عن قفزة “المُقاوِم”
بقلم: خليل العناني
| 28 ديسمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 28 ديسمبر, 2023
عن قفزة “المُقاوِم”
التأثير الإعلامي للصورة على وسائل التواصل
تعتبر صورة الشاب الفلسطيني الذي أصاب دبابة “ميركافا” الإسرائيلية بقذيفته، والتي أشعلت فيها النيران، من اللحظات التي ستظل خالدة في الذاكرة. يرافق هذا الفعل البطولي مزيج من المشاعر، بين الفرح والانتصار، يعكس إصرار هذا الشاب على مواجهة إحدى أقوى الجيوش في المنطقة. يتناول هذا المقال تحليل الصورة وكيفية تأثيرها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يسلط الضوء على الجوانب الروحية والإيمانية التي تدعم المقاومة الفلسطينية.
ستظل صورة ذلك الشاب الفلسطيني، الذي كان يقفز فرحا وبهجة بعد أن أصابت قذيفته دبابة “ميركافا” الإسرائيلية، ودمرتها وأشعلت فيها النيران، حاضرة في الذاكرة لوقت ليس بالقصير؛ وهي صورة تعكس مزيجاً من مشاعر الفرح والانتصار والإحساس بالفخر بما حققه وأنجزه ذلك الشاب، الذي يحارب واحداً من أقوى الجيوش في المنطقة تأهيلاً وتسليحاً، تدعمه وتقف خلفه أكبر قوة عسكرية في العالم، وهي الولايات المتحدة.
ولذلك فقد انتشرت صورة ذلك الشاب بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، واحتفى بها كثير من الشباب العربي الداعم للقضية الفلسطينية، وزينوا بها صفحاتهم طيلة الأيام الماضية.. هي قفزة الثقة، والإحساس بالنصر على عدو يمتلك كافة أدوات القتال وأحدث أنواع السلاح، ولكنه لا يدافع عن قضية عادلة كما يدافع ذلك الشاب الفلسطيني، وهي صورة سوف تنضم إلى صور كثير من المعارك التي تجري رحاها حالياً في قطاع غزة، وتوثِّق لنا على مدار الساعة طبيعة المواجهة بين المقاومة وجيش الاحتلال.
الجانب الروحي والإيماني للمقاومة
وحقيقة الأمر، أنه لا يمكن تفسير ما يجري في غزة حالياً من معارك وملاحم ومواجهات ضارية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وفق المعادلات المادية، التي تقيس الأمور من خلال حجم العتاد ونوع السلاح وطبيعة الجنود فحسب؛ ولو كان الحكم لهذا المنطق المادي لما نجحت المقاومة الفلسطينية في الصمود لأكثر من شهرين في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستخدم كافة أنواع الأسلحة المتقدمة، بما فيها الأسلحة المحرّمة دوليا كالفسفور الأبيض، بل لما نجحت أصلاً في اختراق إسرائيل بكافة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية في السابع من أكتوبر الماضي، ولما تفوقت عليها في ضربة لا تزال تل أبيب تحاول معرفة تفاصيلها وأبعادها، وتحسب تداعياتها.
ولذلك فإن ثمة منطقاً آخر، أو بالأحرى أخروي، لا يمكن تجاهله في هذه المعادلة، بل لعله الأكثر أهمية في تماسك المقاومة وبقائها حتى الآن، وهو ما يفسر صورة ذلك المقاوِم الذي قفز فرحا.. فكيف يمكن لشاب مقاتل يرتدي ملابس بسيطة و”شبشب”، يحمل قذيفة محمولة على الكتف ولا يتعدى سعرها بأي حال مئتي دولار، يصوّبها باتجاه دبابة “ميركافا” التي يصل ثمنها إلى حوالي سبعة ملايين دولار، فيدمِّرها ويشعل بها النيران؟ وكيف يمكن له أن يصوّب، من على بعد مئات الأمتار، باتجاه مدرّعة أو جرّافة أو قوة مترجلة إسرائيلية فيحرقها، ويصيب من بداخلها فيوقعهم بين قتيل وجريح، وذلك رغم العتاد والسلاح المتقدم الذي يتوفر لها؟ بل كيف يمكن له أصلاً أن يقترب باتجاه هذه الأهداف بلا تردُّد، ودون خوف من أن يصيبه مكروه، أو أن يستشهد قبل أن يحقق هدفه؟ والأكثر من ذلك، كيف يمكن لحركة أو فصيل عسكري محاصَر منذ ما يقرب من عقد ونصف أن يصمد في هذه المواجهة حتى الآن، دون أن يتمكن العدو من هزيمته؟ لذلك فإن ما يجري في غزة هو أقرب للخيال والإعجاز، ولا يمكن بحال قياسه بالمقاييس المعتادة في مثل هذه الصراعات.
ثمة منطق آخر، ومعادلة لا يمكن التعامل معها بالحسابات المعروفة؛ فهؤلاء الشباب الذين يرتدون أبسط الملابس، لم يذهبوا للأكاديميات العسكرية الكبرى، ولم يتدربوا على أحدث الأسلحة كطائرات إف ١٦ أو إف ٣٥، ولم يُصرف عليهم واحد بالمائة مما يُصرف على جنود جيش الاحتلال إعداداً وتأهيلاً وتجهيزاً، ولكن لديهم ما هو أهم وأكبر من ذلك كله، وهو الإيمان.. الإيمان بعدالة قضيتهم، والإيمان بحرية وطنهم، والإيمان بسلامة عقيدتهم، والإيمان بأرضهم، والإيمان بأن الله معهم ويدافع عنهم، والإيمان بأن خروجهم وقتالهم للاحتلال ليس لدنيا يصيبونها، وإنما لآخرة يبتغونها ويسعون لها، وذلك على نحو ما نقرأ ونسمع عنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
خسائر البشرية والمعنوية لجيش الاحتلال
لذلك ليس مستغرباً أن نشاهد هذه الخسائر الكبيرة في صفوف جيش الاحتلال، سواء بأعداد المصابين أو القتلى الذين سقطوا طيلة الشهرين الماضيين، والتي يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي رغم محاولات حكومة بنيامين نتانياهو التعتيم عليها؛ فحسب صحيفة “هآرتس” وصل عدد جرحى جيش الاحتلال إلى نحو خمسة آلاف جريح حتى الآن، العديد منهم إصاباتهم خطيرة، فضلاً عن مئات القتلى، بل ربما تجاوز عدد هؤلاء الآلاف لوجود كثيرين لا يتم الإعلان عنهم، وذلك خوفا من التأثير سلباً على الروح المعنوية لجنود جيش الاحتلال الذين يقاتلون حالياً في ساحة المعركة.. كذلك يتحدث الإعلام الإسرائيلي عن إصابة ما يقرب من 1600 جندي وضابط إسرائيلي بإعاقات مختلفة، وذلك منذ عملية السابع من أكتوبر الماضي؛ ناهيك عن الاضطرابات والصدمات النفسية التي أصابت العديد منهم، والتي سيكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل.
لا يحتاج الأمر إلى مبالغة، أو تضخيم في أداء المقاومة؛ فالنتائج على الأرض، والملاحم التي تجري في مدن وأحياء قطاع غزة، سواء في الشمال أو الجنوب، والتي تسجلها المقاومة يوميا عبر الفيديوهات والتقارير الإعلامية، تكشف حجم الخسائر التي يعاني منها جيش الاحتلال، رغم ادعاءاته بعكس ذلك؛ وهي الخسائر التي سوف تؤدي إلى وقف القتال وإنهاء الحرب عاجلا أو آجلا.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق