عن اضطهاد الأقليات!

بواسطة | أغسطس 2, 2023

بواسطة | أغسطس 2, 2023

عن اضطهاد الأقليات!

في جميع أنحاء العالم، هناك أقليات مكروهة وممقوتة ومضطهدة!.
يمثل اليهود أقل من 1% من سكان العالم، إلا أنهم ما حلوا بأرض، إلا وناصبتهم الأغلبية العداء؛ فعلى مرِّ قرون عديدة، ظل اليهود في أوربا وروسيا مبغوضين، ووصلت البغضاء ذروتها بوصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا، وهو الذي قرر أن السبيل الوحيد للتخلص من جنس اليهود يكون بإبادتهم، فكانت المحرقة (الهولوكوست)؛ ولولا التقتيل والتنكيل المنهجي باليهود في ألمانيا النازية، لما قامت إسرائيل كأول دولة في تاريخ البشرية يتقرر إنشاؤها بـ”التصويت”، فتوطين اليهود في فلسطين من قبل الدول الغربية وروسيا، كان من باب التكفير عن ذنب اضطهادهم، فقد رأت تلك الدول في إبعاد اليهود الأوربيين بالجملة إلى فلسطين سدا للذرائع، ومنعا لعمليات إبادة جماعية لهم قد تحدث مجددا. ويزعم اليهود أنهم ظلوا مكروهين ومضطهدين في الدول المسيحية بسبب ديانتهم، في حين أن المسيحي يقبل بمعظم ما جاء في التوراة، بل إنه يسمي التوراة “العهد القديم”.
وعلى مر العصور كانت الدول الإسلامية الملاذ الآمن ليهود أوربا، وحتى في البلاط العثماني كان هناك مستشارون يهود، بل كان معظم سفراء البلاط في العواصم الأوربية إما يهودا، أو مصحوبين بمترجمين يهود؛ وكان اليهود قبل قيام إسرائيل معززين مكرمين في مصر والسودان والعراق واليمن والمغرب، لكن بدأ بعد ذلك تنامي الكره الشعبي لإسرائيل مع تنامي نزعاتها العدوانية تجاه جيرانها العرب، والكره الذي تنامى هو الشعبي العربي لا الرسمي، فوجود إسرائيل مبرر لاستمرار العديد من الطغاة العرب على كراسي الحكم، ولو زالت لزالوا.
ورغم كل ما يقال عن الإسلاموفوبيا في الدول الغربية، فإنك لن تجد فيها منظمة معنية باضطهاد المسلمين، ولكن ما من بلد أوربي إلا وفيه تنظيم ضخم العضوية للنازيين الجدد، الذين يعتبرون اليهود جرثومة يجب استئصالها؛ وعداء الغربيين المسيحيين المعاصرين لليهود، مردُّه أن ولاءهم لإسرائيل وليس للأوطان التي يعيشون فيها، ولأنهم يملكون قوة مالية -وبالتالي سياسية- تفوق وزنهم السكاني، ويحتكرون في بلد مثل الولايات المتحدة أقوى وسائل الإعلام وشركات الإنتاج السينمائي، ويستطيعون من ثم التلاعب بالرأي العام والتأثير عليه، بما يوافق أهواءهم لا هوى المواطن الأمريكي.
وإذا استعرضنا في عجالة حال الأقليات في مختلف القارات، وجدنا مثلا أن الصينيين مكروهون في إندونيسيا وبورما (ميانمار) والفلبين، لأنهم لا يشكلون ثقلا سكانيا، ومع هذا يسيطرون على الصناعة والتجارة في تلك البلدان، وهم رغم طول البقاء في تلك البلدان عاشوا منعزلين عن أهلها، وعازفين عن الانصهار في الثقافات المحلية، كما حال اليهود في أوربا، ولذا تعرضوا مثلهم لمجازر بشعة؛ ولكن الأمر لم يكن يهم أوروبا وأمريكا، ولذا لم تحظَ تلك المجازر باسم “إبادة بشرية”.
وفي بقعة أخرى من العالم كانت أبشع مجزرة بشرية خلال القرن العشرين، تلك التي شهدتها رواندا في تسعينات ذلك القرن، فراح ضحيتها قرابة مليون شخص في غضون أشهر معدودة، وحدث ما حدث لأن بلجيكا خلال حكمها لتلك الدولة، قامت بـ”تدليل” قبيلة التوتسي قليلة العدد، ووفرت للمنتمين إليها فرص التعليم والتجارة، وعند الاستقلال تسلم التوتسي زمام أمور السلطة والثروة، فكان من المحتم أن تثور الأكثرية على الأقلية، وكانت الثورة الهمجية الهوجاء التي كادت تسفر عن إبادة “السادة” التوتسي إبادة كاملة.
