فاغنر | مرتزقة في خدمة (البوتينية)
بقلم: خليل العناني
| 20 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 20 يوليو, 2023
فاغنر | مرتزقة في خدمة (البوتينية)
في أواخر مارس من عام 2022 تمت تصفية ما يقرب من 300 شخص رميا بالرصاص، ودُفِنوا في مقابر جماعية، وذلك في قرية صغيرة تُدعي “مورا” تقع بالقرب من الساحل الغربي لمالي، وقد اتهمت هيومان رايتس ووتش الجيش المالي ومرتزقة ميليشيات “فاغنر” الروسية بالقيام بتلك المذبحة المروّعة؛ وقبل عامين تقريبا تقدّمت منظمات حقوقية دولية بدعوى قضائية ضد ميليشيات “فاغنر” بسبب ارتكابها جرائم مروّعة في سوريا منذ عام 2018؛ وأواخر مايو الماضي وجه الادعاء الأوكراني اتهامات لعناصر من تلك الميليشيات بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا بحق المدنيين، وأصدر ممثلو الادعاء أسماء وصور ثمانية رجال مطلوبين لارتكابهم تلك الجرائم في قرية “موتيزين” بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف.
منذ تأسيسها قبل حوالي عقد تقريبا بدت الشركة العسكرية الروسية الخاصة Wagner Group كما لو كانت شركة تجارية تقليدية، ولكنها في الواقع لم تكن كذلك، فالشركة الخاصة على علاقة وثيقة بالجهات العسكرية والاستخباراتية الروسية منذ بدء تأسيسها وحتى اليوم؛ وقد استخدمتها الحكومة الروسية بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين كأداة غير رسمية لنشر النفوذ الروسي في الخارج دون حاجة لتدخل القوات العسكرية الروسية بشكل رسمي. وبالتالي فإن “فاغنر” هي منظمة أو ميلشيا عسكرية تابعة للدولة الروسية، وليست مجرد شركة خدمات عسكرية وأمنية خاصة كما قد يظن البعض.
كثيرا من الصراعات التي جرت خلال العقود الثلاثة الماضية، كما في العراق وأفغانستان، قد شهدت بروز دور شركات الأمن الخاصة، ولعل أبرزها شركة “بلاك ووتر” الأمريكية
و”فاغنر” في الحقيقة ما هي إلا قمة جبل الثلج، وواحدة من أبرز تجليات ظاهرة أخرى أكثر تعقيدا، وهي ظاهرة شركات الأمن الخاصة والشركات العسكرية الخاصة، التي ظهرت وانتشرت بشكل كبير بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينات؛ إذ خرج وقتها آلاف المقاتلين والعسكريين الروس من الخدمة بعد انتهاء مهامهم في الجمهوريات والبلدان التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، فسعوا من أجل توظيف خدماتهم وخبراتهم العسكرية مقابل المال. وقد لجأ لخدمات هذه الشركات العسكرية الخاصة العديد من الجهات الحكومية والخاصة، وذلك نظرا لما لدى هذه الشركات من مرونة في الحركة، ولأنها أوفر مالا وأقل عرضة للمحاسبة، وغالبا ما تكون قدراتها القتالية أعلى مما عند الجيوش العادية.
وحقيقة الأمر أن كثيرا من الصراعات التي جرت خلال العقود الثلاثة الماضية، كما في العراق وأفغانستان، قد شهدت بروز دور شركات الأمن الخاصة، ولعل أبرزها شركة “بلاك ووتر” الأمريكية التي تورطت في كثير من الانتهاكات أثناء الحرب الأميركية على العراق، وقد حُكم على بعض أعضاءها بالسجن مدى الحياة بأميركا؛ وهناك تقارير عديدة بشأن استمرار “بلاك ووتر” في تقديم خدماتها العسكرية والأمنية لبعض البلدان في الشرق الأوسط؛ فقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” قبل عامين، على سبيل المثال، تقريرا لمحققين أمميين حول قيام إريك برنس، الرئيس السابق لشركة “بلاك ووتر”، بإرسال مرتزقة مزودين بطائرات مسيرة هجومية وزوارق حربية وقدرات للحرب السيبرانية إلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا عام 2019، وذلك لمساعدته في شن هجومه على طرابلس ومناطق أخرى بالغرب الليبي، وهو ما يعد انتهاكا لحظر السلاح الأممي المفروض على ليبيا منذ عام 2011.
