عواطف أحرقها وهج السلطة

بقلم: خليفة آل محمود

| 30 مايو, 2023

بقلم: خليفة آل محمود

| 30 مايو, 2023

عواطف أحرقها وهج السلطة

في التاريخ مواقف عاطفية مميزة، تلغيها لحظة في حدث سياسي!.
وقف الخليفة عبدالملك بن مروان أمام جثة مصعب بن الزبير؛ ورغم المعارك الحربية الكثيرة التي جرت بينهما، فإن قلبه كان يعتصر من الألم لذلك المشهد.. المقتول هو  مصعب، الرجل الوسيم والشجاع، ورجل العراق الأول في حقيقته، وهو من أعز أصدقاء الخليفة عبدالملك؛ لكن السياسة، كما هو شأنها دوما، فرقتهم.
قال عبدالملك بحزن شديد وتأثر لا يخفى على الحاضرين: “إن مصعب خير الناس لولا أنه طلب مافي يديّ”.. فذلك المُلك الذي كان في يدي عبد الملك لا يمكن أن ينازعه أحد فيه، مهما بلغت مكانته وعلا شأنه، وذلك المُلك هو ما حرص كل صديق على نزع روح صديقه ليصل إليه!.

تُحيَّد كل الوشائج العاطفية من أجل كرسي الحكم.. وأغرب ما في ذلك ما كان من (الخيزرانة)، وهي أم لاثنين من الخلفاء، حين وقف ابنها الخليفة موسى الهادي أمام نفوذها وتدخلاتها في الدولة، فلم تستطع أن تستوعب ذلك

نذهب من تلك الحادثة إلى أخرى جاءت في مستقبلها، لنرى هارون الرشيد، وقد وقف أمام ابنه وولي عهده محمد ليقول له، وهو يشير إلى كرسي الحكم: لو نازعتني عليه لنزعت روحك!.
نعم، تُحيَّد كل الوشائج العاطفية من أجل كرسي الحكم.. وأغرب ما في ذلك ما كان من (الخيزرانة)، وهي أم لاثنين من الخلفاء، حين وقف ابنها الخليفة موسى الهادي أمام نفوذها وتدخلاتها في الدولة، فلم تستطع أن تستوعب ذلك؛ إذ كيف لها تصبح على الهامش، وقد كانت سيدة بغداد، عاصمة الدولة ومحور الدنيا؟!. فما كان منها إلا أن انعزلت في قصرها حزينة، لا يدخل عليها وزير أو أمير أو طالب حاجه، فالجميع يخشى غضب ابنها الخليفة، ولا يجرؤ على مخالفة أمره.
قمة التراجيديا، كما يقول عبدالجبار الجومرد في كتابه عن الخليفة هارون، كانت حين بلغها خبر وفاة ابنها الخليفة، ذلك الشاب العشريني، فما كان منها إلا أن قامت بتوزيع الهدايا والمال والحلوى بعد وصول خبر وفاة فلذة كبدها. وعلى إثر ذلك تولى ابنها الرشيد الخلافة، ما كان يعني عودة نفوذها.. انظر و اعجب من وهج السلطة حين يعلو على أسمى عاطفة في هذا الوجود،عاطفة الأمومة!. 

نحن نقرأ التاريخ، وهو أفضل معلم في الوجود.. أتسمو شهوة الحكم على كل العواطف الإنسانية؟!

يكشف التاريخ أحيانا لحظات حزينة في غاية العجب، حين تجتمع جثة الأخ القتيل مع أخيه القاتل، أو الصديق مع صديقه الغادر، أو الأب أمام ابنه الطامح.
ويلفت نظرنا المأمون في زي الخلافة، مزهوا أمام جثة أخيه الأمين، الخليفة السابق.. لحظة حزينة!. ولكن، ما كان فيها للحزن مكان في قلبه، ولا للدموع طريق على وجنتيه، فكل اللحظات الجميلة بينهما التهمتها لذة الوصول للسلطة، كما أنهت عصا موسى ثعابين فرعون!.
عموما، وبالرجوع عوداً على بدء. نحن نقرأ التاريخ، وهو أفضل معلم في الوجود.. أتسمو شهوة الحكم على كل العواطف الإنسانية؟!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...