ثم انظر إلى أمريكا اللاتينية التي خضع معظمها للاستعمار الإسباني أو البرتغالي، فرغم أن سكان القارة الأصليين الذين تعرضوا لإبادة جماعية هم من نسميهم اليوم “الهنود”، ورغم أنهم مع السود الذين تم استجلابهم من أفريقيا كعبيد يمثلون غالبية سكان القارة، باستثناء الأرجنتين وتشيلي، فإن الثروات ودواوين الحكم ظلت خاضعة للمنحدرين من أصول إسبانية وبرتغالية، وقد انتبهت الأقليات في بعض دول أمريكا اللاتينية إلى عدم جواز احتكار مهاجرين شؤون الحكم والاقتصاد، فأوصل الفنزويليون هوغو شافيز إلى الحكم، وفي بوليفيا حصل مثل ذلك وفاز إيفو موراليس بالرئاسة، فحاق بهما غضب الولايات المتحدة.
ورغم أن جميع دول غرب أفريقيا خضعت لقرون إما للحكم الفرنسي أو البريطاني، فإن شعوب تلك البلاد صار حالها -كما يقال- “تشوف العمى ولا تشوف اللبنانيين”، الذين وصل بعضهم في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل وأوسط القرن العشرين الى غرب أفريقيا، وما إن تم اكتشاف معادن ثمينة مثل الذهب والماس في غرب أفريقيا، حتى تمكن بضعة لبنانيين من وضع أيديهم على تلك المعادن، فأثروا وعاشوا مرفهين منعمين في قلاع محصنة، لا يخالطون شعوب المنطقة، بل بلغ النفوذ ببعضهم أنهم صاروا ذوي كلمات نافذة في تصريف شؤون الحكم هنا وهناك؛ وفكر الفقراء في الفوز بنصيب من كعكة ثروات بلدانهم، فحملوا الفؤوس والسكاكين والبنادق واستهدفوا اللبنانيين، ولما هجر اللبنانيون بلدانهم انقلب بعض أولئك على بعض في سيراليون وليبيريا، فكانت مجازر توازي إلى حد كبير ما شهدته رواندا.
وتعالوا ننظر حالة دولة مثل الولايات المتحدة، فرغم أنها “دولة عظمى”، ونصبت نفسها وصية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنها أكثر دولة مكروهة على مستوى كوكب الأرض، وكل الشواهد تؤكد أنه حتى حلفاء أمريكا في أوروبا يكرهونها؛ وهل قام الاتحاد الأوربي إلا لتشكيل كتلة قوية تقابل أمريكا على الشاطئ الآخر من المحيط الأطلسي؟ وهل تم طرح عملة أوربية موحدة (اليورو) إلا كترياق مضاد للدولار الأمريكي، الذي هو العملة التي تقاس في ضوئها قيمة سائر عملات العالم وسلعه الأساسية ومواده الخام؟.
نجحت أمريكا بالتخطيط الاستراتيجي وسياسة النفس الطويل، في تدمير منافسها الأوحد، الاتحاد السوفييتي، وصارت المُصَدِّر الأكبر لـ”ديمقراطية السوق” وما يسمى بالعولمة، وكان هدفها الذي حققته من وراء ذلك تحطيم وتفكيك الدول الضعيفة، أو جعلها مجرد منتجٍ للمواد الخام وسوقٍ للسلع الأمريكية؛ فكان أن أنشأت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ثم سيطرت على تقنية المعلومات، حتى صار لا يُرى في عالم اليومي شخص لا يتعامل مع مايكروسوفت أو آبل أو أمازون أو فيسبوك؛ وبعد بسط السيطرة على أسواق المال والسلع والخدمات والمعلومات سيطر الأمريكان شيئا فشيئا على أذواق الناس في كل القارات، فصار مايكل جاكسون أشهر من ماو تسي تونغ في الصين، وليدي غاغا أشهر من غاندي في الهند، وما من عاصمة كبرى في العالم إلا وسعت لاقتناء نسخة من مدينة ديزني أمريكية المولد والنشأة؛ كل هذا وعدد الأمريكان أقل من ثلث عدد سكان الهند، أي أن الأمريكان أقلية وسط أكثر من ستة بلايين شخص في عالم اليوم، وبالتالي فهم مكروهون لأن ما بأيديهم من مال وسطوة وقوة لا يتناسب و”حجمهم الإحصائي”.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...