غزة.. وإعادة اكتشاف ذاتنا الحضارية
بقلم: خليل العناني
| 30 ديسمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات...
-
العلم النافع: أساس التدبّر والتمكين
-
لم يخترع محمد علي الذرة!
أزمة الفنان، والمقاول، محمد علي، مرتبطة بمحنة...
-
الوثنيّة وأسبابُها.. بين يدي ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
إلى جانب الجاهليّة التي كانت تمثّل الصّنميّة...
-
دولة تسير إلى حتفها!
عندما يريد الله تعالى أن يهلك الباطل ينصّب عليه...
-
وزارة الحقيقة.. حكاية رواية «1984»
قبل حلول كريسماس عام 1936 بأيام قليلة، دخل صحفي...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 30 ديسمبر, 2023
غزة.. وإعادة اكتشاف ذاتنا الحضارية
أوائل نوفمبر الماضي وصلني طلب للتدريس بإحدى الجامعات الأميركية المرموقة بالعاصمة واشنطن.. في الظروف العادية تكون السعادة بالغة، فهكذا طلب لا يأتي كل يوم، كما أنه يُعدّ إضافة نوعية للسيرة الذاتية لأي أستاذ جامعي، خاصة إذا لم يكن أميركياً؛ ورغم ذلك فقد ترددت كثيرا في قبول الطلب، وذلك بسبب ما يجري حاليا في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية تقوم بها إسرائيل – ومن خلفها أميركا- بحق الفلسطينيين، إضافة إلى حالة الترهيب والتخويف، ومحاكم التفتيش التي تسيطر حالياً على الجامعات الأميركية، والتي لا تدع مجالا لانتقاد إسرائيل، ناهيك عن دعم حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ونيل حريتهم.
مواقف قوية تجاه حرية التعبير
قبل أسبوعين تمت إٍقالة ليزا ماغيل رئيس جامعة بنسلفانيا، وهي واحدة من أرقى الجامعات الأميركية، وذلك لأنها رفضت الخضوع للابتزاز بشأن الموقف من حرية التعبير داخل الجامعة؛ وقد تم استجوابها في الكونجرس الأميركي بشأن ما يجري بالجامعة من مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، ولكن تم الضغط عليها من قبل المانحين والمؤثرين كي تستقيل، وقد خضعت للضغط والابتزاز واستقالت في مشهد لم يحدث من قبل.. الأمر نفسه تكرر مع رئيسي جامعتي هارفارد و(إم أي تي)، وهما من أفضل الجامعات المصنفة عالمياً، واللذين خضعا أيضا للاستجواب داخل الكونجرس الأميركي بشأن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والرافضة للحرب الهمجية على الفلسطينيين والمطالبة بوقف إطلاق النار، وقد تعرضا أيضا لحملة شرسة من الضغط والابتزاز كي يقدما استقالتيهما، حيث يمارس المانحون ورجال الأعمال المؤيدون لإسرائيل ضغوطا هائلة على كلتا الجامعتين كي تتم إقالتاهما على غرار مع حدث مع ماغيل.
الأزمة الإنسانية في غزة
وفي حقيقة الأمر، فإن الحرب على غزة هي حرب كاشفة على كافة المستويات، خاصة للمواقف الأخلاقية والقيمية والإنسانية؛ وقد أصبحت بمثابة البوصلة، والخيط الرفيع الذي يفصل ما بين كل ما هو بربري وهمجي وما هو إنساني وأخلاقي، وقد كشفت زيف الادعاءات الغربية باحترام حقوق الإنسان؛ فالمقتلة الجارية حاليا في قطاع غزة، والتي راح ضحيتها ما يقرب من سبعين ألفا بين شهيد ومصاب، لم تحدث منذ عقود، وهي مقتلة تجري على يد جيش هو أقرب لعصابات قاتلة، وتطال شعبا أعزل لا يملك أدنى مقومات الحياة. ورغم شهادات كافة المسؤولين بالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان حول كارثية الأوضاع بالقطاع، ترفض الولايات المتحدة وقف إطلاق النار، بل إنها فوق ذلك تمد إسرائيل بآلاف القنابل والذخائر والصواريخ المجنحة التي تقتل الفلسطينيين يوميا، كما أنها استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن ثلاث مرات من أجل رفض تمرير قرارات تقضي بوقف فوري لإطلاق النار، وذلك في مشهد مخزٍ لإدارة بايدن ومن معه.