أما في روسيا فهناك، حسب العديد من التقارير والدراسات، الآلاف من شركات الأمن الخاصة العاملة في البلاد، التي تعمل في مجال حراسة البنية التحتية وتقديم خدمات حماية لكبار الشخصيات الروسية؛ ورغم أن القانون الروسي لا يسمح بتأسيس شركات عسكرية خاصة على أراضي الاتحاد الروسي، فهناك العديد من الثغرات القانونية التي يتم استغلالها من أجل تأسيس هذه الشركات. فمع أن القانون الجنائي الروسي -مثلا- يُجرِّم عمل الأفراد الروس كمرتزقة، فإنه يُسمح للشركات التي تديرها الدولة بأن يكون لها قوات مسلحة خاصة ومؤسسات أمنية، فضلاً عن وجود شبكة كبيرة من المتعهدين ومقاولي الباطن الذين يسمحون للمواطنين الروس بالعمل في الشركات العسكرية الخاصة؛ وهناك حيلة أخرى يتم استخدامها لتفادي القانون الروسي، بأن يتم تسجيل الشركات العسكرية الروسية الخاصة خارج البلاد، وهو ما يسمح للسلطات الروسية بتجاهل عملياتها باعتبارها منظمات أجنبية لا تقع تحت طائلة القانون الروسي. هذه الفجوات القانونية ساعدت الحكومة الروسية على استخدام خدمات هذه الشركات دون الوقوع في مسألة انتهاك القانون الروسي، وهذا ما يحدث بالضبط في حالة ميليشيات “فاغنر”، فالشركة غير مسجلة سواء في روسيا أو في أي مكان أخر، وتستفيد من الثغرات القانونية من أجل مد خدماتها للطبقة الأوليجاركية الحاكمة في روسيا وعلى رأسها بوتين وحلفاءه؛ أي أن الشركة بحكم القانون الروسي غير موجودة رسميا، ولكنها تستفيد بشكل كبير من علاقاتها بكبار المسؤولين داخل السلطة، سواء في الكرملين أو البرلمان الروسي.
توّسع نشاط “فاغنر” بشكل غير مسبوق لم تصل إليه أية شركة خدمات أمنية أو عسكرية خاصة من قبل؛ فقد امتد نشاطها ليشمل عددا كبيرا من البلدان بدءا من سوريا مرورا بليبيا ومالي والسودان وإفريقيا الوسطى
وهناك وقائع عديدة تؤكد أن مجموعة “فاغنر” خاضعة للدولة الروسية، منها على سبيل المثال دورها في الصراع الدائر حاليا في سوريا، والذي تدخلت فيه موسكو بشكل كبير أواخر عام 2015؛ إذ تشير تقارير كثيرة إلى أن العديد من مقاتلي “فاغنر” يتم علاجهم وإعادة تأهيلهم في المستشفيات العسكرية الروسية، وذلك مثلما حدث بعد معارك “دير الزور” عام 2018، حيث تم إجلاء الناجين من الجرحى بوساطة طائرات طبية عسكرية روسية إلى المستشفيات العسكرية في روستوف وموسكو؛ وكذلك تم إرسال عملاء ورجال تابعين لـ”فاغنر” إلى فنزويلا من أجل مساعدة الرئيس نيكولاس مادورو حين كانت البلاد على وشك الدخول في صراع أهلي عام 2019، وقد وصل هؤلاء الرجال، حسب تقارير عديدة، على متن طائرات تابعة للقوات الجوية الروسية. وكذلك الأمر في ليبيا، فإن طائرات الشحن العسكرية الروسية تقوم بنقل مقاتلي “فاغنر” إلى هناك بشكل مستمر.. كل هذا يؤكد ارتباط “فاغنر” بالدولة الروسية بشكل وثيق.
وعلى مدار العقد الماضي، توّسع نشاط “فاغنر” بشكل غير مسبوق لم تصل إليه أية شركة خدمات أمنية أو عسكرية خاصة من قبل؛ فقد امتد نشاطها ليشمل عددا كبيرا من البلدان بدءا من سوريا مرورا بليبيا ومالي والسودان وإفريقيا الوسطى، في حين يتحدث البعض عن أن لها وجودا وتأثيرا كبيرين في حوالي 13 دولة إفريقية، فضلا عن دورها في الحرب الحالية بأوكرانيا.
إذا”، “فاغنر” ليست مجرد شركة خدمات عسكرية خاصة، وإنما هي بالأحرى ذراع عسكري للدولة الروسية، وبشكل أدق للعقيدة البوتينية التي تسعى إلى مد النفوذ والتأثير في مناطق مختلفة من العالم، وذلك عبر القيام بالعديد من العمليات القذرة التي لا تريد أن يكون للجيش الروسي تدخل صريح فيها؛ فليس غريبا لذلك أن يتعامل رئيس “فاغنر” يفغيني بريغوجين مع بوتين ليس باعتباره مجرد “مرتزق”، وإنما كما لو كان زعيما سياسيا وعسكريا يسعى لحفظ ماء وجه بوتين ودولته خارجيا.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق