
عن قيمة الأشياء الصغيرة
بقلم: كريم الشاذلي
| 9 فبراير, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 9 فبراير, 2024
عن قيمة الأشياء الصغيرة
في هذا المقال سنستكشف أهمية الأشياء الصغيرة في حياتنا. فالحياة ليست مجرد لحظات كبيرة، بل مجموع الجولات اليومية والقرارات الصغيرة التي تحدث تأثيراً عميقاً.
من خلال نظرة جديدة، نتعلم كيف يمكن للتفاصيل الصغيرة أن تحدد مسار حياتنا بشكل كبير.
قوانين الحياة: أهمية الأشياء الصغيرة وتأثيرها الكبير
يظن المرء منا أن معارك الحياة تُحسم بالضربة القاضية، نربحها أو نخسرها نتيجة قرار حاسم، أو قفزة كبيرة، أو انهيار حاد؛ والحقيقة أن شواهد الأيام ما فتئت تؤكد على أن الحياة معركة تحسمها نتيجة الجولات، وعدد النقاط، وبأس روادها، وعزم إرادتهم.
بعض كتاب السير والتراجم ينبشون في كتب التاريخ، وهم يؤرخون لمؤثر أو عظيم، عن حادثة كانت الشرارة التي أظهرت مكامن تأثيره وعبقريته؛ بينما يذهب المفكر دائماً إلى البحث عن مفتاح الشخصية، عن طبيعة النفس التي تخوض المعركة، مؤكداً أن صفات المرء – سواء كانت الجبِلِّية أو المكتسبة- هي التي تحدد خياراته في الحياة، ومن ثم شكل أيامه. وما حوادث الدنيا ومواقفها إلا اختبار لما تمرس عليه، وطُبع في يقينه.
ببساطة، حياة الواحد منا هي مجموع خطواته في الحياة، وليست مرهونة بقفزة خطرة، أو قرار حاسم! حتى وإن جرى الخيال الشعبي على أن الحياة فرصة، والفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة.. لا يا صاحبي، الحياة جولات متتالية، في كل جولة ثمة فائدة، خطأ يحتاج لتصحيح، خلل يحتاج لإصلاح، وانتصارات مهما بدت صغيرة فإنها قد تصنع نصراً مُرضياً في النهاية.
في حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نرى تنبيها هاماً في هذا الأمر، إذ يقول: “إن الشيطان قد أَيِس أن يُعبد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي منكم بالمُحقَّرات”.. المعنى هنا ببساطة، أنه في معركتك الكبرى مع الشيطان، ما عادت الضربة القاضية هي هدف إبليس المرتجى، وأنه لن يبني خططه على تحقيق تلك الصورة الكلاسيكية للضلال بجعلك تعبد إلها آخر، أو ترتمي بين يدي صنم من حجر؛ لقد اتسعت رؤيته لكسب عدد جولات أكبر، عبر إيقاعك في الأخطاء الصغيرة، محقرات الذنوب، ومحقرات الأخطاء، ومحقرات الكلام، ومحقرات السلوك، وفوق كل هذا محقرات الظنون والفِكَر!
خطورة الأخطاء الصغيرة أننا نحقِّر من شأنها، على عكس الخطأ الكبير أو الذنب الكبير، فهذا قد يكون صادماً للضمير فيصنع رد فعل معاكس، ولطالما استقام أناس بعد وقوعهم في خطأ مزلزل، أو ذنب كبير موجع!
وعاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليمد خط الوعي بلفت النظر إلى أهمية الأشياء الصغيرة، فيقول: “سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلَّ”.. انشغلنا بعبارة ” لن يُدخِل أحدَكم عملُه الجنَّةَ”، لنؤكد معنىً مؤكَّداً من أن فضل الله كبير ورحمته لا نهاية لها، ونسينا أن هذا الحديث ينبهنا إلى طريق الجنة بوضوح، أن الله يحب العبد الذي يمضي طوال الوقت في الاتجاه الصحيح بخطوات ثابتة، حتى وإن كانت مرتبكة! حتى وإن كانت الخطى صغيرة.. هذا هو ما يحبه الله لنا، أن نسدد ونقارب بين أعمالنا الصالحة الصغيرة، وبشكل ثابت يجعل أيامنا بمجملها ذات أثر نافع.
لكننا في زمن السرعة الخاطفة، القفزة الحاسمة، “التريند” الذي يخطفك للقمة.. زمن يجعلنا ننظر بعيداً طوال الوقت، فنقع في الأخطاء الصغيرة، ونهمل المعاني الصغيرة، ونزدري المتع الصغيرة، ونمضي بسرعة نحو بريق الفرصة؛ دون أن ننتبه أن العمر نفسه هو مجموع الدقائق الصغيرة، والأيام القصيرة، واللحظات التي لا تعود.
وما بين أمر النبي بالانتباه إلى “محقرات الأشياء” سلوكاً وفكرا، وتشديده أن أحب الأعمال للخالق سبحانه “أدومها وإن قل”، يمكننا صياغة تصور منطقي لشكل الحياة.
حياة فيها طموح منطقي واقعي، لا يخطفك عن فهم يومك، والاستمتاع به، وأداء واجب اللحظة، والتعلم من كل موقف أو حدث فيه.. حياة متحركة، يقودها ضمير حي، ونفس راضية، وحماس متجدد؛ يعي المرء فيها أنه ابن يومه، مسؤول عن موضع قدمه، فيصحح وضعها حين ينتبه لزلتها، مهما كان صغر العوج، ويحترم كل خطوة صائبة حتى وإن كانت في أعين الناس صغيرة، ما دامت راجحة في ميزان ضميره.
صدقني يا صاحبي، حياة العظيم غير ما أخبروك عنه، إنها مجموع للأشياء البسيطة التي قام بها، والأخطاء الصغيرة التي أصلحها، والانكسارات الصغيرة التي تعلم منها.
سيحدثونك عن عنترة شجاع السيف والموقف، لكنهم سيهملون الحديث عن شجاعة المواقف اليومية، وبسالة الصمود أمام إغراء الحياة، وصلابة العيش بشرف.. سيحدثونك عن تضحية روميو الذي شرب السم في لحظة غباء، لكنهم سيهملون شجاعة الرجل المسؤول، والمرأة المسؤولة، وهم يتجرعون الصبر كي يتخطوا الحوادث الروتينية ويحافظوا على الحب حيّاً، ويقيموا بيوتهم على أعمدة راسخة بلا شكوى أو ضجر.
سيجتهدون في جعلك غريباً مشتتاً.. عالمنا الرأسمالي القاسي سيختصر مشوارك في قفزة تنقلك للقمة، بينما تعاليم ربك ستنبهك إلى خطواتك الصغيرة وأهميتها، وأخطائك الصغيرة وخطورتها.
يا صاحبي، أنت بمجموع أيامك.. فاصنع في يومك خيراً، وإياك أن يشغلك صخب الدنيا عن الاستماع إلى نفسك، والجلوس معها، وفهمها؛ فليس أتعس في هذه الأرض من إنسان ربح كل شيء وخسر نفسه.
وخسارة النفس أو إنقاذها، كلٌّ منهما متوقف على الأشياء الصغيرة.. فانتبه!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
شكرا لك كاتبنا الرائع
دام قلمك نابضا
مقال اكثر من رائع