الرفض الأميركي للضغط على إسرائيل وتفاقم الأزمة
صحيح أن الرأي العام الأميركي رافض للحرب الحالية على غزة، وهو ما تجسَّد في تراجع شعبية الرئيس جو بايدن من جهة، وفي رفض ما يقرب من ثلثي الأميركيين لدعمه المطلق وغير المحدود لإسرائيل من جهة أخرى، ولكن كل هذا لا يساعد في وقف الحرب وإنهاء المجازر التي تجري بحق الفلسطينيين؛ فالرئيس بايدن على ما يبدو قد وضع كل أوراقه في سلة إسرائيل، ولا يكترث للنداءات المتكررة – سواء داخليا أو خارجيا- من أجل الضغط لإيقاف الحرب، وقد صرّح مؤخراً أنه لن يطالب نتانياهو بوقف إطلاق النار، وذلك في آخر مكالمة بين الرجلين قبل أيام.
دعوة لإعادة التفكير وتقييم العلاقات الثقافية والأكاديمية
وبقدر ما تبدو حرب غزة كاشفة للنفاق والازدواجية الغربية في ما يتعلق بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، فإنها بالقدر نفسه تدفعنا لإعادة التفكير في علاقاتنا بالمؤسسات الغربية على كافة المستويات، سواء السياسية منها أو الفكرية أو الثقافية أو الأكاديمية؛ بل الأكثر من ذلك أنها تدفعنا إلى إعادة اكتشاف ذاتنا وتاريخنا وتراثنا، ذلك الذي أهملناه كثيرا في إطار محاولتنا للحاق بالغرب والتأسي به.
الهوية والتراث – إعادة اكتشاف الذات والتاريخ
فالهزيمة النفسية التي أصابت الأمة العربية والأمة الإسلامية على مدار القرن الماضي يجب أن تتوقف، لتبدأ عملية جادة لمراجعة الذات والبحث عن منظومة قيمية جديدة من قلب تجربتنا الحضارية الممتدة على مدار ما يقرب من أربعة عشر قرناً، وفي تلك التجربة هناك الكثير الذي نفخر به، ليس أقله كيفية التعامل مع الأعداء أثناء الحروب، وكيف أن ديننا ينهانا عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويأمرنا بعدم اقتلاع الشجر أو هدم الكنائس والمعابد أثناء الحروب، كما يوضح لنا كيفية التعامل مع أسرى العدو، وقبل ذلك يعلّمنا كيف ننهض ونتطور، وذلك من خلال الأخذ بالأسباب والتوكل على الله وعدم الركون للنفس.. ناهيك عن التراث السياسي الواسع والثري، الذي جسدته كتابات الماوردي والجويني وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم، ذلك التراث الذي ساعد في بقاء حضارة الإسلام وقيمه لقرون.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لا تتركوا جبل المحامل وحده في الطوفان
كثيرًا ما أمعنت النظر صغيرًا في لوحة زيتية كانت تزين صالون بيت جدي، تتوسطها صورة رجل طاعن في السن والتعب، يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل الشقاء على جبينه ويمشي حافيًا في صحراء من الرفاق. وكبيرًا عرفت أنها لوحة "جبل المحامل" للفنان سليمان منصور، وهي ترمز إلى الشعب...
ذلك يوم عزَّ فيه العرب
" ذلك يوم عز فيه العرب".. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب. وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب،...
0 تعليق