عندما يحكم الغباء.. نجلاء المنقوش نموذجاً

بواسطة | سبتمبر 3, 2023

بواسطة | سبتمبر 3, 2023

عندما يحكم الغباء.. نجلاء المنقوش نموذجاً

لو رأينا رئيس الحكومة الليبية يمشي على الماء، ويطير في الهواء، ثم أقسم على الماء فتجمد بأنه لم يكن يعلم بجريمة وزيرة خارجيته “نجلاء المنقوش” لقاءها بنظيرها الصهيوني، وأن “المنقوش” قامت بمثل هذه اللقاءات من وراء ظهره وظهر حكومته؛ لما صدقه أحد، ولافتقد هو وحكومته -إن صح هذا- شرط الكفاءة للحكم؛ وإن كانت الحكومة كلها “بربطة المعلم” -الذي هو سيادته- مدانة، عندما تبدو كالمخدوع في فيلم “الزوج آخر من يعلم”.
بيد أننا لا نرى الأمر كما أرادت الحكومة أن تسوقه، ولم نكن بحاجة الى بيان من مكتب وزيرة الخارجية يقول إن اللقاءات تمت بموافقة رئيس الحكومة؛ فمن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يتلاوم القوم، وقد تبدت العورات للناظرين، الأمر الذي يؤهلهم للمحاكمة بتهمة الغباء السياسي!.
لولا النظير الصهيوني لـ “المنقوش”، لما أمكن للرأي العام أن يقف على “المباحثات السرية”، التي لا نرى مبررا لها، فليبيا ليست في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، والجيش الليبي لا يقف على الجبهة وخط النار في مواجهة جيش الاحتلال، ومن هنا فإن من قام بهذه الفعلة الشنعاء، كان يبتغي العزة عند القوم، شأن كل الحكام الجدد الذين يفتقدون الخبرة، ويفتقدون المبادئ الحاكمة، التي تحول دون ذهابهم إلى مثل هذه “المباحثات السرية” محلقين ومقصرين، وعلى أساس أن إسرائيل ستقربهم إلى البيت الأبيض زلفى، على نحوٍ يمكّنهم من الاستمرار في السلطة، والحصول على شرعية بديلة عن الشرعية التي تمنحها الشعوب؛ ولو امتلكوا القدرة على التفكير والتدبير، لعلموا أنهم كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه!.
تجربة البرهان وحميدتي
أولو الأمر منهم في تل أبيب، لم يعودوا -كما كان الحال من قبل- يوافقون على إجراء مباحثات سرية، قد تنشر بعد سنوات طويلة في مذكرات القادة بعد رحيلهم، فهم يرون بلدانا في المنطقة تتقرب إليهم بالنوافل، ومن هنا قرروا اللعب على المكشوف، وقد حصل هذا في لقاءات سابقة مع مسؤولين عرب، فضحها القوم وأعلنوا عنها.. فتصوُّر “المنقوش”، ورئيس حكومتها أن أمرا كهذا سيكون في طي السرية والكتمان، هو تصور أبله، وأداء بدائي ممن وسد لهم الأمر في غفلة من الزمان!.
لقد تنافس الغرماء في السودان بعد الثورة على ممارسة التطبيع واللقاءات السرية، لكن الكيان الصهيوني كشفها، فكان القرار هو “اللعب على المكشوف” بعد زيارة وفد سوداني لتل أبيب، ثم استقبل عبد الفتاح البرهان إسرائيليين في السودان، وقال إنه يسعى إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل (وكأنه معها في حالة حرب)، وأنه يسعى إلى علاقات مثمرة معها، وتقمص شخصية السادات وهو يقول إنه مستعد لزيارة إسرائيل إذا تمت دعوته!.
وإذ بدا غريمه حميدتي كالأطرش في الزفة، وأعلن عدم علمه بهذه اللقاءات والزيارات المتبادلة، فقد اندفع لكي يلتقي بضباط في الموساد الإسرائيلي، في لقاءات سرية أيضا، فضحها الجانب الإسرائيلي!.
