فيها السيكوباتية (Psychopathy) ، ذلك الاعتلال النفسي الذي يكشف عن اضطراب في الشخصية يتسم باستمرار السلوك المعادي للمجتمع وضعف التعاطف والندم.
هذه هي حقيقة جنود الاحتلال الإسرائيلي، حقيقتهم التي قادت رؤساءهم إلى خرق القوانين والمواثيق المتبعة في حالة الحرب، فلم يسلم مستشفى ولم تسلم مدرسة، ولم يسلم جامع ولم تسلم كنيسة من تبعات هوس البقاء في السلطة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي “النتن ياهو” – وفقا لمحللين سياسيين- يدير الحرب بدوافع سياسية شخصية، وخصومه لا يتهمونه فقط بالإخفاق في تحقيق أهدافها، بل بالوقوع رهينة لوزراء اليمين المتطرف الذين يشتري بقاءهم بجواره بأي ثمن، حتى لا تنهار حكومته التي تراجعت شعبيتها بحسب استطلاعات الرأي.
ختاماً
عدتُ من جديد إلى فنجالي لأشهد على ضعفي وبؤس حالي، فكل هذا الجسد لم ينصفني لأتعافى من آلامي، وظننت الأمر ينقضي بقرصٍ مسكنٍ للألم، أو فنجان قهوة يسكّن آلام روحي ولو للحظات، لكني تيقنت بأنني أنزف، فما نفع القهوة والقرص المسكن لإيقاف نزف دمي؟ أضحيت أسبح ببركة من الدماء إلى أن شعرتُ بما شعرتْ به هند رجب وهديل أبو القرع وريم روح الروح والآلاف غيرهم، حتى استيقظت من نومي وعلى واقعي الذي لن تنفعه كل أقراص تسكين الألم، ولا أطنان القهوة المصدرة حول العالم.. وبقي لي حلمي بأن أشهد انتصار وطني، والصلاة في مسجده الأقصى محررا من أغلال الاحتلال.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
شكرا أستاذه هديل على الابداع اللغوي و طرح المقال اليوم بنمط الرواية هو بحد ذاته إيداع يفوق الخيال