اللافت هنا أنه كلما اندفع أحدهم في هذه “السكة البطالة”، وتبدت عوراته للناظرين، وجد من يبررون له، من بعض المواطنين الذين قد تكون ثقافتهم قائمة بالأساس على رفض ذلك، فلم يكن غريبا أن شيعة البرهان من إسلاميين أنهكتهم المحنة فاستقووا به في مواجهة خصمهم السياسي، يندفعون لتبرير الجريمة، ويطرحون السؤال: لماذا نلوم البرهان، وبلادنا أول من أقام معاهدة سلام مع إسرائيل؟ كما أقدم يساريون قام نضالهم على النضال ضد الاحتلال، على التبرير لما فعله حليفهم حميدتي، لأن مثل هذه العلاقات ستقوي مركزه، وقوته قوة لهم، وهم يريدون الحكم بدون إرادة الناس، ويكون الرد: لماذا تلومون على السودان تطبيعه وأنتم في سلام مع إسرائيل؟ وكأننا نحن السلطة المصرية!.
إنه نوع من المرافعة يبديها محامو بئر السلم في المحاكم، عندما يتفق معهم المتهم قبل نظر القضية بلحظات، فلا يعرفون ملابساتها، فيقولون كلاما خارج السياق، على النحو الذي عبرت عنه بعض الأفلام والمسرحيات المصرية.
المعاهدة المصرية
أما أن مصر أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل، فلأنها كانت في حرب معها، خلفت أرضا تحت الاحتلال، لم تحرَّر بحرب أراد لها السادات منذ اللحظة الأولى أن تكون حرب تحريك لا تحرير، وإذ حركت حرب أكتوبر الوضع، فقد رأى السادات أن يبرم هذه المعاهدة، لكنها ظلت مرفوضة من الضمير الوطني العام، ومن الأغلبية الساحقة في الوطن العربي، ودفع السادات نفسه حياته ثمنا لذلك، عندما برر قتلته ذلك، فكانت هذه المعاهدة على رأس ما سوقوه من دوافع!.
ثم إن المعاهدة لم تنجح إلى الآن في تطبيع العلاقات بين الشعب المصري وإسرائيل، فظل التطبيع على مستوى السلطة، وعبر بعض وحداتها لا كلها؛ ففي عهد مبارك طبّعت وزارة الزراعة، لكن وزارة الثقافة رفضت دائما فكرة التطبيع ولو بمجرد مشاركة الإسرائيليين في معرض الكتاب، حصل الأمر مرة واحدة فقوبل برفض شعبي واسع فتوقف، وعندما أقدم كاتب (علي سالم) على زيارة إسرائيل، شملته المقاطعة وظل لسنوات، كانت ما تبقى له من عمر، يبرر ويدافع، ويحاول إقناع الناس بسلامة موقفه، وعندما أقيمت جمعية بغرض التطبيع قاطعها المصريون.. ومهما يكن، فنحن الشعب ولسنا الحكومة، ليسوق البعض هذا الدفع لتبرير الجريمة عندما يرتكبها من يؤيدونه أو يتحالفون معه، ومن اليسار إلى اليمين، فيا قلب لا تحزن!.
دفعٌ كهذا بدأ يسوقه البعض في ليبيا عندما تم الإعلان عن مباحثات “المنقوش” السرية، لكن الشعب الليبي في عمومه أثبت أنه صاحب ضمير حي، وليس معنيّا بما تقوله الكائنات الانتهازية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى عزل الوزيرة، تخلّصا من الجنين من أجل راحة الأم، مع أن الأم مدانة بحسب بيان الوزيرة المتهمة، وهذا الموقف الشعبي الصلب، هو ما دفعها للهروب خارج البلاد خائفة تترقب، قيل إلى تركيا، وقيل إلى لندن.. وهذا موقف يُذكر لهذا الشعب فيُشكر!.
إن بعض الأنظمة الجديدة، التي تفتقر إلى الخبرة افتقارها إلى المبادئ الضابطة لتصرفاتها، تبحث عن شرعيتها في صندوق القمامة، معتبرةً إسرائيل هي البوابة إلى البيت الأبيض، مع أن التجارب أثبت فشل هذه النظرية. ولن نذهب بعيداً لنقول إن إرادات الشعوب هي الأساس، فالشعب المصري أسقط كنز إسرائيل الإستراتيجي، وفرض على الولايات المتحدة الأمريكية أن تغير موقفها منه، وفي اليوم الأول للثورة قالت هيلاري كلينتون إن النظام في مصر قوي ومستمر، ثم صار الخطاب الرسمي “فليرحل الآن”!.
فها هما حليفا إسرائيل في السودان يتقاتلان، فلم يشفع للبرهان أن قال إنه مستعد لزيارة إسرائيل إذا وجهت له الدعوة، كما لم يشفع لحميدتي أن التقى بضباط من الموساد.
إنه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وما هو بماء!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...